أثار الشيخ يوسف القرضاوي مسألة ما يحسن أن يكون عليه العلماء من الملبس والمظهر، وما اقترحه لعلماء الأزهر ممن يحلقون اللحية أن يعفوها. وعلماء المالكية أيضا يحلقون لحاهم وعلماء شمال أفريقيا على هذا الحال. فهل للعلماء لبس معين ينبغي أن يكونوا عليه ليتميزوا به عن غيرهم من الناس؟ بعضهم يلبس الجبة أو القبعة الحمراء زيادة على إعفاء اللحية، والبعض في المملكة يعتبر أن إعفاء اللحية وتقصير الثوب هما من أهم مظاهر التدين والالتزام والورع والزهد والتقوى، والبعض يرى أن عدم لبس (عقال) على الرأس يجعله من زمرة العلماء. ومن العجيب أن البعض لا يرى الصلاة صحيحة خلف إمام غير ملتحٍ!! وقد صلى عبد الله بن مسعود خلف إمام مخمور في صلاة الصبح؛ ناهيك عن إمام غير ملتحٍ، كل هذه التخبطات لا أصل لها في الشرع، فالمعروف أن الأصل في العادات الإباحة، والأصل في العبادات الوقف؛ فلا يقدم المرء على شيء من الأفعال مما فيه معنى التقرب به إلى الله ما لم يكن له أصل في الشرع، كما أن الأصل في العادات الإباحة، وهي كل ما لا يكون في فعله معنى من معاني التقرب إلى الله. وقد يأتي الشرع على عادة من العادات ويجعلها أو يجعل جزءا منها بالتقيد والتخصيص عبادة، كما هو الحال بالنسبة لأكل لحم الخنزير أو شرب الخمر، ومع أن الأصل أنها على الإباحة، كما هو الحال بالنسبة للباس المرأة حيث وجب عليها ستر كل جسدها ما عدا وجهها والكفين. ولقد سمعنا بعض أهل الفتوى يحرمون على المرأة أن تلبس الحذاء ذا الكعب العالي، أو أن تضع العباءة على كتفيها بدلا من الرأس أو تلبس الفستان الأبيض للعروس؛ لأن فيه تشبها بالكافرات!! فمن أين يخترع هؤلاء هذه الفتاوى؟ فإعفاء اللحية أو حف الشوارب من عادات الناس فيكون الأصل فيهما الإباحة من غير سؤال بل يكره السؤال عن مشروعيتهما، كما ورد في صحيح البخاري (4/ 258) ومسلم (4/ 1831) أن رسول الله سئل عن أكل السمن وأكل الجبن ولبس الفراء المصنوع من شعر الإبل فقال: «الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه» وما سكت عنه فهو عفو». فهل إعفاء اللحية أو حف الشوارب من عادات الناس أم أنهما من العبادة؟ الذي ورد في هذا الشأن قوله عليه الصلاة والسلام في ما رواه البخاري الجامع الصغير (1/ 598) من حديث عمر: «خالفوا المشركين، حفوا الشوارب وأعفوا اللحى». ولقد اضطربت الروايات في هذا المعنى واختلفت ألفاظ الأحاديث فجاء في شرح النووي لصحيح مسلم (119/ 550) قوله عليه الصلاة والسلام: «خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب»، ولم يأت فيها ذكر لإعفاء اللحية. والفطرة معناها ميل المرء بنفسه في فعلها دون حاجة إلى توجيه أو تكليف من المشرع الحكيم، وبالتالي تكون على الإباحة في الفعل أو الترك؛ وهذا يعني أن الأمر سيان في حق العبد سواء حف شواربه أو أبقاها. وجاء عن ابن عمر في صحيح مسلم (119/ 555): «خالفوا المشركين؛ حفوا الشوارب وأعفوا اللحى». وعن أبي هريرة: «خالفوا المجوس...». وعن عائشة: «عشر من الفطرة» وذكرت حف الشوارب وإعفاء اللحية؛ فحف الشوارب وإعفاء اللحية تعددت طرق الرواية فيهما واختلفت ألفاظهما. ومثل هذه الأحاديث تعتبر في حكم (المضطرب)، والحديث المضطرب إنما هو في حكم الضعيف عند أهل الحديث، فلا يؤخذ منه حكم، إضافة إلى أن