حطت فرق ومجموعات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رحالها في أسواق الرياض ومجمعاتها التجارية، إذ بَدت جرعة الانتشار لرجال الأمر بالمعروف «زائدة» مع دخول الشهر الكريم، قبل أن يؤكد ذلك إعلان «الرئاسة العامة» زج 1880 موظفاً ميدانياً «إضافياً» في الميدان خلال رمضان. بمجرد أن تقترب من أحد المجمعات والأسواق سينخطف بصرك، من «فلاشات» سيارات «الهيئة» الجديدة، ذات الأوزان الثقيلة، وهي تصنع «شبه طوق» قبل أن تجد الراجلين منهم «يمسحون» الأسواق جيئة وذهاباً، مترصدين لمن يشتبهون به أو يرتابون. وفي ظل الحضور الطاغي لرجال الأمر بالمعروف خلال الشهر المبارك، لا يزال الانقسام واضحاً بين مؤيدي حضورهم ومفضلي غيابهم، خصوصاً أن الفئة الأخيرة ترى أن بعضهم لا يجيدون التعامل مع زوار الأسواق، و«يأخذون الحسن بجريرة السيئ» بحسب من تحدثوا ل«الحياة». هذا الانقسام جعل لبعض «المولات» التي لا يتكاثر فيها رجال الهيئة «ميزةً إضافية»، في حين يرى آخرون، خصوصاً أولئك الذين يرسلون نساءهم وحيدات إلى الأسواق، أن وجود «الآمرين بالمعروف» مفضل، بل «ضرورة». وفي الوقت الذي يؤكد فيه القانون أنه ليس من حق أحد أياً كان (ومن ضمنهم رجال الهيئة) الاعتداء على خصوصيات المواطنين والمقيمين، إلا أن عضواً في الهيئة (طلب عدم الكشف عن اسمه) أكد أحقيتهم الاحتفاظ بالأجهزة الشخصية لبعض الزوار «ممن قد تنطبق عليهم علامات الريبة وفق منظورهم». من جهته، قال المواطن محمد بن يحيى ل«الحياة»: «لم أعرف حتى الآن توجه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وتساءل: «هل طبقوا مبدأ الأمر بالمعروف قبل أن ينهوا عن المنكر؟ أم تجاوزوا المبدأ الأول واكتفوا بالشق الثاني». ويضيف: «لا يزال الشد بيننا كشباب ورجال الهيئة في ظل الانتشار اللافت لهم في شوارع العاصمة بسياراتهم ذات الصدامات الضخمة وأضوائهم الخاطفة للأعين التي تكاد تنافس ساهر ببريقها». وربما كان تذمر ابن يحيى من موقف تعرض له مع رجال الأمر بالمعروف، «كنت أمر بجوار إحدى الأسواق، عندما فوجئت بشخص يقف في وجه سيارتي، ويجبرني على التوقف، ليبدأ رجال الهيئة بتفتيش سيارتي وطلب أوراقي، بطريقة حادة». لم تنته القصة عند هذا الحد، فبعد أن وجد رجال الهيئة أنهم «لن يجدوا شيئاً»، بدأ أحدهم باستجواب صاحب السيارة بأسلوب غريب على حد وصفه «بدأ أحدهم باستجوابي بطريقة غريبة، وسألني: ما الذي أتى بك إلى هنا؟». ويستطرد ابن يحيى بتعجب: «كأنني دخلت منزله، زجرني وطلب مني عدم المرور هنا مرة أخرى، وبدأن بتهديدي بأنه سيسلمني إلى هيئة التحقيق والادعاء العام إن ظفر بي مرة اخرى». فيما يروي أحمد النامي قصته «كنت قادماً في وقت باكر لأحد المطاعم المجاورة لمنزلي بعد أدائي للصلاة في المسجد المجاور، ولسوء حظي كان المسجد المجاور للمطعم لم ينته من أداء الصلاة، فجلست بسيارتي أنتظر ريثما يخرج المصلون من المسجد». ويتابع: «إلى جواري كانت سيارات بداخلها أشخاص مع عائلاتهم لكن حدث أن وقفت خلفي سيارة تابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب مني سائقها الترجل من سيارتي»، وتساءلوا عن السبب الذي منعني من الصلاة مع الجماعة، فأجبتهم أن ذلك المسجد متأخر وأنا قادم من مسجد آخر في الحي المجاور». طلب رجل الهيئة من النامي هاتفه الجوال، فرفض، «لكنه أجبرني ومن معه على إعطائهم هاتفي، وإلا فإنهم سيسلمونني للمركز بتهمة عدم أداء الصلاة في وقتها». وزاد: «هاودتهم، وأعطيتهم الجوال، بعد أن طمأنوني أن لا داعي للقلق، فسحب ذاكرة الجهاز وأتلفها أمامي، وكذلك فعل بالشريحة». لم يتوقف رجل الهيئة عن مضايقة النامي حتى هذا الحد، بل أركبه سيارة الهيئة وذهب به إلى أقرب مركز شرطة في الحي، حيث جلس نحو أربع ساعات هناك». مثل آخرين، لاحظ طلال العتيبي انتشار رجال الهيئة في المجمعات التجارية في الرياض بشكل عام، وزيادة جولاتهم الميدانية والوقوف بسيارتهم على أرصفة المجمعات والأسواق، وأمام أبوابها، «كأن بوابات الأسواق مصائد للمارة، وفق الشكل والتصرف للقبض عليهم». ولا يقف الأمر عند هذا الحد بحسب العتيبي، فبعضهم يدور في محيط المجمع، «حدث معي أن طردت من باب المجمع أثناء انتظاري لعائلتي، دون أن أفعل شيئاً»، متسائلاً عن المظهر الذي يجب أن يكون عليه الشخص حتى لا يتعرض للملاحقة والأذى. أحد رجال الأمن العاملين في مجمع تجاري طلال المولد قال ل«الحياة»: «لا شك أن وجود رجال الهيئة أمام المجمع التجاري يخفف من الضغط الحاصل علينا، لكن المعاملة هي مشكلة غالبيتهم، فبعضهم يتعامل مع زوار السوق بطريقة منفرة، وهو ما يجنب المتسوقين الحضور إلى السوق نفسه مرة أخرى. المعاملة السيئة من بعض رجال الهيئة لا تقتصر على الزوار، إذ يصل الأمر ببعضهم – بحسب المولد – إلى التطاول على رجال الأمن في المجمع، المكلفين بضبط الأمن داخل السوق، والدخول في مشاجرات معهم. محاكمة ب «الشبهة» اعتبر عضو ميداني في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (طلب عدم الكشف عن اسمه) أن «من حق رجل الهيئة التحفظ على هاتف من يشك في تصرفاته أو من يظن انه له علاقات غير شرعية، للكشف عما يحتويه ذلك الجهاز»، ما قد يوقعه في قضية ثانية أو ابتزاز واقتناء صور للفتيات في جهازه، ومن ثم يسلم لهيئة التحقيق والادعاء العام لاستكمال الإجراءات القانونية في حقه.