مقالي اليوم فضلت أن أجعل منه رسالة مفتوحة موجهة لعبداللطيف آل الشيخ بمناسبة توليه رئاسة أكثر جهاز بالدولة احتكاكاً بالمواطنين، والأكثر إثارة للجدل في الآونة الأخيرة، «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: نعلم مدى عظم الأمانة الملقاة على عاتقكم، ومدى الآمال المعقودة باستحداث تغييرات جذرية في جهاز الهيئة ليصبوا لتطلعات المسؤولين والمواطنين على حد سواء. وكمواطنة من بلد تمثل قلب العالم الإسلامي وقدوته ومحط أنظار المسلمين، أتمنى أن تجد كلماتي طريقها إليك. كثُرت في الفترة الأخيرة تجاوزات بعض رجال الهيئة، وأسهمت شبكات التواصل الاجتماعي في نشر هذه التجاوزات في وقت حدوثها نفسه. إذ أصبح الآن بوسع أي مواطن أن يتحول لمراسل مستقل بضغطة زر، كما لا يخفى عليك أن وسائل الإعلام العالمية أصبحت ترى في تجاوزات الهيئة مادة مثيرة وخصبة لجذب المشاهدين لما فيها من الغرابة والشراسة في بعض الأحيان، وبما أن الخير يخص، والشر يعم، شكلت تجاوزات بعض أفراد الهيئة، وعدم وجود آلية للمحاسبة العلنية لهؤلاء المتجاوزين، صورة سلبية في أذهان شريحة كبيرة من المجتمع عما آل إليه وضعها. حتى الآن لا نعرف على أي أساس يتم اختيار رجال الهيئة؟ فعلى رغم وجود المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجامعة أم القرى، لم نقرأ أي احصائية تشير إلى نسبة الحاصلين على هذا الدبلوم بين رجال الهيئة، الذين يمثلون جهازاً حكومياً يعدل في صلاحياته وزارة حكومية، لم نقرأ احصائية عن المستوى التعليمي لمنسوبي هذا الجهاز، نريد أن نعرف كيف يتم تدريبهم وتأهيلهم للتعامل مع المواطنين؟ يعيش في المملكة 27 مليون نسمة، موزعين على «13» منطقة، تختلف في مذاهبها ولهجاتها وعاداتها وتقاليدها، وحتى في مأكلها ومشربها، ولا يختلف إثنان أن السواد الأعظم من الشعب يتمنون انتشار المعروف ودحض المنكر، ولكن أي معروف وأي منكر؟ فهل اختلاف العادات - ضمن حدود الدين - من منطقة لأخرى يعتبر منكراً؟ ما أريد قوله أنك لو جمعت أهل هذه ال13 منطقة ليقفوا على منكر يحاربوه لاتفقوا على منكرات واضحة جلية لا مجال للخلاف العرفي أو المذهبي فيها، كالأحكام المتعلقة بالغش في البيع، وبشرب الخمر، وإيذاء الآخرين بالسحر وغيره، لكن الهيئة لا تزال لا تتفق على قائمة بالمنكرات التي تنهى عنها، فالموضوع متروك بالكامل لاجتهاد رجل الهيئة وتقويمه لما تصطاده عيناه في جولاته. كم نتمنى أن تتغير صورة رجل الهيئة الفظ، الغليظ القلب، المتجهم الوجه، المتصيد للأخطاء، والباحث عن العثرات، لصورة رجل الهيئة المبتسم، الدمث الخلق، اللين العريكة، المتعلم والمثقف والملم بتعاليم الدين، والمتفهم لعادات وتقاليد المنطقة التي يعيش فيها، الرجل الذي كما قلت أنت: الأمر بالمعروف بمعروف والناهي عن المنكر بلا منكر. وأخيراً.. إن مراقبة نيات الناس والتشكيك في أخلاقهم والتدخل في خصوصياتهم ومصادرة حرياتهم الشخصية بشكل دائم، يولد الشحن النفسي والقلق والتوتر والأمراض الاجتماعية، ويجعل المجتمع يعيش مضطراً النفاق الاجتماعي الذي فرضه الخوف من عصا الهيئة لا القناعة بالتحلي بالأخلاق الحميدة. في الأثر أن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» رأى رجلاً يصلي صلاة خاطئة فعلمه وأمره أن يعيدها، فصلى صلاة خاطئة ثانيةً. فضربه عمر وأمره بالصلاة مرة ثالثة فصلاها صحيحة، عندها سأل عمر الرجل: «أيهما أفضل صلاتك الأولى أم الثانية؟»، قال الرجل: «صلاتي الأولى أفضل يا أمير المؤمنين»، قال عمر: «ويحك! صلاتك الخاطئة أفضل؟»، قال الرجل: «كنت أصليها خوفاً من الله، أما صلاتي الثانية صليتها خوفاً من عصاتك»، فبكى عمر.