الأمر بإعفاء اللحية وحف الشوارب معارض بأحاديث الفطرة، والأصل فيهما الإباحة. وإذا تعارض الدليلان سقط بأي منهما الاستدلال، فضلا عن أن ما جعله الله من فطرة الناس وهي لا تحتاج إلى توجيه وتكليف مثل النظافة وحسن المظهر، كما قال أبو شامة المقدسي فيما ذكره النووي في شرحه لمسلم (114/ 557): «إذا تساقطت الأدلة رجع الأمر إلى الأصل وهو الإباحة». يؤيد ذلك ما اشتهر عن عمر أنه كان إذا حزبه أمر فتل شاربه. فيما ذكره ابن حجر في فتح الباري (3164/ 5698). ومعنى ذلك أن سيدنا عمر -وهو من أحرص الناس على إتباع أوامر الرسول واجتناب نواهيه- كان في إعفاء لحيته لديه شوارب، وهذا تناقض للحديث، بل كان مالك يقول إن حف الشوارب إنما هو من المثلة، فيما ذكره عنه النووي في المجموع (114/ 557) ومن هذا الباب كان موقف المفتي الأسبق في مصر الشيخ/ محمد أبو زهرة أن إعفاء اللحية إنما هو من العادات وليس من العبادات وحف الشوارب جزء من الحديث في إعفاء اللحية ويضعف الأخذ بالحديث أيضا أن فيه معنى من معاني تحصيل الحاصل، وخطاب الشارع منزه عن ذلك. فالمنقول بالتواتر أن من عادات العرب في الجاهلية أن الرجال من عاداتهم إعفاء اللحية، وقصة عمر في وأد ابنته وأنها كانت تنثر عن لحيته التراب أثناء حفره للحفرة التي وأدها فيها مشهورة ومتواترة، ولا يأتي الخطاب الشرعي يحث الناس على أمر هم قائمون عليه بجبلتهم ومن عاداتهم. ومن المرجحات للأخذ بالأقوى استدلالا من هذا الحديث أن فيه قوله عليه الصلاة والسلام خالفوا المشركين، وفي رواية خالفوا المجوس، وهذا -قياسا على حديث خالفوا اليهود وصلوا في نعالكم- هذا الحديث منقوض بقوله تعالى: «فاخلع نعليك..» ونص القرآن في وجوب خلع النعلين في لقاء الله أقوى من حيث الدلالة ونص الثبوت من رواية صلوا في نعالكم، فيكون حديث «حفوا الشوارب وأعفوا اللحى» معارضا من هذه الجهة أيضا، إضافة إلى ما ذكره النووي في المجموع (114/ 557) من مثالب تقترن عادة بإعفاء اللحية وهي مما يقع فيه البعض فتأتي على صالح أعمالهم بالضياع، وأكبرها الإحساس الخفي بالرياء فإذا اهتم المرء بهذه اللحية وأطلقها ليقول عنه الناس أن هذا من أهل الورع والزهد والتقوى لأن الرياء جزء من أجزاء الشرك والعياذ بالله، فيكون هذا قد خسر الدنيا والآخرة. وذكر النووي من مثالبها تركها شعثة ملبدة كثيفة أو طويلة لتصل إلى صدره من باب إظهار الزهد والتقوى، والبعض يصبغها بالسواد إعجابا أو يصبغها البعض بالبياض للمشيخة، والبعض يكاد يكون (مجبولا) على العبث بها أثناء الصلاة. ونخلص من هذا الجدل أن إعفاء اللحية وحف الشوارب أو العكس إنما هو إلى العادة أقرب منه إلى العبادة، وما كان هذا حكمه فلا ينبغي لأحد من الناس أن ينكر على من أبقاها أو حلقها، لكن ثمة ظاهرة غريبة أصبحت تنتشر بين الشباب مثل إطالة شعر الرأس حتى يشبه شعر النساء، بل بعض الشباب يعتنون بشعر الرأس ويزينونه ويجعلونه في ضفائر وذوائب مثل النساء تماما ويحزمون هذه الضفائر حول أعناقهم (بالبكل) ومساكات الشعر النسائية، وهذا إلى التخنث والتشبه بالنساء وهذه السلوكيات الشائنة يمقتها الطبع قبل الشرع، ويكفي ما جاء فيها من اللعن من الحديث المشهور عن الرسول عليه الصلاة والسلام. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة