مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    استعراض مسببات حوادث المدينة المنورة    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    نهاية الطفرة الصينية !    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    الأمين العام لاتحاد اللجان الأولمبية يشيد بجهود لجنة الإعلام    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يمكن إشراك المغتربين اللبنانيين في الحياة العامة في وطنهم الأم ؟
نشر في الحياة يوم 08 - 02 - 1998


أعد خليل شميّل تقر
يراً يتعلق بإمكان إشراك المغتربين في الحياة العامة في لبنان، هو حصيلة بحثه في هذا الميدان الذي قام به بمساعدة وزارة المغتربين. وهنا ترجمة مقتطفات واسعة من التلخيص التنفيذي الذي أرسله مرفقاً مع تقرير كامل باللغة الفرنسية:
يتفاوت عدد المواطنين اللبنانيين القاطنين في لبنان ما بين ثلاثة ملايين ومئتي ألف مواطن وثلاثة ملايين وأربعمئة ألف مواطن. ويتفاوت عدد اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج، من مغتربين ومهاجرين ومتحدرين من أصل لبناني، ما بين اربعة ملايين كتقدير ادنى وخمسة عشر مليوناً كتقدير أقصى. وبين هؤلاء اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج، يتفاوت عدد الذين يحملون هويات وجوازات سفر لبنانية او اخراج قيد لبناني ما بين مليون ومليون ونصف مليون. والوجه الاكثر مدعاة للجدل والنقاش هو ذلك الذي يتعلق باشتراك الانتشار اللبناني مباشرة في الحياة السياسية في البلاد، وفي النهاية في الانتخابات النيابية.
أولاً: الجانب الاجتماعي
يكمن هذا الجانب في الصلات العائلية والانسانية بين المغتربين وأقاربهم في لبنان، وهي صلات تتم إما بواسطة المراسلة والمساعدات المادية، وإما بواسطة التدخل في الحياة الاجتماعية للعائلة الأم أو حياة القرية الأم، واما بواسطة علاقة قربى تنشأ عبر زواج مغترب ومقيم هذه الزيجات كثيرة، وهي مع الاسف لم يحص عددها حتى اليوم. ونستنتج من دراستنا الميدانية ومن لقاءاتنا مع العائلات والافراد ان صلة القربى هي اول مظاهر المشاركة، على رغم كونها غير منتظمة تبعاً لوسائل الاتصال المستخدمة بواسطة العائلات والافراد من المفيد وضع دراسة مخصصة لوسائل الاتصال القديمة والحديثة، الا ان هذا ليس موضوع بحثنا.
فهذا الرابط الذي تمثله الروابط العائلية والعشائرية والرعوية والقروية والمذهبية هو الذي يوطد اواصر العلاقة بين المغتربين في ما بينهم من جهة، وفي ما بين المغتربين وبيئتهم الأم من جهة ثانية. ويشمل الجانب الاجتماعي العائلة والعشيرة والرعية والصلة الدينية والقرية والمنطقة، وكلها عوامل مولدة ومحافظة على هذه الصلات.
ثانياً: الجانب الثقافي
يكمل الدور التي تؤديه اللغة العربية والأدب وتاريخ او تواريخ المنطقة ولبنان في الذاكرة الجماعية الرابط الاجتماعي الذي يشاركه فيه، بالطبع، الرابط الديني والعلاقة بالتقاليد والعادات في لبنان والمنطقة او في لبنان ضمن الشرق الاوسط. فقد أدت اللغة العربية دوراً استثنائيا.ً واستطاعت ان تنشىء رابطاً عنيداً جداً عندما حافظت عليها العائلات المغتربة. وبعكس ذلك الامر، تلاشى الرابط عندما غابت عبر استيعاب المغترب في المجتمع المضيف. ولا يسعنا التشديد كفاية على الدور الثقافي المهم جداً الذي قد تقوم به الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم لو كانت موحدة على برنامج طويل الامد ينشىء في بلدان الاغتراب مدارس وجامعات ومراكز اكاديمية في تاريخ لبنان والادب العربي واللغة العربية، وينشىء برامج اذاعية وتلفزيونية يتم بثها في اذاعات بلدان الاغتراب. وعلى محطات التلفزيون اللبنانية التي تنقل برامجها عبر الاقمار الاصطناعية الى العالم ان تعنى بالتوجه الى المتحدرين من اصل لبناني. فالركيزة الثقافية هي التي تبقى والتي تنمي فكره وترفع مستوى ارتباطه ببلده.
