ليس أمام دول الشمال الافريقي غير مواصلة الجهود لتكريس مزيد من الاصلاحات الديموقراطية، فهي الاسلوب المقنع لمواجهة كل دعوات التدخل الاجنبي التي باتت تستهوي واضعي السياسة الأوروبية الذين ينظرون الى المنطقة، التي يعتبرونها مركزاً تقليدياً لنفوذهم، بعيون غير بريئة، وحتى وان رددوا انهم معنيون فقط باستتباب الامن والاستقرار على حدودهم الجنوبية. فمثل هذه الدعوات التي انبثقت عنها فكرة تشكيل قوات أوروبية للتدخل أو اعطاء الأولوية للبعد الأمني في جنوب البحر المتوسط، ليست انسانية بالقدر الذي يجعل الالتفاف حولها مقبولاًَ ومطلوباً، ولكنها بعكس ذلك تفسح في المجال امام مخاطر أكبر، قد يكتوي بنارها المغاربيون قبل الأوروبيين. ضرورات الاصلاحات الديموقراطية تحتمها الأوضاع الداخلية في بلدان الشمال الافريقي، وتجربة المغرب في هذا المجال تعتبر مدعاة للتفاؤل، بيد ان الفضاء المغربي غير كاف، واذا تأتى له ان يجد متنفساً طبيعياً في الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، المجال الطبيعي لامتداده، سيصبح عنصر قوة يفيد دول المنطقة كافة، ان على صعيد علاقاتها مع بعضها بعضاً، أو على مستوى ارساء قواعد متوازنة ومتكافئة مع بلدان الاتحاد الأوروبي التي تراقب تطورات هذه الأوضاع عن كثب. ليس التلويح بالمخاطر القادمة من جنوب البحر المتوسط هاجساً أوروبياً فقط، فالضجر من تزايد اعداد المهاجرين المغاربيين ومن الانفلات الأمني الذي يغذيه التطرف وانماط الممارسات العنصرية المستشرية داخل جماعات أوروبية ضاغطة، في مقدم الاسباب التي تكيف النظرة الأوروبية الى منطقة الشمال الافريقي، ولن يكون في وسع هذه الأخيرة ان تواجه الموقف الا من خلال معاودة ترتيب أوضاعها وعلاقاتها، وبالذات من خلال المضي قدماً في الاصلاحات الديموقراطية ومعاودة بناء جسور الثقة والتفاهم بين الشركاء المغاربيين، فالعنف ليس أداة سياسية لحل المشاكل. وتغييب الرأي العام عن المشاركة في صوغ القرارات ليس اسلوباً ناجحاً، والإبقاء على العلاقات متأزمة بين أطراف المعادلة المغاربية لا يفيد في عصر التكتلات الكبرى. كما ان الحوار مع بلدان الاتحاد الأوروبي حين يكون انفرادياً لا يقوى على انتزاع مقومات الشراكة الحقيقية التي تعود نفعاً على الجميع. من غير المعقول ان تترك الجزائر وحدها في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، حتى وان كانت ترى ذلك شأناً داخلياً، ومن غير المنطقي أيضاً ان تظل الجماهيرية الليبية وحدها مسرحاً لاختبار قرارات فرض الحظر الدولي، ولن يكون هناك أي حرج ان تدعم العواصم المغاربية خطة الحل الدولي لنزاع الصحراء، فالترابط القائم بين مشكلات المنطقة يفرض قيام حوار لتجديد الثقة، وفي الامكان القول ان الاصلاحات الديموقراطية تنعش آمال شعوب المنطقة في مواجهة التحديات، ولن تجد بلدان الاتحاد الأوروبي في غضون ذلك أي مبرر للتلويح بأي صيغة للتدخل، فالديموقراطية تعزز السيادة. وابعد من ذلك انها مظهر آخر لها، كونها عنواناً للقوة ولامتلاك زمام المبادرة.