التغيير لا يعني تقصيراً فيمن تم تغييره، بقدر ما هو انتظار وفرح بما سوف يُحْضِره الجديد المقبل، وهذه المرة يحضر إلى «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ربان جديد لسفينة تجتهد لكي لا تخرج عن المحيط الاجتماعي، لكنها تقفز ببعض الأعمال الفردية إلى مطبات لا تدرك أبعادها ولا تحسب الخلاصة النهائية لما بعد عمليات القفز، وبشيء من هذا الاجتهاد الفردي الذي لا يسكن مكانه تتجه أصابع النقد الاجتماعية إلى الهيئة باتجاه حاد، وتضرب الجهود المبذولة في مقتل، ونحن الذين ننتظر من الجهاز ورجالاته أن يطبقوا المسمى الكامل لهم والصريح بأن يكون الأمر بالمعروف مبتدئاً على النهي عن المنكر ومن ذلك ستبدأ أول خيوط المصالحة والتقارب المنشود وننطلق سوية من نقطة بمثابة الجوهر في خلاف يختفي ويظهر. الهيئة كانت ولا تزال مسرحاً ساخناً لكثير من الصدامات واختلاف الرؤى والآراء والتوجهات، ومكاناً دائماً لتباين وجهات النظر، ولعل أي تغيير يحدث في ميدانها، وتبديلاً في كراسيها الإدارية والميدانية يُتْبَع فوراً بحماسة شديدة لتقليص المسافة في مشهد الخلاف والاختلاف. يعتبر المجتمع تعيين رئيس جديد لجهاز الهيئة قراراً مهماً وحساساً، ويتناوله في التوقيت الحالي أهم من بعض التعيينات التي تتقاطع مع مصالحه المباشرة، وبين جنبات هذا التناول تتبادر حالات استغراب شديدة عن سر ذلك، والاهتمام اللافت بتفاصيل وفكر المقبل وقراءة سجله وحضوره وآرائه الشخصية قراءة دقيقة للزمن والمستقبل، ومن هذه النقطة تحديداً يفترض من الرئيس الخلوق المقبل أن يتحمس لمعرفة سر هذا التماس الشديد مع جهازه، ولماذا تشتعل الخلافات على الخطأ، وهل أخطاء الجهاز نابعة من نصوص نظامية وسطور واجب، أم إن شيئاً مما كان سابق الحدوث يتم تبنيه في الميدان، وتأخذ الأفراد شجاعة وقتية مبنية على تغليب لحالات شك على حالات اليقين. الجهاز لا بد أن يصل إلى نقطة التقاء مع أفراد المجتمع، أو يعلن عن حجار الطريق التي حالت دون الالتقاء، صحيح أن المجتمع ليس مختلفاً بكامله مع أدوار وأداء الهيئة، لكن حين تحضر مفردات الخوف والكراهية والتحدي والتهميش، وتتردد على الألسن في الهامش من الحوارات كلمات الإلغاء، وضبط التصرفات، وتحديد الأدوار واقتناص الأخطاء، فذلك يؤكد بالنسبة المئوية الكاملة أن هناك حلقة مفقودة يجري البحث عنها مع كل دورة تغيير، أو لنعترف بأنه يستحيل الحصول على هذه الحلقة في ظل إغلاق الآذان عن حروف الانتقاد واعتبارها برمتها مجرد تشكيك وتهميش لجهاز الهيئة، المستقبل يتحدث عن نفسه، وقد يكون الرئيس بحضوره الفكري والشرعي اللافت خير من يتمكن من إحداث الفارق الملموس للجهاز مع المجتمع. وليته يأخذ جولة باكرة في بداية المشوار على فروع الرئيسة على امتداد الخريطة ليضع لهم ورقة عمل فورية التطبيق ومرنة للحساب والعقاب استناداً على جملته الأولى الذهبية «الأمر بالمعروف... ب«معروف»، والنهي عن المنكر بلا «منكر»، وأعلم أنه ليس من المستحيل أن يؤمن المجتمع ويستوعب دور الهيئة، بل ويسهم في إنجاحها لكن بلا تخويف ولا تخوين ولا تشكيك فوري وتجاوز عقلاني عن الخطأ البشري بوعي وتوعية، فهم في المبتدأ رجال حُسْبة، والاحتساب مفهوم واسع ميسر يستوجب الحب لا الكره، ولعل المؤمل من جملة أفراد محسوبين كعدد على كوادر الجهاز أن يهبطوا قليلاً من السماء ليلتقوا معنا على الأرض، ونشعر وإياهم بالوجود المشترك، وكما يقال إن التغييرات خطوة في طريق المسار الصحيح، إنما لنتفق - وجهازنا ذو الرئيس الجديد - على المسار الصحيح في بداية مشوار تفاؤل وتفاعل، حتى لا نعود دوماً لنقطة الصفر.