المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشائخ ودعاة بالمنطقة الشرقية يؤكدون ضرورة توعية المجتمع بظاهرة المبالغة في الديات

أضحى موضوع المبالغة في الديات من الظواهر السلبية التي برزت في المجتمع مؤخراً وهي لا تمت بوجه صلة لمجتمعنا السعودي ، حيث إنها لا تتوافق مع القيم الإسلامية التي تحث على قيم الصفح والعفو عند المقدرة والتسامح، مع العلم أن طلب الدية حق شرعي لذوي المجني عليه.
ووصف عدد من العلماء ورجال الفكر والمشائخ الذين استطلعت وكالة الأنباء السعودية " واس " بالمنطقة الشرقية آراءهم حول ظاهرة المبالغة في قيمة الصلح في قضايا القتل , بأنها ظاهرة دخيلة على المجتمع السعودي لا تمت بأية صلة للدين الإسلامي الحنيف والمجتمع بأكمله المتمسك بالشرع الحنيف , مؤكدين ضرورة تكثيف الوعي الديني بين الناس والتحذير من تلك الظاهرة السيئة , وحاثين على أهمية إحياء فضيلة العفو وتذكير الناس بذلك وبالنصوص الحاثة عليه بكل السبل والوسائل المعروفة من خطب في المساجد أو وسائل الإعلام أو مشايخ القبائل .
وأوضح فضيلة عضو الإفتاء بالمنطقة الشرقية المشرف العام على الفرع الشيخ خلف بن محمد آل مطلق أن الدين الإسلامي الحنيف حث على التسامح في القصاص وكان من المعروف عند الجاهلية القتل أنفى للقتل ، فأتى الإسلام وشرع القصاص " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " فلو ترك الناس للهرج والمرج ذهبت نفوس كثيرة لكن هذا القصاص يطفئ الفتن ، حيث إن الإسلام عندما شرع بالقصاص أصبحت ولله الحمد المجتمعات آمنة وأصبح الشخص يعيش في اطمئنان وسلم الناس من هذه الفتن ومن الهرج والمرج والقتل في هذه الأمور وصدق الله عز وجل في قوله " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " ، فقد كان عند اليهود القصاص دون دية وكان عند النصارى دية دون القصاص ، فأتى الإسلام وشرع القصاص وشرع الدية فولي الدم مخير بثلاثة أمور إما أن يقتص وإما أن يأخذ الدية وإما إن يعفو، والعفو هذا إما أن يكون عن صلح بينه وبين أهل الجاني وإما أن يكون عفو مقابل ما عند رب العالمين عز وجل، وقال تعالى " فمن عفي له من أخيه شي فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، فسمي التنازل من القصاص إلى الدية بالعفو لأنها أخف على أهل القاتل والمجتمع.
وقال فضيلة الشيخ آل مطلق : إن الصلح تنطفي به الفتن، والصلح بابه مفتوح، وقال الله تعالى : " لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " ، فينبغي لمن دخل في الصلح أن ينظر إلى هذا الصلح من جميع جوانبه وتأثيره على الجاني والمجتمع، لأن مصلحة البلاد والعباد قد تكون قتل هذا الجاني، قال تعالى " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ".
وأشار الشيخ آل مطلق إلى أنه لابد من إرشاد القبائل والأهالي بالنظر إلى أن هذا الصلح يطفي نار الفتنة أولاً والشخص القاتل يستحق من يشفع له وقد تاب إلى الله وصلحت أحواله فإن الشفاعة فيه جيدة، أما إن كانت القضية قائمة على أمور غير جيدة فالبعد عن مثل هذا أفضل ، مبيناً أنه لا يذهب الإنسان في الصلح بمثل هذه الأمور إلا لوجه الله وقال تعالى " ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " ، فلابد إن يرغب أولياء الدم فيما عند الله ويبين لهم بأن ما عند الله في العفو أعظم مما يأخذ من النقود والمشقة على الطرف المقابل أو أن يأخذوا نصف المبلغ ويبارك الله فيه خيراً من أن يأخذوه كاملاً ويمحق الله بركتها.