ثالثاً: الجانب الاقتصادي
يقول السيد مكرم صادر جمعية المصارف اللبنانية انه "دخل لبنان بين سنة 1992 و1997 مبلغ 26 بليون دولار اميركي". ومصدر قسم لا يستهان به من هذا المبلغ المغتربون. وكما في كل الجوانب الاخرى فالجانب الاقتصادي متكامل مع هذه الجوانب.
ولا نتصور المشاركة في الحياة الاقتصادية اللبنانية الا بمفهوم واسع جداً يتخطى الاعداد القليلة ل "ملوك" الاغتراب، إذ يجب ان تشمل برنامجاً واسعاً يتجاوز اولئك الذين يرسلون في انتظام مساعدات مالية الى عائلاتهم ومنطقتهم، ومشاريع عائلية او قروية، ومشاريع انمائية تفترض تضامن هذه الطبقة الوسطى التي صدرت نفسها وتركزت في الخارج مع قراها ومناطقها ووطنها، وليس فقط المساهمة في شراء سندات للخزينة.
هذا المفهوم للمشاركة لا يعتبر المغترب بقرة حلوباً ولكن شريكاً يستثمر ويشجع المشاريع الانمائية في مناطقه خصوصاً وفي الوطن عموماً. ونلاحظ ان التوظيفات الخاصة بناء بيوت فخمة في القرية مثلاً تشكل غالبية التوظيفات في لبنان مقارنة مع التوظيفات القليلة في الصناعات التحويلية الزراعية او غيرها من الصناعات.
وهنا، على رغم الجهد المشكور ل "مؤسسة دعم الاستثمارات الخارجية في لبنان" IDAL لتشجيع المشاركات، يبقى ان نركز الجهود في اتجاهات ثلاثة:
1- البحث عن المعلومات والمعطيات المتعلقة بالامكانات المفتوحة والفرص المغرية التي قد تشجع على توظيف مربح وجمعها في "بنك معلومات".
2- حصر الهدف المرتجى وتحديده: الجانب الاقتصادي هو ركيزة تثبت الجوانب الاخرى وتنشىء اطاراً جذاباً لتطويرها وتبرر جزئياً الحاجة الى المشاركة في الحياة السياسية في القرار السياسي وفي الانتخابات.
3- تحديث المعاملات القانونية والقانون المختص بالاملاك والبيع والشراء والانتقال، وتسهيلها.
رابعاً: الجانب السياسي
لا شك في أن الوضع دقيق ودونه عقبات عدة. فدستور الدولة وقوانينها والممارسات السياسية التقليدية بمقدار ما ترتبط بتراث الديموقراطية البرلمانية التي ينعم بها هذا البلد - بعد خروجه من مرحلة طويلة دمرت مؤسساته وممارسته الديموقراطية - قد تحتوي وتحل المشكلات التي تطرحها مشاركة المغتربين في القرار الاقتصادي والسياسي. ولكن ما يبدو سهلاً نظرياً ليس كذلك عند التطبيق.
لا شك في ان هذه المشاركة ستنسج مع الزمن روابط أمتن بين المغتربين وبلدهم الأم عبر المشاركة في الاقتراع في انتخابات تشريعية، بغض النظر عن الآلية التي ستطبق في إحداث مراكز نيابية ممثلة للمغتربين ام لا، وبغض النظر عن زيادة مقاعد في المجلس النيابي او في مجلس الشيوخ الذي نص عليه الدستور ويحكى عن انشائه قريباً لانها ستطور مع الزمن العلاقات المتبادلة، والنسيج المتنامي سيحدث علاقات ملموسة وشعوراً بالمسؤولية اكبر بين افراد الجاليات اللبنانية في الخارج والوطن.
