أكد عدد من علماء الأزهر أن تنحي بابا الفاتيكان الحالي بندكتوس السادس عشر عن منصبه وتغييره بآخر يفتح الباب أمام عودة الحوار بين الغرب المسيحي والشرق المسلم بطريقة سلسة بعد أن تسبب البابا الحالي في تدهور كل مسيرات الحوار، مؤكدين أن مركز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعزيز الحوار بين الحضارات هي الجهة القادرة اليوم على قيادة الحوار بشكل جدي بعيدًا عن الترهات التي لا طائل من ورائها. وفي هذا السياق أكد د. أحمد الطيب شيخ الأزهر أن وصول رئيس جديد للكنيسة الكاثوليكية من الممكن أن يكون باعث أمل في تغيير سياسة الفاتيكان التي تسببت في القطيعة التامة بين الأزهر وحوارات الأديان، وقد جاء قرار الأزهر بتجميد الحوار مع الفاتيكان لرغبتنا في ضرورة أن يكون الحوار على أساس من الاحترام المتبادل بين الجانبين، ولعدم تلقي الأزهر أي إيماءات من الفاتيكان لتوضيح تصريحات بابا الفاتيكان بطلب الحماية للمسيحيين في الشرق ومصر، وهو ما أزعج مصر والأزهر. ويشدد الطيب على حرص الأزهر التام على الحوار البناء القائم على الاحترام المتبادل مع أتباع الديانات السماوية، وأنه تقديرًا من الأزهر الشريف للإخوة المسيحيين العرب، وحرصًا على مشاعرهم، ومراعاة لحساسياتهم، وتأكيدًا لدورهم المقدر في إثراء الحضارة والثقافة، فإن الأزهر ما يزال ينتظر تبني الزعيم الكاثوليكي الجديد لسياسة تختلف عن سياسة سلفه؛ فالإسلام يحرص وبحكم عقيدته وشريعته على إبقاء المسيحيين آمنين مطمئنين لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وإن الأزهر الشريف يؤكد أن الخطر الأكبر الذي يتعرض له المسيحيون في الشرق ينبع من الاحتلال الإسرائيلي، ومن الوجود الأجنبي في المنطقة ومن سياسات الهيمنة والتسلط. تدخل مرفوض كما أكد الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر أن الأزهر مستعد تماما لإلغاء قرار تجميد الحوار خاصة أن قرار تجميد الحوار جاء لتكرار ما صدر من بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر أكثر من مرة من تعرضه للإسلام بشكل سلبي, ومن ادعائه اضطهاد المسلمين للآخرين الذين يعيشون معهم في الشرق الأوسط، وتغيير البابا مؤشر جيد على استعادة أجواء الحوار المتكافئ، خاصة وأن البابا القديم منذ وصل إلى كرسي البابوية وهو يتعمد الإساءة للإسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ليس هذا فحسب بل ان فتح الباب أمام المسؤولين في الفاتيكان للتعرض للإسلام بل والقرآن الكريم بالإساءة مما جعل بعضهم في أحد التصريحات يتهم القرآن بأنه ليس كتاب حوار وليس كتابا سماويا إلى آخر هذه التصريحات الغريبة. من جانبه أوضح الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الاوقاف المصري الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن تغيير رئيس الكنيسة الكاثوليكية من الممكن أن يعيدنا لمائدة الحوار الديني القائم على الاحترام والتفاهم مع الكنائس المصرية أو الهيئات والمؤسسات الدولية، وإن الأزهر على علاقة طيبة بالجميع، و أن الإسلام الذي يمتد تاريخه عبر أربعة عشر قرنا من الزمان لن يضيره توقف الحوار مع الفاتيكان لسنوات معدودة، حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح القائم على الاحترام المتبادل، وحتى يتوقف الغرب المتعجرف عن تلك التصريحات