ودعا إلى إنشاء قسم تابع لوزارة الداخلية مكون من مجموعة من طلبة العلم والعلماء والمشايخ مختصين بالصلح ويكون لديهم القبول في المجتمع، حيث يكون لهم مرئياتهم في الأحكام أو الصلح فإن رأوا في أن خروج المحكوم عليه بالقصاص فيه مشقة بالبلاد والتقارير المعدة عليه غير جيدة فعدم التدخل بهذه الأمور وإنهاء الأمور بوجه السرعة وتنفيذ الحكم.
وأبان عضو الإفتاء بالمنطقة الشرقية أنه لا يجوز أخذ نسبة من الديات مقابل فك الرقاب وجمع الديات ، وفي الحديث " ومن يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله ".
من جهته أوضح مدير عام مكاتب المتابعة بالمنطقة الشرقية بلجنة رعاية السجناء " تراحم " الشيخ محمد الصافي أن ظاهرة المبالغة في طلب الديات وتجمع القبائل وإقامة المخيمات من أجل طلب العفو والصفح بأنه من شيم الكرام، لكن ظاهرة التجمعات وطلب الديات هي ظاهرة دخيلة على المجتمع المتمسك بالشرع الحنيف، حيث إنها تخدش الصورة الايجابية التي تعكس أصالة الشعب السعودي، مؤكداً ضرورة تكثيف الوعي الديني بين الناس والتحذير من الظاهرة السيئة في نصب المخيمات وتجمع القبائل بهذه الطريقة التي لا تمس لأي نوع من الحضارة، مشيراً إلى أنه لابد من حث الناس على العفو لوجه الله تعالى وحض العلماء وخطباء المساجد ومشايخ القبائل على ضرورة تنبيه المجتمع من المبالغة في الديات لقوله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف ".
وقال الشيخ الصافي : إن المبالغة في طلب الديات بمبالغ طائلة لقاء التنازل عن القصاص وما يتبعها من أمور ليست في ديننا الإسلامي من شيء ولم تكن معروفة من العرف القبلي منذ عقود خلت" ، مشيراً إلى أن ولاة الأمر في هذه البلاد حفظهم الله يبذلون كل الجهد للحد من المبالغة في الديات.
كما أشار إلى أن للصلح أجر كبير عند الله وأن الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة يحبها الله سبحانه وتعالى، حيث إن المصلح هو الذي يبذل الجهد وماله وجاهه ليصلح بين المتخاصمين، وكم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال وفتنة شيطانية كادت أن تشتعل لولا فضل من الله ثم المصلحين، وقال الله تعالى " لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " ، وقال تعالى " واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، وقال تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما " وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة ، أي النافلة، قلنا بلى يارسول الله قال : إصلاح ذات البين ".
بدوره قال المحامي والقانوني حمود الخالدي إن الشريعة الإسلامية الغراء جاءت من أجل حفظ مصالح العباد والبلاد في الحال والمآل، وكان من أسمى مقاصدها جلب المصالح ودرء المفاسد في كل الأحوال والظروف وانطلاقا من هذه القاعدة الشرعية الكبرى فقد قامت دولتنا السعودية الراشدة وفقها الله بمختلف مؤسساتها القضائية وأجهزتها التنفيذية على إقامة شرع الله تعالى وتحكيم أوامره وتنفيذ شرعه ومن ذلك إقامة حد القصاص بحق من قتل غيره عمداً، وتوفرت بحقه القرائن الثبوتية عند القاضي لإقامة حد القصاص ، مبيناً أن الشريعة الغراء حثتنا على العفو والصفح والإحسان، كما قال تعالى (مَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وأشار الخالدي إلى أن من أجل أن ترتقي النفوس من مقام القصاص ومجازاة السيئة بمثلها إلى منزلة العفو والصفح كما قال تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) وقال النبي صلى على الله عليه وسلم (ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعفو وإما أن يقتل) ، مؤكداً أن ظاهرة المبالغة في الديات التي تدفع لأولياء الدم مقابل التنازل أصبحت تنم عن اتخاذها تجارة قد تصل إلى تكسب أطراف أخرى من وراء السعي والتدخل في هذه القضايا مستغلين رغبة الجاني وأهله في السلامة من القصاص لأن المبلغ المحدد في الأمر السامي يمثل حلاً وسطياً ينهي الخلاف ولا يرهق الناس ولا يجبر أهل الجاني على تكفف الناس ونصب الخيام لجمع التبرعات.
