أ كد الناطق باسم الكنيسة الكاثوليكية في مصر الأب رفيق جريش، أن شيخ الأزهر أحمد الطيب سيزور الفاتيكان للقاء البابا فرانسيس بعد غدٍ، في زيارة هي الأولى على امتداد تاريخ المؤسستين. وقال جريش ل «الحياة»: «كنا ننتظر هذا اللقاء منذ فترة طويلة ونتمنى له النجاح، لأن الكنيسة الكاثوليكية ومشيخة الأزهر كأكبر جامعة سُنّية في العالم الإسلامي، بينهما أشياء كثيرة مشتركة، خصوصاً في شأن تحقيق السلام في العلاقات الدولية من جهة، وأيضاً في الأمور الأخلاقية وتكوين الإنسان وتربيته من جهة أخرى». وأشار إلى أن هذا اللقاء التاريخي سيكون حاسماً ومؤثراً في الحوار المتوقف منذ سنوات بين الأزهر والفاتيكان. وتوقف الحوار بين الأزهر والفاتيكان لنحو عامين في عهد البابا بينيديكتوس السادس عشر، حين استشهد البابا في محاضرة ألقاها في العام 2006 بحديث فيلسوف ربط بين الإسلام والعنف، ثم توقف ثانية قبل الثورة في العام 2011 بأيام، بعد تصريحات للبابا المُستقيل طالب فيها بحماية المسيحيين في مصر، إثر هجوم دامٍ على كنيسة في الإسكندرية. وأشار جريش إلى أن «شيخ الأزهر وعد في زيارته الأخيرة في ألمانيا بلقاء البابا فرانسيس والآن تحققت الزيارة التي كنا ننتظرها. يُفترض أن ينتج عن هذا اللقاء التاريخي استئناف الحوار بين الأزهر والفاتيكان، ولو بطريقة وأفكار جديدة»، لافتاً إلى أن الحوار بين الأزهر والكنيسة الكاثوليكية المحلية في مصر «لم ينقطع، ونحن دائماً متواجدون وفي حوار مع مشيخة الأزهر في مناسبات عدة، ومن بينها لقاءات بيت العائلة» الذي يتولى جريش مسؤولية لجنة الإعلام فيه. وأشار إلى أن البابا سيستقبل شيخ الأزهر في المقر البابوي، وسيزور الشيخ أيضاً رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان الكاردينال جان لوي توران، موضحاً أن جدول تلك الزيارة التاريخية وترتيباتها لم تُعلن بعد. وقال عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر رأفت عثمان، إن «هذه الخطوة من الإمام الأكبر ستؤدي إلى صفوة في علاقة المسلمين بالمسيحيين، خصوصاً أن اللقاء سيجمع رأس المسيحية الكاثوليكية وشيخ الأزهر، ولكل منهما مكانة وآراء في الشأن الديني، ويمكن أن يؤدي اللقاء بينهما إلى التواصل لمصلحة المجتمع الإنساني كله سواء أكان إسلامياً أو يدين بالمسيحية الكاثوليكية أو أي فرقة أخرى». وأضاف أن «الخطوة لا يعارضها إلا من لا يريد التقارب بين القيادات الدينية. ندعو الله أن تكون خطوة في سبيل العلاقات الصافية الدائمة. الخطوة جيدة جداً وندعو الله أن تكون في سبيل تحسين العلاقة بين القيادات الدينية في العالم كله، سواء أكانت زعامات إسلامية أم غير إسلامية، فعلماء الدين هم الذين يملكون بعض القدرات على توجيه الناس إلى الخير وطريق السلام». وقال ل «الحياة» الكاتب عمار علي حسن الذي أعد دراسات عن تاريخ الأزهر، إن تلك الزيارة هي أول زيارة لشيخ من شيوخ الأزهر إلى مقر الفاتيكان على الإطلاق، مؤكداً أنها «تعدّ بهذا المفهوم سابقة تاريخية، ومهمة جداً». وأوضح أنه سبق أن التقى شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي البابا الراحل يوحنا بولس الثاني خلال زيارة الأخير إلى القاهرة في العام 2000، لكن أياً من شيوخ الأزهر لم يقم بزيارة رسمية إلى الفاتيكان للقاء البابا. وقال ل «الحياة» الباحث سامح فوزي، إن «هذه الزيارة التاريخية تُمثل أهمية كبرى على أكثر من مستوى، فهي تجسد مقاربة جديدة للحوار بين المسلمين والمسيحيين عموماً، فشيخ الأزهر لديه خبرة متميزة بالحوار... وبتلك الزيارة يبدي انفتاحاً على فكرة الحوار مع الفاتيكان ويعيد الدفة مرة أخرى إليه». وأشار إلى أن «الفاتيكان على رأسه في تلك المرحلة شخصية استثنائية بكل المقاييس، فالبابا فرانسيس يعيد إلى المفاهيم الاجتماعية والروح الإنسانية زخمها، فضلاً عن اهتمامه بالشأن العالمي متجاوزاً الاستقطاب والحدة، وهو يحتفظ بمساحة من النقد للأوضاع العالمية وأوضاع الفقراء واللاجئين ومعاناة البشر». واعتبر أن «اللقاء بين شيخ الأزهر والبابا فرصة في ظل وجود هذه القيادة في المؤسستين»، لافتاً إلى ما يتمتع به شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان من حضور على المستوى العالمي. وقال إن «شيخ الأزهر له رمزية في العالم الإسلامي تعادل رمزية البابا في العالم المسيحي، وهو يتمتع بمرجعية لها ثقل كبير جداً والقدرة على توجيه الخطاب العالمي الإسلامي. لقاء يجمع بين مرجعية لها حضور في العالم الإسلامي واحترام في العالم المسيحي، ومرجعية لها حضور واسع في العالم المسيحي وانفتاح على المسلمين، يمثل فرصة كبيرة لإحداث نقلة في مفهوم الحوار طالما الشخصيتان لديهما هذه الدرجة من الانفتاح الكبير».