باختصار شديد، هدف إيران هو إقامة دولة صفوية في شرق الجزيرة العربية، كمرحلة وراءها مراحل تسعى لاستعادة الإمبراطورية الفارسية العظمى إمبراطورية الحلم القومي الإيراني. دولة تشمل مملكة البحرين وكل شريطنا الشرقي الحاوي لمنابع النفط، ومتجهة للشمال – الشرقي، حيث ستترك للحكومة العراقية الجديدة (مولود إيران الصغير الناشئ) مهمة ابتلاع الكويت. إنها أيديولوجيا الثورة الخمينية التي يقول زعيمها آية الله الخميني في كتابه (الحكومة الإسلامية) صفحة 12 إن النظام الملكي (كما هو حال كل دول الخليج) غير مقبول وغير إسلامي من وجهة نظره. وأن الحكم في الدولة الإسلامية يجب أن يكون بيد الملالي التابعين للولي الفقيه المؤيد من الإمام الغائب. هل المسألة محصورة بجزئية الحل الإسلامي ونظام الحكم؟ الجواب هو لا. فلو أردنا أن نبحث عن أصل هذه الخصومة مع إيران فإننا فسنجد أن الخميني ليس الأصل لها، بل هي تمتد لمن هم قبله، وأن الشاه محمد رضا بهلوي لم يكن الحمل الوديع ولا الصديق المخلص لدول الخليج، وهو الآخر ليس أصل المشكلة. إن أصل الخصومة مع الإيرانيين يرجع إلى أن الإسلام أسقط الدولة الفارسية العظمى منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة. إن ضخامة وعظمة هذه الدولة في التاريخ القديم تجعل القارئ يتصور بشكل صحيح سبب هذه العداوة. لقد تحدث فيلسوف الألمان جورج هيغل في كتابه (محاضرات في فلسفة التاريخ – العالم الشرقي) عن الإمبراطورية الفارسية التي لا تقف عند حدود إيران اليوم بل تشمل سوريا كلها (أي أنها تضم لبنان وفلسطين) والتي بصفة خاصة تمثل أحد العناصر المهمة التي تتألف منها تلك الإمبراطورية، والعراق الحالي، وحضارة الهلال الخصيب بأشملها، ومصر التي كانت بدورها جزءا من الإمبراطورية الفارسية (ولعل هذا يفسر الجهود المكثفة الخاصة التي تبذلها إيران لاختراق الثقافة المصرية اليوم). وكذلك عرب الجزيرة كانوا أيضاً يتبعون لتلك الإمبراطورية الضخمة. يقول هيغل واصفاً تلك الإمبراطورية: «الإمبراطورية الفارسية، إمبراطورية بالمعنى الحديث لهذه الكلمة، فهي مثل الإمبراطورية الألمانية القديمة، والإمبراطورية العظيمة بقيادة نابليون». ولم تقف حدود هذه الإمبراطورية عند هذا، بل إنهم غزوا الجزر اليونانية مرات عديدة، ولولا شجاعة اليونان والروح الوطنية العالية لديهم، وصلابتهم في الدفاع عن وطنهم، لكانوا ضمن تلك الشعوب التي ابتلعها الفرس بدهائهم الذي لا يجارى وملمسهم الناعم الذي لا يعني الوداعة على كل حال. لقد ملكوا العالم القديم وكان الفرس ينظرون لأنفسهم دائماً على أنهم (النور) الذي سيشرق على الأمم، نور زرادشت الذي ينتمي لعالم الوعي، بحسب تعبير هيغل. في الكتاب أيضاً حديث عن شعب الزند الذي كتب زرادشت كتبه بلغتهم، حيث يقول هيغل: «استمد شعب الزند اسمه من لغته التي كتبت بها (كتب الزند) أعني الكتب الدينية التي قامت عليها ديانة البرسيين القدماء. وما تزال بعض الآثار باقية لهذه الديانة البرسية، ولعبدة النار. فهناك مستعمرة لهم في بومباي، وبعض العائلات المبعثرة على شاطيء قزوين لا تزال تمارس هذه العبادة، ولقد قضى المسلمون تقريباً عليهم». إن إمبراطورية بالضخامة التي تحدث عنها هيغل في هذا الكتاب المهم، والتي ما زال أبناؤها موجودين وأقوياء، ستحلم دوما باستعادة أمجادها وتاريخها، كما نحلم نحن باستعادة أمجادنا وتاريخنا. كان من الممكن أن تتحد الأمتان تحت رابطة الدين، إلا أننا نصاب بخيبة الأمل المرة تلو الأخرى، بسبب هذا التعالي القاري الذي نجده عند الفرس، كما أننا نلمس المرة تلو المرة حقداً مراً ورغبة في الانتقام ممن أزالوا إمبراطورية فارس العظمى، وقد بدأ الفرس في الانتقام منذ زمن بعيد عندما غرس أبو لؤلؤة المجوسي (يسميه الفرس بابا شجاع الدين) خنجره في ظهر زعيمنا وحبيبنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يصلي بالناس في صلاة الفجر. في تلك الحادثة التي لا أراها إلا جزءاً لا يتجزأ من سلسلة المكائد والدسائس التي يحيكها الفرس ممتدة لليوم. هذا الرجل الذي بدأ الانتقام الأول له مزار يعظم في إيران. كيف سنواجه هذا التحدي؟ ما السلاح الذي نملكه لمواجهة هذا المد الذي لن يتوقف ولن يتراجع؟ هذا ما سيكون موضوع مقال آخر بمشيئة الله.