وبيّن أن أهمية دور العلماء وأهل الفكر والرأي من أساتذة الجامعات وخطباء الجوامع في تكثيف الوعي الديني بين الناس والتحذير من تلك الظاهرة السيئة , وتوعية مشايخ القبائل للإسهام في كبح جماح من تحت أيديهم من المبالغة في هذا الأمر والأخذ على أيديهم ومعالجة هذه الظاهرة السيئة بما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة.
وفي ذات السياق قال عضو لجنة إصلاح ذات البين بالدمام و الناطق الإعلامي للجنة عبد الرحمن بن فهد المقبل أن اللجنة العليا لإصلاح ذات البين بالمنطقة الشرقية والتي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية بكافة فروعها في محافظات المنطقة الشرقية لأتبذل مساعيها في أي قضية من قضايا القتل إلا بعد التأكد من عدة ضوابط وهي أن تكون صدرت عليها موافقة سمو أمير المنطقة في بذل المساعي وفقاً لعدة شروط وهي أن تكون من القضايا التي أباح الشرع الحنيف السعي بالإصلاح فيها وليس فيها إفساد في الأرض بانتهاك أعراض أو مخدرات أو إصرار وترصد وليس فيها حداً شرعياً كحد الحرابة والغيلة والقطع والرجم وصدور حكم شرعي يقضي القصاص وله الصفة القطعية وألاّ يكون قد صدر أمر سامي يستثنى الحكم الصادر في القضية من أي عفو كان وألا يكون قد اقترن بالقتل انتهاك للأعراض أو تعاطي للمخدرات أو ترصد وإصرار على القتل أو ترويع للناس أو مباشرة القتل داخل الأجهزة الحكومية والمجالس الشرعية والمساجد وخلاف ذلك وأن يتحقق للجنة صلاح حال القاتل وأنه حسن السيرة والسلوك قبل الفعل وبعده وأن سجله الجنائي خالٍ من السوابق وأن تبذل المساعي للتنازل عن القصاص على أساس العفو لوجه الله أولاً أو الصلح بعوض مالي مقبول وفق ما قرره ولي الأمر ايده الله , وأن يتم بذل المساعي من قبل أعضاء اللجنة المسجلين فيها فحسب وإذا دعت الحاجة الاستعانة بمن يرون مناسبة الاستعانة به بعد الله سبحانه وتعالى وله أثر إيجابي يخدم مساعي الصلح يتم ذلك عن طريق رئيس فرع اللجنة التي تبذل مساعيها في القضية وأن لا تتحمل اللجنة أي التزامات ترتبت على مساعي سابقة بذلت من غير أعضاء اللجنة .
وأوضح أنه يتم التوثيق المبدأي للتنازل على أوراق اللجنة وبعد توقيعه من ولي الأمر والشهود يرفع للمحكمة الشرعية المختصة لتثبيته وإشعار الإمارة بما تم من إجراءات ، كما يجب أن تقوم مساعي اللجنة على مبدئي الاستئذان والرفق وعدم تعريض أولياء الدم لأي ضغوط فيها إجبار أو إكراه بل الحث على العفو بالحسنى والتبصير لذلك من خلال كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والنماذج الرائعة من العافين عن الاقتصاص طلباً لعفو الله عز وجل وغفرانه .
وأشار المقبل ألى أن ما نشاهده ونسمعه عن ملايين الريالات التي تدفع في قضايا الدم والتي تثقل الحمل على أفراد القبيلة قد جانبت عين الحقيقة والصواب وإن كانت قد حملت في طياتها شيئاً من شيم وقيم القبيلة في التكاتف وتحمل الألم ولكن ليس بهذه الطريقة التي جعلت الألم يصل لكل منزل وأسرة وربما لو جيرت تلك المبالغ لإيجاد حزمة من التدابير الوقائية في كل محافظة لحماية من مسببات الشروع في القتل وما دون ذلك لكان أفضل لحماية الآف البشر بدلاً من إنقاذ شخص من القصاص كان لم يكن سيقتل في ظل وجود تلك التدابير الوقائية التبصيرية الحافظة من مزالق الشيطان بإذن الله ، مبيناً بأن يكون استغلال مثل هذه الأموال في إصلاح البيئة الاجتماعية لتكون بيئة حب وتفاعل إيجابي بدلاً من أن تكون بيئة تشاحن وانفعالات وانفلات لقيم وضوابط النفس وتكون النتيجة قتل وتحمل تبعات مضنية .
