في أول لقاء بين المغرب والجزائر منذ اندلاع الأزمة الأخيرة حول الصحراء، بسب تداعيات قضية الناشطة أميناتو (أمينة) حيدر، تستضيف العاصمة الليبية طرابلس اجتماع وزراء خارجية الدول المغاربية في دورته التاسعة والعشرين. ولا يتوقع مراقبون، في ظل الأجواء الراهنة، حدوث تطور في مسار البناء المغاربي الذي يعتريه الجمود. وقال الديبلوماسي المغربي محمد أزروال المفتش العام في وزارة الخارجية إن بلاده حريصة على بناء الصرح المغاربي على أرض الواقع. ودعا الى «تجاوز الخلافات وإزالة العراقيل ورفع الحواجز التي لا تزال تقف في وجه الاندماج المغاربي»، في إشارة إلى سريان مفعول إغلاق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب منذ صيف 1994. وأضاف أن الرباط ملتزمة «وتعمل بكل صدق وإيمان من أجل بناء الصرح المغاربي على أسس متينة، قائمة على الاحترام بين الدول وعدم النزوع نحو التشتت والتشرذم». وعرض إلى العوائق التي تحول دون معاودة تفعيل الاتحاد المغاربي، مؤكداً أن «من دون تقويم مسار الاتحاد لا يمكن كسب الرهان والتحديات المفروضة على المنطقة». ويبحث وزراء الخارجية المغاربيون في أجندة العمل خلال الستة أشهر المقبلة، إضافة الى تقويم أعمال اللجان القطاعية والإحاطة بتقارير كيفية المتابعة. غير أن من المستبعد وفق مصادر ديبلوماسية مغاربية الوصول الى اتفاق لعقد القمة المغاربية المؤجلة منذ حوالى 15 سنة، في ضوء استمرار الخلافات المغربية - الجزائرية حول ملفات الصحراء والحدود المغلقة وإجراءات عالقة على الصعيد الثنائي. لكن ليبيا التي تسلمت رئاسة الاتحاد من الجزائر بعد استحالة عقد القمة، تطمح لأن تكون فترة رئاستها مدخلاً لتحولات في مسار الاتحاد، أقلها على صعيد استمرار الحوار وبلدان الاتحاد الأوروبي، وامتزاج الإدارة الأميركية الجديدة في شأن مشروع شراكة مغاربية - أميركية كان الديموقراطيون الأميركيون أكثر حماسة لها، وإن اقتصروا على الدعوة إلى شراكة بين المغرب والجزائر وتونس فقط، في فترة تأزيم العلاقات بين ليبيا والدول الغربية. ويشارك وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري في أعمال الاجتماع المغاربي، بعد تجاوز أزمة عارضة طاولت العلاقات المغربية - الليبية صيف العام الجاري، على اثر مشاركة زعيم جبهة «بوليساريو» محمد عبدالعزيز في استعراض عسكري في مناسبة ذكرى ثورة الفاتح من سبتمبر، ما أدى الى انسحاب الوفد المغربي الذي كان يقوده رئيس الوزراء عباس الفاسي. إلا أن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أنحى باللوم في ذلك على إجراءات بروتوكولية. وكان لافتاً أنه أرسل للمرة الأولى الى العاهل المغربي الملك محمد السادس رسالة تهنئة في مناسبة ذكرى «المسيرة الخضراء» التي مكّنت المغرب من ضم المحافظات الصحراوية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1975. الى ذلك يسود اعتقاد أن مدريد وباريس وواشنطن بصدد بلورة معالم تصورات جديدة لدعم جهود الأممالمتحدة في حل نزاع الصحراء. وكشف وزير الخارجية الإسباني ميغيل انخيل موراتينوس أن الجهود التي بذلتها هذه العواصم لاحتواء قضية الناشطة أميناتو حيدر أدت الى التفكير في منهجية جديدة لدعم خيار المفاوضات التي ترعاها الأممالمتحدة. وعلى رغم أن مدريد ليست عضواً في مجلس الأمن فإن فترة رئاستها الاتحاد الأوروبي بداية من مطلع عام 2010، ستشكل فرصة مواتية لمعاودة إحياء فكرة كان يتبناها رئيس الوزراء خوسيه لويس ثاباتيرو لناحية عقد اجتماع رباعي يضم المغرب والجزائر وإسبانيا وفرنسا. بيد أن دخول واشنطن على الخط من شأنه أن يعزز هذا التوجه. وقال موراتينوس إن الوفاق القائم بين بلاده وكل من فرنسا والولايات المتحدة «يظهر من خلال استراتيجية ثلاثية جديدة». وفيما يتوقع أن تكون القمة الأولى التي تجمع المغرب وشركاءه في الاتحاد الأوروبي في الثامن من آذار (مارس) في غرناطة مناسبة للبحث في جوانب هذه الاستراتيجية، يرصد مراقبون النتائج المرتقبة لزيارة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى مدريد في وقت لاحق، وإن كان الإسبان لا يتحدثون عن علاقات تفضيلية بين البلدين، وإنما عن توازن مصالح واعتبارات استراتيجية.