يتحدث الناس كثيرا عن حرية التعبير، يتطلعون إلى أن يتاح لكل أحد قول ما يشاء وقتما يشاء، بدون أن يتعرض لمحاسبة أو لجم. وغالبا حين يتحدث الناس عن هذه الحرية، فإن أول ما يخطر ببالهم حرية التعبير عبر الوسائل المتاحة للتعبير، سواء عن طريق الكتابة والتأليف، أو الإلقاء من فوق المنابر، أو الحوار عبر الفضائيات، أو غير ذلك. حرية التعبير هي من أكثر القضايا الفكرية تعقيدا، وهي إشكالية فكرية قديمة تمتد جذورها إلى العصر الإغريقي قبل الميلاد، ومنذ ذلك العصر البعيد وإلى اليوم، والناس ما زالوا تائهين في البحث عن المفهوم الحقيقي لمعنى حرية التعبير وفيم إن كان لها حدود أم أنها حرية مطلقة؟ وسطنا الثقافي منشغل هذه الأيام بالحديث عن واقعة تتعلق بهذا الشأن، فقد تمادى أحد الإعلاميين أثناء مناقشته لبعض الأوضاع في إحدى الوزارات، فتجاوز التهذيب مستخدما ألفاظا لا تليق، وملصقا بها تهما بلا دليل، مما دعا الوزارة المعنية إلى مقاضاته حول ما نسبه إليها من اتهامات. لكن الأستاذ خلف الحربي الكاتب المعروف في هذه الصحيفة، ساءه أن يقاضى أحد المنتمين إلى الإعلام، فهو يؤمن بحرية التعبير ويؤمن أن دور الإعلام أن ينتقد ما يراه من قصور في مختلف مؤسسات المجتمع حكومية أو أهلية أو مدنية، فهذه وظيفة الإعلام، أن يكون عينا رقيبة، تكشف التقصير والفساد وتعري المستور من العيوب. لذلك كتب مرافعة طويلة عبر مقاله المنشور في «عكاظ» يوم «السبت» الماضي، معترضا على مقاضاة الوزارة للإعلامي الذي انتقدها، وقد استند زميلنا الحربي في مرافعته إلى أن الإعلام في المملكة يؤدي دورا مهما، وأنه قد حقق نجاحا ملموسا في مواجهة الافتراءات الإعلامية الخارجية ضد المملكة، ولذلك يجب أن يترك الإعلام حرا، فلا يقمع بمقاضاة أحد أفراده. ومع تقديري لتضامن الأستاذ خلف وسعيه المخلص للدفاع عن زميل، إلا أني أختلف معه في كثير مما قال، وأول ذلك خلطه الأوراق عند الحديث عن نجاح الإعلام، فنجاح الإعلام في الدفاع عن المملكة إعلاميا، لا علاقة له بالتغاضي عما قد يظهر من تجاوزات بعض المنتمين إليه، وعندما يحاسب إعلامي على تجاوزه فإن ذلك يعد في صالح الإعلام، لأنه ينقيه من التشوهات التي تلتصق به، فالإعلام المحترم، إعلام مهذب، على قدر عال من الشعور بالمسؤولية تجاه ما يطرحه على الناس من مضمون. أما متى تدنى الإعلام في مضمونه، واتخذ من السخرية وإلقاء التهم جزافا، مرتكزا يبني عليه مادته، فإنه آنذاك يضحي لا فرق بينه وبين مشاغبي القهاوي والطرقات. [email protected]