ولفت المقبل ألى أن التحري عن القاتل ومدى أحقيته في بذل المساعي مطلب أساسي وألاّ يغلب جانب العاطفة على العقل وجانب الاندفاع على المنطق بل التحقق من صفة القتل وظروفه وسلامة سلوك القاتل واستقامته وتاريخه الاجتماعي هي مسوغات لبذل مساعي الصلح وأن تكون الحياة بإذن الله عزو جل لمن يستحقها .
وفي ذات السياق قال رئيس المحاكم بمحافظة الأحساء الشيخ سامي بن فهد الحادي أن الأصل في مشروعية العفو عن القصاص في الكتاب والسنة وإجماع الأمة حيث قال تعالى " فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " حيث جعل الله تعالى لأولياء المقتول أن يعفو عن القاتل ورغب فيه فقال تعالى " وإن تعفو أقرب للتقوى" ومن عفى عن القصاص فإنه بخير المنازل عند الله ، ولذلك جاءت السنه تؤكد هذا المعنى حيث قال صلى الله عليه وسلم " مازاد الله عبداً بعفو إلا عزاً " ومن هنا أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على مشروعية العفو .
وأفصح عن أن العفو عفوان الأول عفو بدون عوض وهو أعظم العفويين وأجلهم وأكثرهم ثواباً عند الله جل جلاله لأنه ينطبق عليه قوله تعالى " فمن عفى وأصلح فأجره على الله " فإذا كان يوم القيامه تولى الله أجره وثوابه لأنه قال " فأجره على الله " ولم يبين الله هذا الأجر في الدنيا بحيث يكون وكم يكون ولكن الله يعوضه خيراً في الدنيا وهو الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم " مازاد الله عبدآ بعفو إلا عزه " وفي الأخرة أجره على الله ، فقد جاء في الأثر أنه إذا كان يوم القيامه نادى منادي من كان أجره على الله فليقم وتقول الملائكة ومن هذا الذي أجره على الله ، فيقول صلى الله عليه وسلم " فلا يقوم إلا من عفى عن مظلمه " و النوع الثاني العفو مقابل الديه فله ذلك حيث قدرت دية قتل الخطأ وشبه العمد والعمد ولكن أصبح التنازل في هذا الزمان عن القصاص مقابل مبالغ مالية ضخمه بل أصبحت أرقام فلكيه حتى أصبحت مجحفه لقرابة القاتل وسببت لهم الحرج والضيق وحملوا بالديون مالا يطيقون فلا يجوز إحراج القرابه بمثل هذا .
وتابع يقول : لكن إن حصل صلح فيجوز أن يصالح على أكثر من الدية بشيء معقول مقدور عليه ليس فيه مضرة ولامشقة على أحد فقد قال صلى الله عليه وسلم " وإن صالحوا فلهم ما أخذوا " يعني ما اصطلحوا عليه .
وأكد الشيخ الحادي ضرورة توعية المجتمع بفضل العفو والتسامح والتنازل لوجه الله تعالى وابتغاء الأجر من الله وأن ذلك ليصدر إلا من قوة إيمان وحسن ظن بالله ورجاء في عفوه وكرمه وإحسانه وأنه إذا تولى الناس بالرحمة تولاه الله برحمته .
وفي ذات الصدد قال رئيس قسم إصلاح ذات البين بالأحساء الشيخ الدكتور خالد بن سعود الحليبي " إنه مما يقضّ مضجع المؤمن ، ويؤرث الأحقاد ، ويقلق الأمن ، قتل المسلم لأخيه المسلم ؛ من أجل مال ، أو وظيفة ، أو مصلحة ما، أو خلاف أو شجار أو غضب ، وقد يقتل الرجل ولده أو والده ، وقد يقتل أحب الناس وأقربهم إليه ، وكل ذلك من الشيطان الرجيم .
