كان الاعتقاد السائد في مصر، حتى وقت قريب، يشير الى أن يد القضاء لا تمتد إلى المسؤولين الفاسدين الذين راكموا ثرواتهم بطرق غير مشروعة، أو الذين يمارسون أنشطة تتصل بغسل الأموال خارج الحدود، أو هم خارج ولاية المحكمة حيث المؤسسة المصرفية أو المالية التي تمت من خلالها عمليات الغسل، ولا تمتد كذلك إلى الأموال الناتجة من الفساد المالي والإداري للقيادات والمسؤولين. ولكن هذا المفهوم بدأ يتغيّر، وأصبح القضاء قادراً على ملاحقة من هم خارج نطاق اختصاصه المكاني. وأكد رئيس «هيئة قضايا الدولة» محمد عبد العظيم الشيخ في تصريح الى «الحياة»، أن الهيئة تنوب قانونياً عن الحكومة المصرية أمام المحاكم الأجنبية، وهي وحدها صاحبة الصفة في استرداد الأموال من الخارج، إلا أن هذا يستلزم تضافر جهود الجميع، ومن بينهم النيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع ووزارة العدل، بهدف البحث والتحري عن قيمة الأموال المهرّبة وأماكن وجودها وإصدار أحكام نهائية باستردادها. وأوضح أن اتفاقي الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، والاتحاد الأفريقي لمحاربة الفساد، يساعدان الدولة في استرداد الأموال المهربة. وذكّر بقرار رئيس المجلس العسكري رقم 52 لعام 2011 القاضي بإنشاء اللجنة القضائية لاسترداد الأموال المهرّبة، ومن بين أعضائها مستشارون من قسم المنازعات الخارجية في الهيئة، ويتم التنسيق مع إحدى المنظمات العالمية المتخصصة في استعادة أصول الدولة المسروقة ووقف تدفقها إلى الخارج. وأشار إلى أهمية منظمة «ستار»، التي يجري التعامل معها وهي نتاج مبادرة لشراكة بين البنك الدولي والأممالمتحدة لمساعدة الدول النامية على استعادة بلايين الدولارات المنهوبة من خلال الأنشطة غير القانونية، كما يتم الاستعانة بعدد من المكاتب الدولية المتخصصة في تعقّب الأموال التي تم تهريبها، إذ أنها تمتلك إمكانات الكشف عن خيوط عمليات نقل الأموال من حساب إلى آخر، مشيراً إلى اتخاذ الإجراءات القضائية الاحترازية لتجميد الأموال المهربة وحجزها سواء كانت أرصدة مصرفية أو أصولاً عقارية أو منقولات أو أسهماً، واتخاذ إجراءات كشف سرية الحسابات طبقاً للقوانين الداخلية لهذه الدول. وأوضح أن مصر تستطيع استرداد أموالها المهربة إلى الخارج خلال سنة، بشرط الإسراع في إجراءات التقاضي والحصول على أحكام قضائية بإعادتها، مشدداً على أهمية محاكمة الفاسدين أمام المحاكم العادية، وأن تتوافر لهم فرص الدفاع عن أنفسهم، خصوصاً أن الدول الأجنبية لا تقرّ بالأحكام الصادرة عن محاكم استثنائية. وطمأن إلى أن لا خوف على حقوق أموال مصر المنهوبة في الخارج، خصوصاً أن اتفاق الأممالمتحدة لمكافحة الفساد الذي تتبناه مصر، لا يسقط الحق في استرداد هذه الأموال حتى بعد مرور سنوات طويلة تصل إلى مئة سنة، كما في بريطانيا، مثلاً، التي وافقت على تجميد أموال الرئيس السابق حسني مبارك و18 مسؤولاً سابقاً وأرصدتهم، في ضوء ما أقره البرلمان البريطاني، والذي ضمّن فرض عقوبة تصل إلى السجن 3 سنوات لمن يخالف القرار أو يساعد في تهريب تلك الأموال. وأوضح أن اتفاق الأممالمتحدة لمكافحة الفساد سهّل استرداد الأموال المنهوبة، إذ اعتبر أن تضخم أموال الحاكم أو المسؤول بما لا يتناسب مع راتبه أو موازنته أو نشاط تجاري أو صناعي قبل توليه مهام منصبه، يعدّ فساداً ويستوجب رد الأموال إلى الدول المعنية. وذكر أن من بين الدول الموقعة على الاتفاق، دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأن عدداً من الدول التي عانت الفساد السياسي والمالي ونهبت أموالها، استطاعت استرداد جزء كبير من أموالها المهرّبة، كما في دعوى الفيليبين ضد ماركوس والمكسيك ضد ساليناس. وأشار إلى أهم الأحكام التي صدرت من مراكز التحكيم الدولية في الخارج لمصلحة مصر أخيراً من «المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار» (أكسيد)، التابع للبنك الدولي، والقاضي برفض دعوى أقامتها شركة «ماليكورب ليميتد»، وهي إحدى الشركات البريطانية، تطلب إلزام الحكومة المصرية بدفع 518 مليون دولار تعويضاً عن مصادرة استثماراتها في مصر. ويأتي ذلك بعد فسخ عقد أبرم عام 2000 بين الشركة المذكورة و «الهيئة المصرية العامة للطيران المدني» لإنشاء مطار رأس سدر الدولي وتشغيله بنظام «بي أو تي»، بسبب عدم تمتع الشركة بالكفاءة الفنية والقدرة المالية لتنفيذ المشروع. ولخص الشيخ أكبر الصعوبات التي تواجه مصر في «تجميع المعلومات والمستندات الكافية لكشف عمليات الفساد التي تمت قبل الثورة، ولمعرفة قيمة الأموال المنهوبة وتعقب الأموال المهربة إلى الخارج في ظل تعقيد الأنظمة المصرفية وإمكان نقل الأموال إلى حسابات بأسماء وهمية، أو تحويل الحسابات المصرفية والأصول العقارية إلى منقولات وأوراق مالية كاملة يصعب تعقبها، إضافة إلى تباطؤ بعض الدول في رد الأموال المهربة نتيجة أنظمتها القانونية المعقدة».