تقول النظرية ان المشاركة في القرار السياسي معقولة وممكنة وبسيطة، وتقوم على اقتراع المغتربين حاملي "البطاقة الانتخابية" وهي تنتظر قرار المسؤولين في السفارات والقنصليات وباشرافها:
1- إما بالاقتراع في الدائرة الاصلية التي ينتمي اليها المقترع.
2- وإما بالاقتراع في دائرة او اكثر مخصصة للانتشار اللبناني في القارات الخمس، والتي يفترض ان يتفاوت عدد المقاعد فيها بين خمسة وخمسة وعشرين، تضاف الى المقاعد ال 128 في المجلس النيابي.
3- وإما بالاقتراع لمقاعد شيوخ في مجلس الشيوخ المشار اليه في الدستور، والذي يجب تعديل تكوينه بإحداث مراكز لشيوخ يمثلون الانتشار اللبناني ويتفاوت عددهم بين خمسة وعشرة من أصل خمسين او ستين يشكلون مجلس الشيوخ.
وتقول النظرية ايضاً:
- ان آلية الاقتراع يمكن ان تتم عبر انشاء أقلام اقتراع في القنصليات والسفارات و"بيوت لبنان" في الخارج باشراف قنصلي وبمساعدة بشرية تؤمنها الاتحادات المحلية الثقافية والطالبية للبنانيين المغتربين.
- ان حق الاقتراع سيمارسه حاملو البطاقة الانتخابية التي ستمنح للبنانيي الاصل الذين يحددهم القانون اللبناني، اي اصحاب الحق.
- يشترك في الانتخابات التشريعية فقط حاملو الجنسية، اي الذين في حوزتهم بطاقة هوية او اخراج قيد او جواز سفر لبناني ساري المفعول.
اذن، ما يبدو سهلاً نظرياً قد يحدث مشكلات في التطبيق.
التوازن الطائفي
يقوم النظام اللبناني مرتكزاً الى توازن طائفي، فتتقاسم الطوائف السلطة في صورة نسبية. وأفضل مثال ملموس على ذلك النظام الانتخابي. نحن امام نظام يتوزع فيه النواب على مناطق وطوائف بنسب محددة نهائياً، وثُبت باتفاق الطائف عام 1989، حيث اتفق المؤتمرون على مجلس توازن يكون مجموع النواب المسلمين فيه مساوياً لمجموع النواب المسيحيين، وحيث يتوزع عدد النواب المسلمين والمسيحيين نهائياً في مناطق محددة.
وفي انتظار الالغاء النهائي للتمثيل الطائفي، يضم هذا المجلس نصفاً مسيحياً ونصفاً مسلماً، لمرحلة انتقالية. وكل دائرة انتخابية، سواء كانت قضاء ام محافظة، تضم عدداً محدداً من النواب يمثلون بعددهم الطوائف المختلفة في المنطقة نفسها.
والسجال الدائر على حجم الدائرة الانتخابية لمصلحة الغالبيات التلقائية في الدائرة الكبيرة منها والتوازن الاكثر اعتدالاً في الدائرة الاصغر ليس موضوع بحثنا، على رغم ان هذه المسألة، اي حجم الدائرة، تشكل في المستقبل المنظور مساهمة في الحل وفي تحسين نوعية المشاركة للمقترعين المغتربين في الصيغة التي يقترع بها المغترب في دائرته الاصلية وليس في الدائرة المخصصة للمغتربين.
ويشكل نظام التوزيع الطائفي الذي يحدد عدد النواب المنتخبين في المجلس النيابي، بحسب نسب الطوائف التي ينتمون اليها وتوزيع السلطة الناتج عن هذا النظام، محور المشكلة والنقاش والسجال التي تعود فتظهر من جديد كلما ذكر موضوع مشاركة المغتربين في الانتخابات التشريعية، وهذا قبل ان نتطرق الى موضوع الجنسية.
الهوية
الهوية هي العنصر المكون الاصلي في السجال الذي ينشب لانها متعددة المفاهيم في عقول اللبنانيين. وأحسن تصوير لذلك يتمثل في الحرب الاهلية الطويلة التي عاشتها البلاد. كان يظهر في عقول اللبنانيين مفاهيم عدة للوطن ترتكز تارة الى حس طائفي وطوراً الى فكرة متكونة للأمة. وتتعدد فكرة الأمة بدورها في عقول اللبنانيين في ثلاث: الأمة اللبنانية المحصورة، والأمة السورية، والأمة العربية. في الاساس، هذه التعددية في المفاهيم هي حصيلة لتفتيت الامبراطورية العثمانية ولدور الدول الكبرى المنتدبة، اي فرنسا وبريطانيا، في المرحلة الانتقالية التي سبقت الحصول على الاستقلال الرسمي للبنان الكبير ولجارته سورية، بدلاً من المملكة العربية الكبرى التي كان يفترض ان تنشأ بعد الثورة على الامبراطورية العثمانية. فالاتفاق المعروف في "سايكس - بيكو" والمعقود سراً عام 1916 بين فرنسا وبريطانيا، فصل هذه الامة منطقتي نفوذ، واحدة فرنسية واخرى بريطانية. وقسمت كل منطقة نفوذ دويلات عدة، وهذه ظاهرة شبيهة بظاهرة "البلقنة" في اوروبا العثمانية سابقاً. ويبقى ايضاً في موضوع الهوية ان نطرح تعددية الهويات كما يتصورها المغتربون في مختلف البلدان المضيفة وعبر مختلف الاجيال المتحدرة. وسنجد عبر بحثنا تردداً في وعي الافراد بالنسبة الى مفهوم الوطن والى الولاء له والولاء للسلطة. ويا للاسف، هذا ما تنكره كل الخطابات الرسمية على رغم ان جذوره حقيقية وفاعلة في التصرفات والمواقف السياسية للأفراد.
ونجد افضل مثال على نوعية هذا الرفض للسلطة المركزية في التمرد الدائم تاريخياً ضد الانصياع للسياسة الضرائبية والمحاولات الكثيرة لتفاديها والتهرب منها. ونجد ايضاً في التصرف السياسي للافراد انفصاماً بين انتمائهم الى "لبنان" وولائهم المتبدل للسلطة اياً كانت. تبقى المشكلة في ضمائر اللبنانيين في بعد ولائهم عن الولاء الثابت المرغوب.
تشكل هذه العناصر اشكالية البعد السياسي للرابط بين لبنان والمنتشرين في الخارج.
وأساس الشعور بالانتماء عند اللبنانيين المغتربين شديد الارتباط بحبهم الاول: العائلة، العشيرة، القرية، هذا الحب الذي قد ينتج عنه، او لا ينتج، الارتباط بالوطن. ورافق استنتاج هذه الفوارق في ضمائر اللبنانيين، درجة انتمائهم الى وطنهم ووعيهم هوية واضحة ترافقها لحظات اضطراب وتساؤل. يجب ان يكون دور السلطات في هذا المجال تبديد الغموض في هذا التساؤل بواسطة اجتذاب صدقية وشرعية وبنائهما من دون عيب، وايضاً بتحسين خدمات الدولة حيال كل مواطنيها بعدل، وبتطوير اساسي للعلاقة مع الثقافة اللغة، تاريخ البلاد، الادب، الفنون، الموسيقى. ولهذا يكون دور السلطة استراتيجياً في حماية العلاقة مع الانتشار اللبناني وتطويرها.