وتابع يقول " من المعلوم أن شريعة الإسلام جاءت بحفظ الضرورات الخمس ، وحرمت الاعتداء عليها ، وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل. ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة. والأنفس ُ المعصومة في دين الإسلام إما أن تكون مسلمة فلا يجوز بحالٍ الاعتداء ُ على النفس المسلمة وقتلها بغير حق ، ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام. يقول الله تعالى: {وَ مَن يَقتل مُؤمِنا متعمّدًا فَجزاؤُ هُ جهَنّم خالِدا فيها وغضبَ اللَّهُ عَليْه ِ و لَعنَه ُوأَعدَّ لَه ُعَذابا عَظيمًا} [النساء: 93] ,وفي سنن النسائي وصححه الألباني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم " .
وأردف قائلا : مع هذا الوعيد الشديد ، فقد يقع المسلم في هذه الكبيرة الكبرى، ويحكم القاضي الشرعي بالقصاص، و{ولكم في القصاص حياة}، وهو حق لأولياء الدم بلا شك ، ولكن يأتي دور المصلحين ، في الترغيب في العفو، امتثالا لقول الله تعالى: {فأصلحوا بين أخويكم}، {والصلح خير}، {وأن تعفوا أقرب للتقوى}. فيعفو بعض الناس ابتغاء وجه الله تعالى ، بعد أن يتحققوا من توبة القاتل، وحسن سيرته ، وانطفاء نزعة الاعتداء في داخله ، فينالوا الأجر والثواب عند الله عز وجل.
واستدرك قائلاً " لكن ما نتفاجأ به بالفعل أن يتحول هذا العمل الذي يرجى به أن يكون إحياء نفس حَقَّ قتلها، {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} ، إلى ما يشبه الاتجار بالبشر ، حيث يفرض بعض أولياء الدم مبلغا كبيرا مبالغا فيه ، يصل إلى ملايين الريالات ، فيضطر أهل القاتل أن يبيعوا كل ما يملكون ، ويريقون مياه وجوههم على القريب والبعيد من أجل جمع هذا المبلغ الباهض ، الذي لا يعطي أية دلالة على قيمة المقتول ، بل هو دليل على جشع من طلب هذه الأموال الباهضة ، واستغلالهم لانكسار الأهل جراء ما حدث من ابنهم .
ونوه الشيخ الحليبي بإن الحق قائم لأولياء الدم ، ولكن الله تعالى وجه بالعفو والمعروف وليس بالمغالاة، {فَمنْ عُفي لَه ُمِنْ أَ خِيه شَي ْء ٌ فَاتبَاع ٌ بِالْ مَعروف ِ وَأَدَاء ٌ إِلَيهِ بِإحسَانٍ ذلِك تَخفِيف ٌ مِّن رَّبِّكُم ْ وَ رَحْمَة ٌ فَمن اعتدَى بَعْد ذَ?لِكَ فَلَهُ عَذَاب ٌأَلِيمٌ }.
وتساءل الشيخ الحليبي أين الإحسان في إرهاق أهل القاتل بكل هذه الأموال الباهضة التي قد تضطرهم ليستدينوا بعد أن يفقدوا كل ما يملكون؛ فيصبحوا من الفقراء المحتاجين إلى أجل غير مسمى .
وأكد أن الفضل من أهل الفضل أن يكون العفو خلوا من الطلبات المادية ، وأن يحسن أهل القاتل بمبلغ مناسب غير مبالغ فيه من المال يكون فيه إحسان لمن عفا وصفح ، وربما احتاج إليه بعض ورثته مبرزاً ما وجه به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود حفظه الله ، في هذا الصدد حيث حث عليه، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير ، وكل ذلك في الصالح العام ، فلا يدري من يرهق الآخرين بهذا المبلغ ، قد يقع هو في الموقف نفسه لا قدر الله ، فيحتاج إلى عفو أخيه ، ومراعاة ظروفه .
