نظم مركز شؤون الإعلام في أبو ظبي ندوة حول "دور الفاتيكان في نشر مبادئ التعايش في العالم وواقع التسامح الديني بدولة الإمارات" بمشاركة عدد من رجال الدين الإسلامي والمسيحي ورعايا الكنائس بالامارات وجانب من الباحثين والمختصين في دراسات الأديان السماوية . وفي بداية الندوة قدم مركز شؤون الإعلام ورقة عمل شدد فيها على أن دولة الإمارات العربية المتحدة تتبنى التواصل الإنساني والحوار الحضاري كدعائم راسخة للتعايش الآمن المستقر داخل مجتمعها المزدهر ولبناء علاقات دولية متوازنة تنهض على مبادئ الصداقة والاحترام المتبادل على صعيد سياستها الخارجية وبها أضحت الدولة عامل أمن واستقرار في محيطها الإقليمي والعربي وموئل إخاء وعون لأسرتها الدولية . وقالت الورقة إن الرؤى السامية التي عبرت عنها القيادة الحكيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تصور العالم على أنه مجموعة واحدة متفاعلة فيما بينها تتبادل الاحترام والمنافع من باب حسن الجوار لا تسقط الخصوصية التي تطبع كل أسرة في موروثها الثقافي والديني ، والتي التزمت بها الدولة وأصبحت منهجاً أصيلاً في توجهاتها وعلاقاتها الدولية. وأشارت في هذا الصدد إلى أن دولة الإمارات ومن هذا المنطلق تحركت نحو تعزيز التعاون ومناصرة حركات التحرر واستنكار سياسة التمييز العنصري وتحقيق التعاون العربي الأفريقي واستضافة الحوار العربي الأوروبي وتخصيص المساعدات للبلاد النامية لتأمين حياة أفضل لشعوبها . وقد انعكس النضج الحضاري للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان على السياسة الخارجية لدولة الإمارات وعلى الدور الريادي والحضاري الذي تنهض به على الساحة الدولية وعرف العالم بشرقه وغربه وشماله وجنوبه الوجه الإنساني للإمارات التي تمد يد العون والمساعدة للجميع في المحن والكروب .. كما عرف العالم أيضاً الوجه العقلاني للإمارات التي تسعى إلى منع الحروب وحل الخلافات وتجنيب البشرية موارد الهلاك وعوامل الفناء وتبذل قصارى جهدها لفتح الأبواب أمام التعاون المثمر والتفاعل الخلاق لما فيه خير الشعوب والأمم كبيرها وصغيرها . وذكر منجد الهاشم أنه بتوجيهات من الفاتيكان، أنشأت المجالس الأسقفيّة الوطنيّة في جميع البلدان لجنة خاصة تعنى بالعلاقات الإسلامية المسيحيّة. وأصبح موضوع الحوار الإسلامي المسيحي حاضراً في أغلبيّة المستندات والعظات والرسائل التي يوجّهها قداسة البابا والبطاركة الشرقيّون ومطارنة العالم إلى المؤمنين معددا بعض المبادرات التي أتخذها الفاتيكان في هذا الصدد منها زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الجامع الأموي في دمشق في 6مايو 2001وزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى الجامع الأزرق في اسطنبول في 30نوفمبر 2006.وأوضح أن الكرسي الرسولي يعتبر قضايا السلام والتسامح والعيش معاً مهمّة للغاية وهي حاضرة في جميع نشاطاته. يعلّق آمالاً كبيرة على تعاون مسؤولي ومؤمني جميع الديانات لتحقيق هذه الأهداف السامية. وهو يُقيم حاليّاً علاقات دبلوماسيّة مع 180دولة، بالإضافة إلى المنظمات الدوليّة والإقليميّة، تولي الدبلوماسيّة الفاتيكانيّة موضوع السلام والحوار والتسامح والتعاون بين الديانات اهتماما كبيراً. وقال المسؤول البابوي إن ثقافة الحوار والتعايش تفترض التعريف بالإسلام والمسيحيّة والتعمّق في درسهما ومعرفة التاريخ ونقده وتصحيح أخطاء الماضي وتناسي بعض الفترات المظلمة وتجاوز الآلام وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة.. مؤكدا أنّ المعرفة العميقة لكلّ دين والتعاون في بناء ثقافة الحوار والتسامح تشكلّ إحدى التحدّيات الكبرى التي تواجه الإنسانيّة في مطلع الألفيّة الثالثة