اما في ميدان بنية الدولة واداراتها، وبعد الكلام على دور السلطات العام علينا ان نقدم الملاحظات الآتية:
1- نحن في وضع راهن خاص وفريد. نحن خارجون من حرب أهلية.
2- لا تسمح حال مؤسساتنا الرسمية إلا بتطبيق القليل في سياسة الاصلاح والتعديل. ويتميز هذا الوضع بوجود طاقات كثيرة، المستثمر منها قليل. لذلك يتوجب علينا القليل من التواضع في ما يخص التغيير والاصلاح. هذا ينطبق بالطبع على موضوعنا في العلاقة مع المغتربين.
3- بِمَ يسمح الوضع الراهن؟ الواقعية والحكمة تفترضان البحث عن سياسة الممكن. والممكن، نظراً الى الامكانات المتوافرة، هو:
- على المستوى الثقافي: سياسة مدروسة من الدولة حيال المغتربين عبر برنامج طويل المدى.
- على المستوى الاقتصادي: سياسة انفتاح للمشاركة والتضامن في التوظيفات في المنشآت الصناعية والتجارية موزعة على كل انحاء البلاد ومشجعة على مشاركة المغتربين.
- على المستوى الاجرائي: تسهيل المعاملات الشرعية، وحماية حقيقية لحقوق الافراد في حقل ممتلكاتهم والعمليات المرتبطة بها.
- على المستوى السياسي: فتح نقاش في المضمون السياسي لمشاركة المغتربين.
اذن، يطلب من السلطة:
أ تحديد حاجات الدولة على المدى البعيد حيال هذا الرابط. هل هو مرحلي أم استراتيجي؟
ب تحديد الدور السياسي للمغترب للوصول الى شكل المشاركة السياسية الاكثر منفعة للطرفين. هل المغترب شريك أم مندوب مفوض؟
ج اتخاذ الاجراءات الضرورية لترجمة هذه التوجهات في مشاريع قوانين أو تعديل قانوني، أو اجراءات قانونية شرعية مع تصور لطريقة تنفيذها عبر برنامج - روزنامة.
يبقى القول ان الوضع الراهن يسمح لنا بالاستفادة من حال لينة استثنائية لان البلاد خارجة من شبه هزة ارضية. فالعادات والممارسات القديمة ما زالت تحت الصدمة، ولهذا فهي تتقبل التحسين والاصلاح في شكل أسهل من وضع روتيني عادي. وبخروجنا من الحرب يتحمل المجتمع الاهلي اعباء وتضحيات اكبر وأبعد مما قد يتحمله في زمن طبيعي.
لبنان الآن، كما سيصبح في المستقبل، اكثر جاذبية لابنائه المغتربين كونه في وضع قد يدعوهم الى رباط اكثر صلابة وتطوراً اياً كانت الحدود التي ستوضع لهذا الرابط. وهذا بفضل تطور وسائل الاتصال البعيدة المدى والاعلام العالمي عبر الوسائل الحديثة. نعم، نحن في عصر القرية العالمية. وتبقى الحاجة والمصلحة في التضامن الاجتماعي والثقافي والوطني، العلاج الوحيد الذي يتقبله المجتمع الاهلي الذي يعالج جروحه. وعلينا ان نعترف بأن هذا المجتمع حافظ على نفسه اكثر بكثير من كل المؤسسات في البلاد.
مقترحات وتوصيات
سنتبع التقسيم نفسه في اربعة ميادين:
أ - الميدان الاجتماعي
ب - الميدان الثقافي: التعليم والنشر وتنظيم معارض متجولة وتطوير صيغة المخيمات الصيفية للشباب وتنظيم لقاءات دولية.
ج - الميدان الاقتصادي
1 تسهيل الودائع والتوظيفات الاستثمارية وتشجيعها. وهنا نلفت الى جدوى التجربة الهندية بفتح حسابات للأجانب وبينهم المغتربون.
2 التركيز على مبادرات "مؤسسة دعم الاستثمارات الخارجية في لبنان" IDAL: تعزيز التبادل التجاري وتمويل المشاريع الكبرى والمشاركة اي تشجيع مبدأ الشراكة.