وأوضح مدير الأوقاف والمساجد والدعوه والإرشاد بمحافظة الأحساء وعضو لجنة اصلاح ذات البين الشيخ احمد بن ابراهيم الهاشم ان الدية حق شرعي لولي الدم لقوله تعالى ( ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدّقوا ) فأوجبها الله جل وعز في قتل الخطأ جبراً ، كما أوجب القصاص في قتل العمد زجراً ، وجعل الدية على العاقلة رفقاً ، وهذا يدل على أن قاتل الخطأ لم يكتسب إثماً ولا محرماً ، والكفارة وجبت زجراً عن التقصير والحذر في جميع الأمور ، والدية التي حددتها الشريعة مائة من الأبل فإذا عدمت وقت الوجوب فحينئذ ينظر في بدلها وهي القيمة بحساب الوقت كما في كل واجب في الذمة يتعذر أداؤه ، أما ما آلت إليه الأمور من مبالغات تجاوزت حدود الشرع والإجماع والعرف في مطالبات أولياء الدم مبالغ تتجاوز المليون إلى ثلاثين وأربعين مليون ريال فهذا ليس من الشرع في شيء ، ويجب على أولياء الدم أن يتقوا الله في أنفسهم ولا يجرهم حب المال أو الإنتقام إلى والطمع المطالبة بهذه المبالغ الطائلة التي يعجز أهل القاتل من المقربين والعاقلة من الإتيان بها والحصول عليها ، بل قد تفتح باب التحايل والمباهاة وأمور أخرى لا تحمد عقباها .
وقال " إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ال سعود حفظه الله أدرك ذلك وهو جزاه الله خيرا أول من يسعى في طلب العفو والصفح من أهل المقتول ، خاصة إذا علم أن القتل حدث خطأ ، ودون سوابق بين القاتل والمقتول فيسعى ويرسل من يثق به من أهل العلم والوجاهة إلى أولياء الدم يطلبون العفو لوجه الله تعالى أو مقابل الدية حيث إنه حرص حفظه الله ألا تتجاوز هذه المبالغات في طلب الديات كما حددها الشرع الحنيف ، الذي كفل لذوي الحقوق حقوقهم حيث وجه رعاه الله نداءه إلى القبائل وأولياء الدم وأهل العلم وأهل الوجاهة ، أن يسعوا في الحد من هذه المبالغات والمطالبات التي لم ينزل الله بها من سلطان .
من جهته قال رئيس المحكمة الجزئية بالأحساء الشيخ عامر بن عبدالله الودعاني " لقد كثر الحديث في هذه الأيام عن الديات في القتل العمد وكثرة المبالغة فيها إلى بلغ حدا أن الكثير أصبح للأسف يزاود على المقتول ، حيث ان الديات أصبحت مبالغا فيها الى درجة أن بعض الناس يطلب في المقتول عشرات الملايين ، وكأنه اصبح سلعة يزاود فيها ، وأهل القاتل ولرغبتهم الملحة في عتق رقبة قربهم أصبحوا يبذلون ما لا يطيقون لعتقه ، وأصبحوا يبذلون كل السبل للحصول على المبلغ المطلوب مهما كان حتى ولو وصل الى الملايين وحتى لو امتهنوا مهنة سؤال الناس في المساجد والاسواق وفي كل مكان ، وأصبح على أبناء القبيلة والأسر غنيهم وفقيرهم مسؤولية جمع هذا المبلغ بشتى الطرق حتى وإن كانوا هم أحوج الى هذا المال .
وأكد أن المسألة أصبحت باختصار أمرا لا يطاق ولعل التوجيه السامي بتحديد مبلغ للصلح لا يزاد عليه هو قرار حكيم سيحد من وجود مثل هذه المظارة غير المقبولة بأي شكل من الاشكال وان توجيهات النصوص القرآنية والاحاديث النبوية جاءت في مفهومها بمنع المشقة والتشديد ومنها قوله تعالى " لا يكلف الله نفسا الا وسعها " (البقرة) ومن الاحاديث النبوية الشريفة " ان الله تعالى ليعطي على الرفق واللين ما لا يعطي على العنف " وقوله صلى الله عليه وسلم : " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا " ومعروف بأن مجتمع المملكة العربية السعودية مجتمع مسلم مسالم نشأ وترعرع على التقاليد العربية الاصيلة المنبثقة من تعاليم عقيدتنا الاسلامية الغراء ، بحيث يتميز هذا المجتمع بالرحمة والعطف والتكافل الاجتماعي بيد ان ظاهرة المبالغة في طلب الديات مقابل العفو عن القصاص الى جانب تجمعات القبائل واقامة المخيمات من اجل طلب العفو تخدش الصور الايجابية التي تعكس باشياء بعيدة تماما عن الدين والتقاليد فضلاً عن انها ارهاق لكاهل اسرة المعفو عنه وأقاربه وقبيلته الى حد يصل في بعض الاحيان الى المستحيل .
