شعر النساء من عوامل جمالهن وبهائهن، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «سبحان من جمّل الرجال باللحى والنساء بالذوائب»، والذوائب هي الشعر. وهذه الخصلات الحريرية التي ترتمي على الكتفين طويلة بهية فاتنة، كأنها «سنابل تُركت بغير حصاد»، كما يقول المتألّق نزار قباني، هذه «الظفائر الجاذبة» لم تعد ملكاً للمرأة، بل أرادت بعض الفتاوى أن تقيّدها وتتصرف باتجاهاتها وطُرق إسدالها وكيفية تسريحها، ومن يدري فبعض أهل العلم والفتوى «أبخص» من النساء حتى في تسريح شعورهن! جاء في كتاب «فتاوى علماء البلد الحرام» - وهو كتاب ضخم جداً يقع في أكثر من 2000 صفحة - السؤال الآتي: «بعض النساء في هذه الأيام يقمن بتمشيط شعر رؤوسهن بطريقة جديدة، وذلك بفرقه من منتصف الرأس بطريقة متعرجة غير مستقيمة كما هو معروف، وقد ذُكر أنها حرام لأنها من فعل الجاهلية، فهل هذا صحيح»؟ وقد جاء أحد المشايخ المعتبرين بالقول: «الطريقة المتبعة عند نساء المسلمين فرق الشعر من نصف الوجه والرأس، وجعل الشعر نصفين يميناً وشمالاً، ثم تسريحه وجعله ذوائب تُفتل من أعلاه المتصل بالرأس، كما قالت أم عطية في غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلّم وقبل التكفين: فظفّرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها، وذِِكرُ عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلم يسرّح شعر رأسه، وكان يسدله موافقة لليهود، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه بشيء، قالت: ثم إنه فرّقه بعد ذلك، فأما هذه الفرقة المتعرجة، فأرى أنها لا تجوز، وأنها تشبّه بالكافرات، أو من فعل الجاهلية الأولى، أو جاهلية هذا الزمان المقلّدين لنساء الغرب، ولهذا يكثر منهن التغيّر، ففي زمان تحدث موضة جديدة، يتركون معها ما سبق من العادات، فأرى هذا التقليد الأعمى، وأن الاتباع في الفَرقة والتسريح هو ما عليه نساء المؤمنات سابقاً من تربية الشعر والعناية بمشطه وتسريحه وفتله ونحو ذلك، والله أعلم». ومثل هذه الفتوى حاضرة في البساط الفقهي «السلفي»، الذي لا يترك شيئاً من غير تدخّل أو اعتراض، لذا نجد له في كل أرض قرضاً، وفي كل ظاهرة فتوى ماطرة، وكلمات سافرة! وحتى لا يظن القارئ أن هذه «توقيعة» شاذة أو نادرة، سيعمد القلم إلى تعزيزها بأخرى، حتى يكمل العدد وتتم الأحكام في هذا الصدد. فهذا سؤال آخر يقول: «ما حكم رفع جزء من الشعر على الرأس، ثم إسداله مع بقية الشعر»؟ ليأتي الجواب من أحد المشايخ الفضلاء بالقول: «يُفضل فرق الشعر من وسط الوجه، وفتله على الجانبين، وهو فعل أمهات المؤمنين ومن بعدهن، فرَفْع جزء من الشعر إلى أعلى الرأس مستنكر، سواء كان من المقدمة أو أحد الجانبين، بل عليه أن يظفّر من جهته، أما السدل الذي هو إرخاء الشعر وتدليته، فيجوز من دون أن يُرفع إلى جهة أخرى، إذا لم يحصل الفتل»! إن مثل هذه الفتوى كثيرة ومبثوثة في مجلداتها، وبإمكان طالب علم مبتدئ أن يجمعها في كُتيب صغير يحمل عنوان «رسالة إلى جارة القمر في كيفية تسريح الشعر»، وتكون نسخ هذا الكُتيب في محال التجميل وأماكن «التزيّن» وهوادج الكوافيرات، لتعمّ بها الفائدة وتشمل منافعها «المسرِّحة والمسرَّحة» وحتى أدوات التسريح والمشارط وعدة التشريح!