شهدت مدينة الرياض أخيراً اثنين من أهم المعارض الشخصية: الأول للفنان عبدالله حماس سماه (بعد الرحيل) في قاعة الفن النقي، أما الآخر فهو للفنان عبدالعزيز عاشور وأقامه في قاعة (لام ارت) باسم (أكثر من ورق)يعود حماس إلى الرياض بهذا المعرض الشخصي بعد عقود على معرضه الأول 1974، المعرض الجديد قدمه الفنان كبيراً يتناسب ومسيرته الفنية وتجربته التي حافظت على شخصية الفنان منذ خطواته المبكرة وعروضه الشخصية والجماعية المتلاحقة في أكثر من مدينة سعودية بالإضافة إلى عروضه الخارجية ومشاركاته الممتدة إلى دول عربية وأجنبية، يقدم معرض ما بعد الرحيل أعمالاً جديدة اشتغلها الفنان ما بعد 2010 وجاء تنوعها في حالتين فنيتين تتعاقبان في تجربة الفنان الأولى استلهاماته المباشرة من المعطى التراثي العسيري والأخرى الجماليات الفنية التي ليست بعيدة عن معالجاته الفنية مع اختزال شديد للصورة وللوحدة المستلهمة وعدم الإغراق في الوحدات التي يستلهمها ويشتغلها في أعماله الأكثر شعبية، يستعيد الفنان في أعماله الوحدة العسيرية ويضعها في سياق المشهد العام للعمل ومع كثافة المعاجين في بعض الأعمال إلا أنها تتناغم وتندمج ضمن مشهد الصورة، يعود الى اللون الصريح في معظم الاعمال لكنه يظللها احيانا بمسحة من الضبابية التي تحيل البني مثلا الى ادنى درجاته الفاتحة وبالمثل اللون البيج مع الابيض الذي يخلق توازنات العمل اللونية لكنه في اعماله المقابلة يؤكد على لون شديد الدرجة كالأحمر والأزرق والأصفر وغيرها لتحقيق الإحساس الشعبي في إطار الموتيف أو العنصر الذي يستوحيه من المعمار أو المنسوج العسيري أو حتى المشهد الطبيعي، يتأثر الفنان بمعطيات التكعيبية إلا أن إحالاته الهندسية في اللوحة تجعله يتحرك في المساحة لتحقيق علاقات الفكرة والتي نجد بينها الشخوص في هيئاتهم وعلاقاتهم البيضاوية او المساحات الهندسية او الوحدة التي تتشكل كمثلث او مربع او دائرة، امتدادات تحكمها خبرة الفنان، لا تغيب عنها حساسيته الممهورة بالعفوية أو التلقائية، يأتي عموم اعمال هذا المعرض الكبير واستضافته قاعة الفن النقي بكل قاعاتها الشاسعة لتؤكد تميز هذا الفنان وقدرته على التعامل مع المساحة الصغيرة والكبيرة، والتي تجاوزت في بعض اعمال المعرض الثلاثة امتار، حماس من اسماء الجيل السعودي الثاني الهامة والمؤثرة في التجربة التشكيلية المحلية. كان معرض الفنان عبدالعزيز عاشور ويأتي هاما في مسيرة الفنان وقد تمثل في تجربة هامة رافدها توجهه نحو توظيف الخامة فالمعالجة الفنية التي يشتغل بها افكاره احالته الى البحث في اوراق صحفية خاصة، تحقق مبتغياته من جهة وتبعده ايضا عن امور التأويل والتاطير الذي يقع فيه مثل تلك الاعمال وبناء على محتوى الصحيفة، يضع الفنان العمل في سياقات محددة لا يبتغيها ولا يرغب غالبا ان يربطها بعض المشاهدين على نحو بعيد عن المضامين الحقيقية والفكرية ، بالتالي كانت الاعمال اكثر انفتاحا على التلقي واكثر سعة في خلق حوار معها واكثر تأثيرا في المشاهد الباحث في اطر التوجهات الفنية الاحدث، تنبعث لوحة الفنان عبدالعزيز عاشور جماليا من فضاءات تبعث فينا احساسا بحالة تأمل عميق حالة انسانية تستحضر علومها وثقافتها وبواطنها لتحط بها في بياضات لا يغلّب فيها الفنان التصريح بقدر التأثير بالايجاز فهو في بعض اعمال المعرض الملونة يكتفي بإشارات تحكمها العلاقة الانسانية، او الاتصال بين فضاءين علوي وسفلي الاشارة في سماءاتهما خطوط متقطعة غالبا، ومتصلة احيانا اخرى، هي روح الفنان وصوفيته الفنية الزاهدة، يتقشف عاشور وهو يكتفي بمحدودية من الالوان لا يعنية التصريح بها او المباشرة فهو قد يكتفي بخطوط ملونة رفيعة واشارات فيها علامة الزائد او الضرب او التساوي وتبقيعات صغيرة داكنة، وهذه الاستعارات الرياضية تمنح الفنان القدرة على تحقيق افكاره الجمالية وفق رؤيته الاختزالية وتبسيط وحداته العائدة الى اهتماماته المبكرة بالحرف العربي والكتابة وبالوحدة الشعبية المحلية، جماليات الفنان تبعث حالته الفنية وشخصيته التي تميزت في اكثر من تجربة واكثر من خامة، ذلك في تجارب مثل(كيبورد الحاسوب) او التجربة الحالية او الاقدم وهو في كل الاحوال يؤكد ثقافته الفنية والادبية التي لا تنفصل عن انجازاته الابداعية، صدر لعاشور واحد من اهم الكتب التي رصدت ووثقت لتجارب مجموعة من الفنانين التشكيليين المحدثين السعوديين وجاء بالعربية والانجليزية والفرنسية، كما ينشر كتاباته الفنية في صحيفة الشرق الاوسط.