بدوره نوه المدير التنفيذي للجنة إصلاح ذات البين بالأحساء الشيخ عادل بن سعد الخوفي بأن من الخصال الحميدة والأخلاق الكريمة التي حث َّ عليها نبينا الكريم صلى الله عليه و سلم ، وسعى إليها ورغب فيها ولاة أمرنا حفظهم الله هي صفة العفو وهي أصل ٌ في شأن من ابتلاه الله بجانٍ اعتدى عليه أو على مورثه .
وقال " إن العفو من شيم الكرام أبناء الكرام ، فإن كان بدون عوض أو على عِوض معقول وميسور فأجره على الله تعالى ، فهي قربة لله ، بل من أفضل القربات إذا كان تاب الجاني وأصلح أمره واستقام ، وكل من شارك في العفو فهو على خير بإذن الله تعالى لافتاً الى ان ما نراه من مبالغة في قيمة الصلح في قضايا القتل فهذه ظاهرة دخيلة على رجالات هذه البلاد ، وليست من هدي ديننا الحنيف ، ولم تُعرف عن مجتمعنا السعودي الكريم ، فالعوض حين يُتجاوز فيه عن الحد المعقول يُولِّد في نفوس أهل القاتل القهر والكآبة وتفكير في الانتقام بطريقة أو أخرى .
وحث الشيخ الخوفي على ضرورة توعية المجتمع بعدم المغالاة في أمر الديات ، والحث على التيسير وتغليب ما عند الله خير من المغالاة الفاحشة فما يأخذه الولي أو من له صلة بالقتيل ، فإيقاف المغالاة في الديات خير من الإيغال فيها ، وهذه لها نتائج سلبية عديدة منها أنها خلاف توجيهات الشارع الحكيم و تغييب المقاصد الشرعية من العفو والدية و تظهر المجتمع بصورة سلبية همها الجشع وتحدث القطيعة بين أبناء المجتمع المسلم كما ترهق كاهل من لا ذنب له من أهل القاتل وتضيق عليهم و تفتح الباب لسماسرة الصلح لتحقيق أرباح على حساب الآخرين و تذكي نار الفتنة والنعرات الجاهلية .
وأفصح رئيس قسم إصلاح ذات البين بمركز التنمية الأسرية بالأحساء رائد بن صالح النعيم عن ان المغالاة في الديات أمر مستغرب من بعض النفوس الراضية بالقضاء والقدر؛ والتي ترجوا من الخالق العفو والغفران ؛ إذ أن الدنيا لا تساوي شيئًا عند خالقها ؛ فليست هي متاجرة أو مباهاة أو قهراً لنفوس الرجال ؛ وإنما هي الأخلاق التي تسمو بأصحابها ؛ وذلك بالعفو والصفح في مثل هذه المواقف الصعبة ، كما أنه أمر ٌ محبوب للمؤمن الصابر الراضي بقضاء الله وقدره ؛ الذي حث عليه العفو الرحيم في كتابه العزيز " و َليعفوا وَليصفحوا أَلا تحبُّون أَن َيغفِرَ اللهُ لَكم ْ وَالله ُغَفُوٌ رَّحِيم ٌ" ويقول سبحانه "وَسارِعوا إِلى مَغفِرةٍ مِّن رَّبِّكمْ وَجنةٍ عَرْضهَا السمَوَات ُ وَالأرض أُعدَّت ْ لِلمتقين َ. الذِين َ يُنفقونَ فِي السرَّاء ِ وَالضرَّاء ِ وَالْكَاظمِين الغيْظَ وَالعَافين عَن النَّاس واللَّهُ يُحِبُّ المحسِنِينَ" .
ورأى أن هذه المبالغات ؛ إنما هي دخيلة علينا وهي ليست من قيمنا وأخلاقنا في شيئ منها , ويجب أن يعلم من يعفو عن الجاني بدون مساومات؛ عن حجم الفرحة والبهجة التي يرسمها في قلب الجاني وذويه ؛ بل وفعله هذا من أفضل القربات عند الكريم المنان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.