والممارسات وسياسة الإملاءات التي يتبعها مع الدول الإسلامية، والتي لا تراعي التنوع الثقافي والخصوصيات والهويات الوطنية. وأكد زقزوق على أهمية المراكز التي أقامها خادم الحرمين الشريفين التي نتمنى أن يكون وصول زعيم جديد للكاثوليك فرصة لإيجاد مناخ أنسب للحوار بحيث يتحاشى البابا الجديد أسباب غضب ورفض المسلمين لما بدر من الفاتيكان من إساءة للإسلام والمسلمين في عهد سلفه بنديكت السادس عشر؛ فيتجنب ذلك حتى يمكن المضي قدمًا من جديد في عملية الحوار. وشدد زقزوق على أهمية توقف الفاتيكان عن كل ما يثير المسلمين والأزهر، وأن يسعى للتعقل وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية حتى يمكن العودة إلى الحوار بشكل صحيح، وتمنى زقزوق أن يكون موقف الفاتيكان متغيرًا، وأن يسعى بالفعل للتعقل حتى يعود حوارنا معه، خاصة أن الأزهر لن يمانع من الدخول في أي حوار يخدم في النهاية السلام الإنساني، وأبدى زقزوق ترحيبه بالحوار حتى مع الملحدين والمثقفين العلمانيين، فنحن لن ننغلق ولن نغلق الباب أمام كل من لا يهضمنا حقنا، ولا يعلن الحرب علينا، ولا يمزق صفوفنا، وله ما لنا وعليهم ما علينا. مراكز الحوار كما أكد أستاذ السنة النبوية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم على أن المملكة أحسنت صنعا بتأسيس مراكز متعددة للحوار مع الغرب، وهى مراكز مؤهلة لأن تمسك بزمام المبادرة لإدارة الحوار وتؤمن بالندية الكاملة، فنحن لا ننقص قدر أي طرف من الأطراف، ولن نسمح له بأن ينقص من قدرنا، وإن الحوار سيكون شرقيا غربيا وليس فقط إسلاميا مسيحيا، وأشار هاشم إلى أن كون الغرب اليوم قويا حضاريًا وتقنيًا واقتصاديًا ويسيطر سياسيًا على العالم فهذا شأنه، لأننا لا نتحاور حول الاقتصاد والسياسة ولكننا نتحاور حول المثل والقيم والعليا، ونحن فيها لسنا أقل بأي حال من الأحوال من أحد، وإن لم نكن على أسس أكثر رسوخًا فنحن على الأقل أنداد، ولا ندعي التفوق مع أننا تاريخيًا كذلك؛ فالإسلام في أربعة قرون كان بيده الزمام، وكانت اللغة العربية هي لغة العلم في العالم كله، فنحن قمنا تاريخيًا برسالة عملية ساهمت في صنع الحضارة العالمية، فالندية موجودة وإذا كان بعض المسلمين وبعض الجهات في العالم الإسلامي فقدت ثقتها بنفسها لأنها لا تعرف حقيقة هويتها التاريخية والثقافية فهذا شأن آخر، وأكد هاشم أننا كمسلمين ندرك أننا أنداد ورسالتنا كانت أكثر إنسانية، ولن نسمح على الإطلاق لأحد أن يعاملنا في الحوار معاملة أقل من الندية، وسنصنع صفحة جديدة من الحوار تقوم على الندية الحقيقية والاحترام المتبادل والبحث عن القواسم المشتركة؛ فالقيم التي تهم الإنسانية جميعًا بمختلف معتقداتها هي موضع الحوار، والإنسانية اليوم قلقة ومضطربة وهي التي أوصلت نفسها لهذا الحد لأن الدعاوى المنحرفة فيها حققت انتصارات؛ فالعقلاء ينادون بالحوار والمجانين ينادون بالصدام، ونحن من معسكر الحوار لأننا ندعي أننا عقلاء ونطالب أن يتغلب العقل على الجهل لنتحاور حول القيم التي لا ينكرها أحد وهي الحق والعدل والخير والتقدم والسلام والتعايش والعلم ومقاومة الفقر والجهل والمرض والتهميش والإقصاء والصدام، موضحًا أن هذه هي القيم التي نسعى لتأصيلها في الحوار خلال الفترة المقبلة، وطالب هاشم الفاتيكان بالتحلي أيضًا بنفس المبدأ والكف عن التدخل في