ذات مرة وفي نشرة المبوبة التي تصدرها دار اليوم للصحافة والنشر وهي نشرة إعلانية أسبوعية لمحت عيني إعلاناً صغيراً جاء فيه: للبيع قصيدة نبطية سعر القصيدة 15 ألف ريال – ترسل السيرة الذاتية على فاكس...... ) هذا هو نص الإعلان، كما جاء في تلك النشرة، طبعاً لم أصدق حاسة النظر وهي الكليلة منذ الطفولة إلا أنها أصرت على صحة محتوى الإعلان فتحرك هاجس لا يخلو من الشغب، في تساؤل غير بريء: لماذا يطلب هذا البائع السيرة الذاتية للمشتري؟ حيث المعهود في البائع سواء كان بائع ذهب أم بائع فحم لا يهمه شكل المشتري ولا لباسه ولا علمه وشهاداته وخبراته وإنما يهمه أن يسلم ويستلم، لكن ماذا لو اتضح أن تلك البضاعة (القصيدة) مغشوشة أو مصابة بمرض يعلمه البائع ولم يفصح عنه ماذا يفعل المشتري في هذه الحالة؟، والقصيدة ليست خاضعة لنظام الغش التجاري من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإن المشتري لا يستطيع أن يطالب بإعادة نقوده لأنه سيفضح نفسه بالمنتديات – أقصد المزادات الشعرية التي أصبح فيها الشعر – بكسر الشين أكثر من الشعر بفتح الشين لكنه غثاء أو ضريع لا يسمن ولا يغني عن الإبداع الحقيقي الأصيل الذي أتعب الشعراء قديماً وحديثاً لكن ما المانع ما دام صاحبنا أراد أن يكسب بالشعر في دكان منزو بعيدا عن مزاد شاعر المليون وشاعر العرب وأمير الشعراء وعمدة الشعراء وشيخ حارة الشعراء للاستعراض أسوة بمزايين الإبل ومزايين الماعز ومزايين الحمام وقد يلحق مستقبلاً بهذا الرتل مزايين القطط إلى آخر المزايين التي تعرض في تلك المزادات فهل هان الشعر على أصحابه وعشاقه حتى أصبح يباع عن طريق الإعلان والمزادات؟ إن البعض يرى في تلك الممارسات الشعرية ما يفتح أبواب المنافسة في الإبداع لزيادة حصيلة الأمة العربية الصامدة من الشعراء المعاصرين الذين تكاثروا حتى كادوا يسترون عين الشمس، فماذا أنتجوا يا ترى؟ طبعاً التساؤل موجه لشعراء النبط لقد كان الآباء والأجداد يحتفلون بالشعر الجيد إلى درجة أن القصيدة الجيدة تنتقل بين أقاليم الجزيرة العربية يتناقلها الأحفاد عن الأجداد ومن شعراء الأجداد في الأجيال السابقة: القاضي والعوني والمغلوث وابن سبيل وغيرهم ممن خلدت بعض قصائدهم في صدور الرواة جيلاً بعد جيل، مع أنهم لم تكن لهم منتديات الكترونية ولا قنوات فضائية ولا دكاكين لبيع القصائد وأشرطة شعرية واليوم وقد وصل التهافت بالشعر النبطي إلى هذا المستوى وفي هذا الوقت الذي تقام فيه المزادات لبيع الشعر فأخشى أن تقام المزادات لبيع الشعراء لأن من يبع شعره يبع نفسه، وإبداعه وكرامته. أكتب هذه الأحرف وأنا أعلم تماماً أنها ستثير حفيظة بعض من ينتسبون للشعر من المتزاحمين على ساحة الشهرة لكنني – ليس هذا تبريرا أو اعتزازا – أقول ارفعوا من قيمتكم أيها الشعراء الجادون فكرامتكم يجب أن تكون أغلى من كنوز الدنيا لأن ما أخشاه أن تطلع علينا الصحف وقنوات البث بإعلانات عن شاعر للبيع أو مجموعة شعراء للبيع.