3 تحديث التشريعات الاقتصادية والتجارية: تشجيع التبادل وتسهيله، وحماية الرساميل والاملاك هي قاعدة كل تطور ايجابي في هذا المضمار. ويتمتع لبنان بشهرة، عليه ان يحافظ عليها ويوطدها بتأمين أوسع مساحة للأمان بواسطة القانون.
د - الميدان السياسي:
يجب ان يبدأ العمل في الميدان السياسي حيث يكون المعنيون، أي في دول الاغتراب. ويفترض بالمغتربين ان يقوموا بدور ضاغط ومدافع عن مصالح لبنان في بلدان اقامتهم، اي دور مجموعة نفوذ للحصول على دعم هذه البلدان لقضايا وطنهم: الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، اعادة اعمار لبنان، دعم مسيرة التوحيد والدفاع عن المصالح الوطنية للبنان.
يستحق المغتربون في تأديتهم هذا الدور، واذا اعربوا عن رغبتهم، استعادة جنسيتهم اللبنانية والمشاركة في الانتخابات التشريعية في احدى صيغتين: إما الاقتراع في الدائرة الانتخابية الاصلية للنواب المرشحين في هذه الدائرة، وإما انتخاب شيوخ ممثلين للانتشار اللبناني في الخارج. ونعتقد ان إمكان الاقتراع، من أماكن إقامتهم عبر اقلام اقتراع مجهزة في القنصليات او بالبريد المسجل من اماكن اقامتهم نحو القنصلية اللبنانية المرتبطين بها، متاح لأن المشكلة تقنية بحت، والتكنولوجيا الحديثة، ايامنا هذه، متطورة بما فيه الكفاية لمعالجة كل مشكلات التزوير. وباداء المغتربين هذا الدور، وبالاخص في البلدان الكبرى في العالم، وأهمها الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والارجنتين واستراليا وبلدان اوروبا الكبرى، يصبح التجهيز سهلاً ويستحق الجهد المطلوب لانجازه، كما سيستحقون هم هذا الحق.
فبنية شبيهة ب "برلمان الخارج" أو "المجلس الاعلى للفرنسيين في الخارج" تجتمع كجمعية انتخابية وتنتخب عشرة شيوخ من اصل ستين في مجلس للشيوخ، اضافة الى وفد مؤلف من خمسة ممثلين، كل واحد منهم يمثل قارة، في "مجلس اقتصادي واجتماعي" يفترض انشاؤه قريباً، هي في رأينا الصيغة المثلى للاشتراك في السلطة التنفيذية من دون احداث اختلال في بنية السلطة وتركيبها الداخلي. هذا الحل أقل اشكالية من احداث مراكز اضافية لنواب في البرلمان، ولا يفسح، بالتالي، في المجال امام التدخل التعسفي غير المستحب نظراً الى الوضع الدقيق الذي يتسم به البرلمان الحالي.
ونعود في النهاية الى صيغة اكثر واقعية بعد استرداد قلوب المغتربين والمتحدرين منهم الذين هم في حاجة الى هذا الاسترداد. وبعد انشائنا وتطويرنا لنشاط مشروع بالمشاركة في مصير البلد بواسطة دعم يقدم في البلدان المضيفة، نكون مهدنا من جديد الطريق الى المشاركة في القرار السياسي والتشريعي. الحكمة هنا تكمن في دحر الاوهام التي تقول بالاكتفاء مثلاً بأن نستغيث بدعوة الى المغتربين كي نفاجأ بتدفق الرساميل والتوظيفات والافراد الذين يحل عليهم الروح القدس لتغليب حنينهم الى لبنان على مصالحهم كمقيمين مجنسين في بلدان بعيدة عن وطنهم.