شؤوننا حتى يصب الحوار معه ومع غيره لتحقيق أهدافه المنشود وتقديم الخير والسلام للبشرية جمعاء. مخططات سياسية ومن جانبه يتهم عضو هيئة كبار العلماء د. نصر فريد واصل الفاتيكان بممارسة مخططات سياسية تجاه العديد من الدول الإسلامية بعيدة كل البعد عن رسالته الدينية، وأن المسيحيين في الشرق لا يقبلون بوصاية دولة الفاتيكان عليهم سواء كانت وصاية روحية أو سياسية، وأنهم لا يقبلون بأي حال أن يُنصِّب بابا الفاتيكان نفسه حاميا عليهم. ويضيف واصل أن الذي يريد الحوار لا بد أن يكون عادلًا ومنصفًا، موضحًا أنه لا شيء من علامات العدل والإنصاف على تظهر على أحاديث البابا تجاه الإسلام والمسلمين حتى اليوم، وهذا لا يعني بالنسبة لنا كمسلمين أننا نرفض الحوار بشكل عام لأن الحوار مع الآخر بشكل عام هو حوار يقبله الشرع ويحبذه، ويدلل واصل على ذلك بأن القرآن الكريم حاور اليهود والنصارى، وحاور منكري البعث ومنكري الرسالات السماوية، وحاور الجميع بمنطق العقل والحجة؛ فالحوار مفيد لنا باستمرار لأنه يعرض منطق الإسلام وحججه الواضحة، وفي الأغلب الأعم يترك أثرًا إيجابيًا في نفسية الطرف الآخر وفي عقله، ويكشف سماحة الإسلام وقوته، وصرح واصل أن مسيرة الحوار مع الفاتيكان تحتاج إلى إعادة نظر لأنه منذ عدة سنوات بدأ هذا الحوار، وقد كان البابا الراحل يوحنا بولس الثاني مهتمًا بهذا الحوار، إلا أني ومن خلال مشاركتي في هذا الحوار كنت ألاحظ أن بعض أعضاء الحوار لديهم كثير من التعصب، ولا يريدون أن يتزحزحوا خطوة عن أفكارهم، وكنموذج على هذا التعصب ذكر واصل أنه حين قتل بعض القساوسة في الجزائر عرض الفاتيكان أن يشترك علماء الأزهر ورجال الفاتيكان باستنكار هذا الحادث، فوافق الأزهر، ولكن عندما وقعت مذبحة قانا عرض علماء الأزهر أن تشترك لجنة الحوار في الفاتيكان في إدانة هذه الحادثة فلم توافق. بل أن بعض أعضاء الوفد في غاية التمسك بوجهات نظرهم، ومن هنا يرى واصل أن الحوار مع الفاتيكان تضييع للوقت دون جدوى خاصة وأنه لو كان الموقف معكوسًا بمعنى أنه لو أن الأزهر هو الذي صدر منه مجرد إساءة للمسيحيين لما كان موقف الفاتيكان كموقف الأزهر حاليا، ولفتحت على المسلمين أبواب سعير من كل حدب وصوب، ولوظف الفاتيكان كل سياسيه وقواه ضد الإسلام والمسلمين. تهديد مستقبل الحوار ويؤكد عضو مجمع البحوث الإسلامية د. عبدالفتاح الشيخ أن تصريحات البابا القديم كانت دائمًا تصب ضد الدول الإسلامية والإسلام، بل تحولت إلى نوع من التدخل في شؤون الدول ومنها مصر عندما طالب بحماية المسيحيين، وهو ما جعل الحوار شبه مستحيل مع الكنيسة التي يرأسها وهي أكبر كنيسة في العالم لأن تصرفات وتصريحات بابا الفاتيكان المتكررة تهدد مستقبل الحوار ليس بين الأزهر والفاتيكان فقط بل بين العالم الإسلامي والفاتيكان حيث ان أي إساءة من طرف لطرف آخر، أو محاولة التدخل في شؤونه تعطل الحوار. ويضيف الشيخ أن الحوار بين الأزهر والفاتيكان استمر بإيجابية سنوات طويلة إلا أنه منذ موت البابا يوحنا بولس، والبابا بنديكت السادس عشر مسلط على الإسلام، وظهر ذلك من قبل في محاضرته عن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، وبعدها في تصريحاته الأخيرة، ولهذا فإن الحوار مع الفاتيكان في ظل وجوده كان غير مجديًا، ولكننا اليوم نأمل بتغيير سياسة البابا تجاه الإسلام.