منذ رمضان الماضي، أحمل معي “سيرة حياة" للصديق الدكتور محمد آل زلفة. كتاب يروي سيرة جيل بأكمله لا فرداً تحدى “المستحيل" في أيام صباه وحقق طموحاته العلمية. حملت كتاب آل زلفة في رحلاتي الأخيرة للصين واليابان لكنني لم أستطع إكمال قراءته ليس لأنني عادة أتنقل -في سفري- من كتاب لآخر ولكن لأنني أتوقف كثيراً عند كل صفحة من صفحات “سيرة حياة". محمد آل زلفة من أفضل من قرأ تجربة الحراك في بلاد السراة قبل طفرة النفط. هو مؤرخ مهم خصوصاً للتاريخ السياسي لمناطق الجنوب لكنه أيضاً من أفضل من قرأ حراك المجتمع وعلاقاته القبلية وحضور المرأة الجنوبية المبهر في كل تفاصيل الحياة قبل “النفط" وقبل غزو “الصحوة". يؤسفني أن جيلاً جديداً من شباب الجنوب لم يقرأ تاريخه من مصادره الحقيقة، من قصص آبائه وأجداده، من حكايات أمه وجدته، بل صار يستورد تاريخه من مصادر شوهت تاريخه وأهانت قيمه الاجتماعية الأصيلة فابتلع بعضهم الطعم وصدق أن “الصحوة" أخرجته من ظلام وجهل وفسوق. حارب آل زلفة على أكثر من جبهة. لكن الجبهة التي آذته أكثر كانت تلك التي ظن أنها ستفرح وتحتفي بأبحاثه وجهده في استعادة تاريخ قريب كان للقبيلة فيه حضورها الحضاري والإنساني وفي قوانينها وأعرافها ونظرتها المتحضرة للمرأة قيم إنسانية عميقة مستمدة من رؤية دينية متسامحة. محمد آل زلفة ظل وفياً لقريته ومنطقته ووطنه منذ طفولته. كان يفرح بكل إنجاز دراسي يحققه ويهديه لقريته كونه أول شباب القرية ينهي الابتدائية والثانوية حتى الدكتوراة. نتفق أو نختلف مع كثير من حوارات آل زلفة لكنه يبقى في قائمة الأجرأ في جدالاته التي حرضت المجتمع على النقاش والحوار في مسائل لا يجرؤ على طرحها علناً أولئك الحريصون على التشبث بالمناصب والمكاسب الخاصة. شكراً يا أبا خالد على “سيرة حياة". فعبره لا أقرأ فقط سيرتك، لكنني أيضاً أقرأ جزءاً مهماً من تاريخ وطني وشيئاً من سيرتي!