ومبينا أن المسيحيّين والمسلمين يشكّلون أكثر من نصف البشريّة وأن الجوامع المشتركة بينهم كثيرة تستدعي التعاون والتضامن والعمل معاً من أجل ترسيخ القيم الإنسانيّة والثقافيّة والأخلاقيّة والروحيّة في عالم اليوم. وحول تجاوب المسلمين مع المبادرات المسيحيّة خصوصاً الفاتيكانيّة قال إنه برزت مبادرات إسلاميّة إيجابيّة عديدة ذكر منها : مؤسسة آل البيت الملكيّة للفكر الإسلامي الأردن حركة التوافق الإسلاميّة ومؤتمرات الوسطيّة الكويت مؤتمرات الحوار الديني قطر.. مبينا أن المبادرة الأهمّ هي الرسالة المفتوحة والنداء الموقع من قِبَل 138عالما مسلما إلى قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر ورؤساء الكنائس والجماعات المسيحيّة كافة بعنوان كلمة سواء بيننا وبينكم بمناسبة عيد الفطر المبارك في 13أكتوبر . 2007.مشيرا الى أن المسلمين والمسيحيين يشكّلون معاً ما يزيد على نصف سكّان العالم ولا يمكن أن يكون هناك سلام مجدٍ في العالم من دون إحلال السلام والعدالة بين هذين المجتمعين الدينيين فمستقبل العالم يعتمد على السلام بين المسلمين والمسيحيين. وأشار إلى أن هذه الرسالة لاقت ترحيباً حارّاً في جميع الأوساط المسيحيّة خصوصاً في الفاتيكان فوصفها الكردينال توران بأنّها "رسالة تاريخيّة" نالت "إجماع" المسلمين ينتمون إلى 49دولة وهي ترتكز على نصوص مأخوذة من الكتاب المقدّس العهد القديم والعهد الجديد كما ترتكز على نصوص مأخوذة من القرآن الكريم. وذكر المطران منجد الهاشم أن نيافة الكردينال ترسيسيو برتونه سكرتير دولة الفاتيكان أرسل باسم قداسة البابا رسالة إلى رئيس مؤسسة آل البيت الملكيّة للفكر الإسلامي شكره فيها وبواسطته كلّ موقّعي الرسالة.. منوها إلى أنه في مطلع شهر مارس الماضي عقد اجتماع بين وفد يمثّل موقّعي الرسالة ووفد يمثّل المجلس البابوي للحوار بين الأديان - الفاتيكان - في مكاتب المجلس البابوي حيث وافق المشاركون في اللقاء على إنشاء "المنتدى الإسلامي-الكاثوليكي " وتنظيم الحلقة الدراسيّة الأولى في روما من الرابع حتى السادس من شهر نوفمبر 2008بغية متابعة وتطوير الحوار الإسلامي المسيحي. ومن جانبه أعرب الراعي البابوي الدكتور بول هيندر ممثل الفاتيكان في الخليج العربي أسقف كاتدرائية القديس يوسف الكاثوليكية في كلمته عن احترامه وتقديره لما يقوم به الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان من أجل تعزيز التفاهم بين الشعوب في العالم وتحقيق التعايش والإخاء بين مختلف الأديان والجنسيات في الإمارات بأعمق معانيه وأروع صوره وترسيخ الاحترام المتبادل والمساواة في الحقوق دون المساس بدائرة الخصوصية الدينية باعتباره مطلبا إنسانيا نبيلا دعت إليه الأديان واقتضته الفطرة الإنسانية . وأشاد بالانفتاح الذي تتحلى به الإمارات قيادة وشعبا حيث منحوا الآخرين فرصة للإسهام في بناء الوطن بمختلف مناحي نهضته وهو ما عزز تقدمه ورقيه الحضاري، مشيرا إلى أن هذا التفاعل ما هو إلا ثمرة لنهج الدولة في احترام الأديان ونشر التسامح بين معتنقيها وإشاعة روح المودة والأخوة على أرضها . وأوضح أسقف كاثدرائية القديس يوسف الكاثوليكية أنه أمام ما تتعرض له الديانات والحكومات والمنظمات للمساءلة والمحاسبة العلنية فإننا ككاثوليك وكمسلمين تابعين لديانتين عظيمتين نحتاج الى أن نقدم للعالم المتشكك بشكل متزايد رؤية متناسقة للمصير البشري الذي نشترك فيه مبينا ضرورة محو الذاكرة السيئة من الجانبين وطرحها جانبا معتبرا ذلك خطوة أساسية باتجاه المصالحة والتسامح. وفي هذا السياق دعا إلى صياغة قاموس للمصطلحات الدينية التي تساعد على الحوار الديني . وأكد أن التقدّم العلمي وسيطرة الإنسان على المادة وكشف المزيد