وبعكس ذلك، ان مساراً مخالفاً يفهم المصلحة الحقيقية لمغترب يرى علاقته ببلده الأم تكبر يوماً بعد يوم بواسطة نشاط تضامني من ضمن مجموعة ضاغطة لمصلحته على الساحة الداخلية في لبنان في الثقافة والاقتصاد، وايضاً في القرار السياسي والتشريع، هذا المسار اكثر حكمة وواقعية لانه يرتكز الى معطيات ملموسة قبل ان يرتكز الى ارتباط عاطفي حتى ولو كان هذا الارتباط وطنياً.
الى ذلك، وعلى رغم هذا المسار، لا نستطيع ان نؤكد حتمية النتائج. علينا ان نقبل ونتصور مساراً على المدى البعيد، ومن هنا الحاجة ملحة الى التخطيط لرسم استراتيجية لسنوات عدة. ويناط بالمؤسسة المسؤولة عن العلاقة بالمغتربين، وهي وزارة المغتربين اليوم، وبمساعدة الهيئات الممثلة للمغتربين انفسهم، اي "الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم" من ناحية، وبمشاركة بقية الوزارات المعنية المتممة من ناحية اخرى، ان تدرك وتتبنى وتطبق هذه الخطة الطويلة المدى.
ولهذا يتوجب انشاء ادوات عمل هي الآتية:
1- مركز دراسات وأبحاث وتوثيق يجمع المعطيات والمعلومات والابحاث الموجودة عن الاغتراب اللبناني في العالم.
2- ندوات متعلقة بالمواضيع الآتية، مثلاً:
أ - الهوية والجنسية اللبنانيتان، في ما يتعلق بالانتشار اللبناني.
ب - القانون اللبناني والهجرة المشاركة في الانتخابات، القوانين التي تحمي حقوق المغتربين الغائبين وتبسطها.
ج - توحيد الكتب المراجع في التاريخ والجغرافيا والادب واللغة العربية.
3- "بطاقة المغترب" كما طرحتها فئة في الجامعة الثقافية التي ستسمح خلال اربع سنوات او خمس بتغطية الانتشار اللبناني من حيث العدد وأماكن الوجود وهذا يشكل بداية عملية احصاء طويلة المدى.
4- هيئة لتحديث القوانين والاجراءات والمعاملات الشرعية المتعلقة بكل مواضيع الملكية والعمليات المتصلة بها.
5- اصدار مراسيم اجرائية لتسهيل اجراءات استرداد الجنسية اللبنانية الى أبعد الحدود، وكذلك كل المعاملات المتعلقة بهذا الموضوع.
سياسة الممكن
يجب اتخاذ الاحتياطات في الجهد المبذول لمشاركة المغتربين في الحياة العامة.
أول هذه الاحتياطات في حدود الدعوة حيال المغتربين. وهذه الحدود تكمن في نزاع محتمل في ازدواجية ولاء المغترب بين لبنان والبلد المضيف.
وأول هذه الحدود القوانين والانظمة في البلد المضيف الذي يحدد شرعاً واجبات مواطنيه وحقوقهم. فالجنسية المزدوجة تكون مرفوضة حيناً، كما هي الحال في فنزويلا، ويتسع الصدر لها احياناً كما هي الحال في الكثير من البلدان المضيفة.
من مصلحتنا اولاً ومن غير المستحب اصلاً، زعزعة علاقة المغترب اللبناني بالبلد المضيف، لسبب موضوعي يتبدى في حاجتنا الى مغترب قوي راسخ ثابت الاوضاع، اذ يكون افعل وصاحب نفوذ اقوى في دوره الداعم للبنان. وهذا لا يعفينا من واجب احترام القانون الذي عليه ان يكون في صميم تربية اللبناني أينما وجد: أفضل ضمان للأمن الموضوعي عند الذين تعودوا - وهو كامن في ذاكرتهم الجماعية - على تقاليد رفض السلطة المركزية ورفض واجبات المواطن، كونهم تعوّدوا الانتماء الى ما هو دون الوطن من انتماءات، الى عائلة أو عشيرة أو قرية أو منطقة أو رعية أو طائفة. هذا التراث طبع اللبناني عبر تاريخه الواعي واللاواعي وأنتج افراداً بعيدين عن مفهوم المواطن المنتمي الى وطن واحد ومصلحة عامة للجميع لا لفئة.
