تصاعد التوتر أمس على جانبي الحدود السورية - التركية، وسط استهداف متبادل بين الجيش التركي و «وحدات حماية الشعب» الكردية. وجاء ذلك في أعقاب ضربات عنيفة وجهها الطيران التركي لمقر قيادة «الوحدات» الكردية في الحسكة، شمال شرقي سورية، يوم الثلثاء الماضي، ما تسبب في مقتل وجرح عشرات الأشخاص ودفع بالولاياتالمتحدة إلى إدانة التصرف التركي. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عاد أمس ليصعّد الحملة ضد هذا الفصيل الكردي السوري ويتهمه بالإرهاب، على رغم أنه الحليف الأساسي للولايات المتحدة في الحرب ضد «داعش» في سورية. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في تقرير أمس أن الشريط الحدودي الواقع بين مدينة عامودا وبلدة الدرباسية في ريف القامشلي الغربي (محافظة الحسكة) يشهد «تحركات للقوات التركية» التي استقدمت «تعزيزات عسكرية» وأطلقت رصاصاً في اتجاه قرى ومناطق على الحدود، موضحاً أن «هذه التحركات تأتي بعد 48 ساعة من استهداف مناطق حدودية ممتدة من عفرين بريف حلب الشمالي الغربي وحتى أقصى شمال محافظة الحسكة». وأشار إلى وقوع «اشتباكات بين وحدات حماية الشعب الكردية والقوات التركية، واستهداف كل طرف آليات وعربات مدرعة للطرف الآخر». وفي هذا الإطار، أوردت وكالة «رويترز» في تقرير من إسطنبول أن الجيش التركي أعلن أن أحد مواقعه في بلدة جيلان بينار في جنوب شرقي البلاد على الحدود مع سورية تعرض لهجوم صاروخي في وقت مبكر الجمعة من أراض سورية تحت سيطرة «وحدات حماية الشعب». وذكر الجيش أنه رد على الهجوم بالمثل وقتل 11 من أفراد «الوحدات» الكردية التي تتهمها أنقرة بأنها فرع سوري ل «حزب العمّال الكردستاني» المحظور. وتعرضت مواقع الجيش التركي في منطقة الحدود مع سورية لنيران كثيفة خلال الأيام القليلة الماضية بعدما قصفت الطائرات الحربية التركية أهدافاً يُفترض أنها تابعة ل «حزب العمال الكردستاني» في منطقة سنجار العراقية وفي الحسكة بشمال شرقي سورية. وقال الرئيس اردوغان في كلمة أمام قمة المجلس الأطلسي للطاقة في إسطنبول، أمس، إن «وحدات حماية الشعب» لا تزال موجودة في منطقة في شمال سورية على الضفة الغربية لنهر الفرات ويجب طردها منها، في إشارة إلى مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي والتي طالبت أنقرة مراراً بانسحاب الأكراد منها وهددت بشن حملة عسكرية لطردهم منها. وتقول «وحدات حماية الشعب» أنها انسحبت من منبج بعدما طردت «داعش» منها العام الماضي، وان المدينة الآن في عهدة «مجلس منبج العسكري» وهو فصيل عربي من أهلها. لكن تركيا تصر على أن الأكراد هم من يسيطر عليها. وقال أردوغان في كلمته في إسطنبول إن من الخطأ تركيز الجهود العسكرية في سورية على «داعش» وحده لأن ذلك سيقوي شوكة جماعات متشددة أخرى، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب». وقال أردوغان أيضاً إنه سيسعى إلى إقناع الرئيس دونالد ترامب خلال لقائهما الشهر المقبل بأنه تجب الاستعانة بقوات تدعمها أنقرة لاستعادة مدينة الرقة السورية من تنظيم «داعش» بدل فصيل «وحدات حماية الشعب» (المنضوي في إطار تحالف «قوات سورية الديموقراطية» العربي- الكردي). ونقلت عنه «رويترز»: «لماذا نطلب العون من منظمات إرهابية؟ نحن موجودون... تركيا وقوات التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة والجيش السوري الحر يمكنهم جميعاً القضاء عليهم (داعش). هذا ليس بالأمر العسير علينا». وأضاف: «أعتقد أن بوسعنا تحقيق هذا وسأخبر ترامب بذلك». ونقلت وكالة «ترك برس»، في هذا الإطار، عن أردوغان قوله في المؤتمر ذاته إن بلاده قد تفتح صفحة جديدة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب التي أعطت إشارات على كونها «أكثر صرامة» في الحرب ضد الإرهاب، ومشيراً إلى «مؤشرات» على أن ترامب سيكون أكثر حسماً في الأزمة السورية. لكنه اعتبر أن عمل واشنطن مع «حزب الاتحاد الديموقراطي» يضر بروح التعاون مع تركيا، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب»، الجناح المسلح لهذا الحزب. وتعتبر تركيا «الاتحاد الديموقراطي» فرعاً سورياً ل «حزب العمال الكردستاني». ولفت أردوغان، بحسب ما نقلت الوكالة التركية، إلى أن الأممالمتحدة «لو تعاملت بكل إدراك مع القضية السورية منذ البداية لما استطاع النظام السوري الاستمرار بالظلم»، وأكد أن بلاده ستقوم باستخدام «كافة حقوقها للدفاع عن أمن حدودها ومواطنيها، وستتخذ كافة الإجراءات داخل حدودها وخارجها». وأضاف أن عملية «درع الفرات» ساهمت في تحرير 2500 كيلومتر من قبضة «داعش» في ريف حلب، وساهمت في عودة خمسين ألف سوري إلى «المناطق المحررة»، مشدداً على أن تركيا لن تسمح بإقامة «دولة جديدة» شمال سورية وأنها ترفض تقسيمها، في إشارة إلى مناطق الحكم الذاتي الكردية. وعلى صعيد آخر، قال الرئيس التركي إن الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن يضحيان بسمعتهما من أجل تحقيق «مصالح بعض الدول»، وإن النظام العالمي يفقد فعاليته، مطالباً الدول الأوروبية ب «إعادة النظر في سياساتها وعدم إيواء الإرهابيين».