من أسرار الطبيعة لم تثنِ الإنسان عن البحث عن جذوره وعن مصيره، منوها إلى أن الدين استعاد مؤخّراً، مكانة كبرى لدى الباحثين والمفكّرين واتّسعت آفاق الفكر الديني واحتلّ أهميّة ملحوظة في وسائل الإعلام. وتطرق السفير البابوي لدى الامارات إلى المضامين التي نادى بها الفاتيكان ضمن البيان الذي أصدره في الحرية الدينية في ديسمبر 1965الذي شكل منعطفا أساسيّاً في حياة الكنيسة الكاثوليكية ونظرتها إلى التسامح الديني، وأيضا البيان حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحيّة الصادر في أكتوبر 1965حيث اتخذت الكنيسة الكاثوليكية بموجبه ولأوّل مرّة في التاريخ موقفاً ايجابيّاً من الديانات غير المسيحيّة خصوصاً الديانة الإسلاميّة وقد عدد البيان العقائد المشتركة بين المسيحيّة والإسلام ودعا المسيحيين والمسلمين إلى طيّ صفحة الماضي وتغليب التسامح والصفح والغفران والعمل سويّة لمصلحة الجميع . ونوه إلى أن المجمع الفاتيكاني الثاني وبفضل إصداره البيانين المذكورين سابقاً أعطى الحوار الإسلامي المسيحي خصوصاً لدى المسيحيين انطلاقة جديدة وأصبحت الدعوة إلى الحوار والتسامح والتعاون بين الديانتين حاضرة في جميع النصوص التي أصدرها المجمع منذ عام 1964عندما أنشأ الفاتيكان "الأمانة العامّة للديانات غير المسيحيّة" وأصبح فيها دائرة خاصة تعني بالعلاقات مع المسلمين، وتحولت عام 1988إلى "المجلس البابوي للحوار بين الديانات" يرأسه حاليّاً الكردينال جان لوي توران ويدير قسم "الإسلام" المونسنيور خالد عكشة. وفي هذا الإطار أكد على أهمية تحقيق التفاهم المتبادل بين أتباع الديانات السماوية في ضوء عالمية الرسالة التي يحملها الإسلام والمسيحية لاسيما وأن ثقافة كل منهما تشكلها معتقدات أسلافه بعيدا عن كون هاتان الديانتان نتاجا لواقع حضاري . وأشار إلى أن التفاهم المتبادل وحب الدين بلا خوف أو خشية يعد ضرورة لأن الخوف دوماً ينم عن ضعف يمكن أن يراه الآخرون ، مما يدفعهم للتساؤل ، لماذا نخاف إذا كنا نعتقد أننا نقدم الحقيقة . وذكر ممثل الفاتيكان في الخليج العربي أن البابا بنديكت السادس عشر تتملكه ذات الرغبة التي عبر عنها البابا بول الثاني عندما تمنى أن يفعل كل ما هو ممكن من أجل تعزيز الروابط الروحية بين المسيحيين والمسلمين، مشيرا إلى إنشاء المنتدى الكاثوليكي الإسلامي الذي سوف يعقد لقاءه الافتتاحي في نوفمبر القادم في روما كاستجابة أولى لدعوة 138عالما مسلما للحوار. وقال إنه تم التأكيد على أن البابا سوف يحضر شخصياً هذا اللقاء وسوف يلتقي بكل المشاركين حيث سيدور النقاش حول الأسس العقائدية والروحية كما سيتم مناقشة "الكرامة الإنسانية والاحترام المتبادل" موضحا أنه سيتبع هذا اللقاء مؤتمر من المتوقع أن يعقد عام 2010في دولة إسلامية والهدف منه هو العودة لأصول الإيمان والأمور المشتركة بين الديانتين بعيداً عن صورة العنف . وأوضح المحاضر أن الوصول للتفاهم الكلي أو الكامل لا يمكن تحقيقه بدون تواضع كل الأطراف، واحترام الحرية والكرامة الإنسانية، والخضوع للحقيقة السماوية التي نسعى إليها جميعاً، منوها إلى أن علامة صدق العبادة لله هي الالتزام بعموم الخير وهي العلامة الوحيدة التي سوف يدركها اللا دينيون ومبينا أننا جميعا مدعوُّون إلى الاحترام المتبادل وإدانة السخرية من المعتقدات الدينية . وقال إن هناك علامات مبشرة وإيجابية لتحقيق تفاهم أكثر خاصة أن الحوار الإسلامي المسيحي سيقود إلى تساؤلات صعبة علينا أن نواجهها معا بانفتاح واستعداد لمحاولة الإجابة عليها مؤكدا أن الكنيسة الكاثوليكية مازالت راغبة عن الخوض في نقاش عقائدي عميق مع الإسلام توضيح قضايا مثل الحرية الدينية الكاملة للمسيحيين في الدول الإسلامية.