ثاني هذه الاحتياطات في وضع حد معقول لخيالنا وأمانينا، وفي حرصنا على الانطلاق من قاعدة معقولة واقعية وعدم الانسياق وراء الاوهام، وفي حرصنا أيضاً على ألا يخيب أملنا في انشاء روابط قوية مستدعية وجذابة للبنانيي الاصل. نعم، هؤلاء المغتربون لن يزحفوا عائدين في شكل جماهيري عند سماعهم الدعوة. انهم متركزون في بلاد الغربة حيث أنجزوا وبنوا اوضاعاً ونشاطات وأعمالاً ليسوا مستعدين للاستغناء عنها. فحيال دعوة من بلدهم الأم يكون قرارهم متنوعاً ويتوزع في احتمالات عدة، بدءاً بالتضامن والدعم وانتهاء بالعودة النهائية. والراسخ في اقتناعنا ان دوافع العودة تنطلق اساساً من فهم عاقل للمصلحة الاقتصادية تتبعه علاقة عاطفية تبدأ بالعلاقة العائلية وتنتهي بالرابط الوطني.
وثالثها في استخلاص مستنتج وليس في ادعاء مسبق، إذ لم نستطع وضع تحديد للمغترب الا بعبارة "عبور الحدود" و"تغيير مكان الاقامة الدائم". انه منهج مبني على اساس فني ومادي يعني الابتعاد عن العواطف والأماني. ثمة فارق بين الذي هاجر هرباً من الحرب والذي هاجر سعياً وراء الاستيطان والعيش الافضل. وهذا الفارق يفترض هو ايضاً عودة مختلفة بين الذي ينتظر استتباب الامن وترسيخ السلم لعودته وذلك الذي استقر في الغربة وحقق ازدهاراً ثم قرر العودة بعد حدوث تغيير في دوافعه الشخصية والاقتصادية والوطنية.
بعد الوقوف عند هذه الاحتياطات، يبقى للتخطيط وللاستراتيجية الطويلة المدى ان تمليان السياسة التي يجب اتباعها خطوة خطوة في كل مرحلة. وهذه بدورها تفترض وجود جهاز دولة ومؤسسات مبنية ومكتملة وسياسة وطنية مناسبة وصدقية ترسخ الثقة لتطوير العلاقات والروابط بكل تفاصيلها عبر الزمن. لا يكفي وعي الحاجة ولا التحليل النظري للحلول لتغيير الواقع. فالحل طريق طويل مليء بالعقبات والصعوبات ويتطلب واقعية متواضعة مقرونة بطموح مستديم. وهنا يكمن دور السلطة التنفيذية ومهماتها، من مجلس الوزراء وصولاً الى وزارة المغتربين، المسؤول الحالي عن العلاقة بالانتشار اللبناني. من الصعب ان نفرض على بنية في طور اعادة اصلاح نفسها بنفسها ان ترمم ذاتها. وعلى الاصلاح ان يواكب عملية تطبيق هذه السياسة. وتظهر الحاجة الى الاستفادة من المنظمات الدولية لأن لبنان صاحب إمكانات وطاقات غير مستثمرة من الاختصاصيين والكوادر منتشرين في العالم.
فمشروع كمشروع "توكتين" TOKTEN ل "البرنامج الانمائي للأمم المتحدة" PNUD يمثل افضل وسيلة لاستعادة الكفايات المنتشرة في العالم وتوظيفها في وطنها الأم، حيث تستطيع ان تقدم الكثير من الامكانات الملموسة والايجابية والراسخة. فهذا المشروع، على رغم تواضعه في البداية، يجب ان يتم تطويره ليسد فراغاً عميقاً في مجال انماء بلدنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.