من المتغيرات الحديثة أن الثقافة التي ينقلها الإعلام الرقمي الجديد، صارت الآن أكثر سعة وانتشارا من الثقافة الآتية من المصادر التقليدية للثقافة، وتغلغلت في حياة الناس حتى باتت هي التي تحمل راية قيادة ثقافة المجتمع. وما ساعدها على ذلك، كون الإعلام الرقمي، أسرع وأسهل في النشر وأكثر حرية من الإعلام التقليدي، ليس لأنه محدود السيطرة عليه فحسب، وإنما أيضا لكون إمكانية النشر فيه متاحة لكل أحد بلا قيد ولا شرط، حتى صار أشبه بساحة حراج، تجد فيها كل شيء، الجيد والرديء. إضافة إلى ذلك، فإن من يشتغل في الإعلام الرقمي أمامه فرصة أن يصير نجما لامعا، فمن صفة هذا الإعلام أنه يصنع نجوما مشهورة لا تقل شهرتها عن نجوم السينما والتلفزيون والغناء والكرة وغيرهم. وهؤلاء النجوم لهم جمهورهم الكبير الذي يشجعهم ويتابع أخبارهم ويتداول بحماسة ما يقولون ويفعلون، كما أنه يحميهم ويتصدى للدفاع عنهم متى انتقدوا، تماما كما يحدث مع غيرهم من المشاهير الذين ينجذب إليهم الشباب ويتعلقون بهم. النجوم الرقميون، بلا جدال، يقدمون عبر تغريداتهم ورسائلهم وتدويناتهم الرقمية مضمونا فكريا وثقافيا يتأثر به متابعوهم، وسواء كان هذا المضمون جيدا أو رديئا، هو بلا مشاحة يترك أثرا على فكرهم ونوع الثقافة التي يكتسبونها منهم، خاصة إذا تذكرنا أن قوة التأثير على المتلقين لا علاقة لها بالجودة، وأن بعضا من المضامين الرديئة قد تجد تفاعلا معها أكبر مما يجد الجيد. رغم كل ذلك، إلى الآن لم يجد الإعلام الرقمي من الأكاديميين والباحثين في الشؤون الاجتماعية والفكرية والثقافية اهتماما يتلاءم مع مكانته وقوته التأثيرية. هناك عشرات الأسئلة الباحثة عن إجابة حول أثر آلاف الهاشتاقات والتغريدات التي ما إن تطلق حتى يندلع أثرها كالنار بين الناس. وما زالت هناك عشرات التساؤلات عن تأثيرات رسائل الواتساب المحملة بكثير من الأخبار والأفكار والإشاعات والأكاذيب والاحتيالات، التي تظل تدور بين الناس يتناقلونها ويوصون بعضهم بعضا بمواصلة نشرها. ما أثر تلك التدوينات والصور التي تنشر عبر الفيسبوك والانستغرام وسناب شات وغيرها، التي تفتح نافذة عامة على حياة الناس تمكن من الاطلاع عبرها على خصوصيات أصحابها؟ إن كل ذلك في حاجة إلى من يتتبعه عبر دراسات ميدانية، تستنبط أثر هذا الإعلام الجديد على أفكار الناس وأسلوب حياتهم. [email protected]