سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مشايخ وقضاة: المبالغة في طلب الديات تؤدي إلى استذلال وإرهاق ذوي الجاني وهو ما يتعارض مع أحكام الشرع رأوا أن ذلك يخدش الصورة الإيجابية التي تعكس أصالة شعب المملكة
حث الدين الإسلامي الحنيف على العفو والصفح واحتساب ذلك عند الله سبحانه وتعالى لما وعد الله به من أجر ومثوبة في قوله تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) ويقول تعالى(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس). ويعد العفو والتسامح من شيم العرب وصفة نبيلة سطرتها كتب التاريخ وسير العظماء على مر السنين. كما يعد تاجا يمكن أن يلبسه أي إنسان مهما كان وضعه الاجتماعي فهو يؤخذ ولايعطى وينظر إليه الناس بمختلف فئاتهم بالمحبة والإعجاب والتقدير ويغبطونه على مامنحه الله من صفات حميدة جعلت ذلك الإنسان يعفو دون مقابل لقاء ما وعد الله به في يوم لاينفع مال ولابنون. ومجتمع المملكة مجتمع مسلم مسالم نشأ وترعرع على التقاليد العربية الأصيلة المنبثقة من تعاليم عقيدتنا الإسلامية الغراء حيث يتميز هذا المجتمع بالرحمة والعطف والتكافل الاجتماعي. بيد أن ظاهرة المبالغة في طلب الديات مقابل العفو عن القصاص إلى جانب تجمعات القبائل وإقامة المخيمات من أجل طلب العفو تخدش الصور الإيجابية التي تعكس أصالة شعب المملكة أمام الآخرين بأشياء بعيدة تماما عن الدين والتقاليد فضلا عن أنها إرهاق لكاهل أسرة المعفو عنه وأقاربه وقبيلته إلى حد يصل في بعض الأحيان إلى المستحيل.. فالعفو لم يكن يوما من الأيام من أجل دنيا أو مظاهر زائلة وإنما هي شيمة وقيمة لاتقدر بثمن فما عند الله خير وأبقى. في هذا السياق عبر عدد من المشايخ والقضاة عن استنكارهم الشديد في المبالغة بطلب الديات بمبالغ طائلة لقاء التنازل عن القصاص , ووصل ذلك إلى استنفار القبائل وإقامة المخيمات وعمل لوحات إعلانية تطلب التبرع لهذا الغرض وما يتبعه من أشياء ليست في ديننا الإسلامي من شيء ولم تكن معروفة في العرف القبلي منذ عقود خلت. وأجمعوا في تصريحات لوكالة الأنباء السعودية على أن السبيل للخروج من هذا المأزق والتجارة في الدماء يكمن في تغليب العاطفة الدينية وتغليب ما عند الله من الأجر العظيم , وأن يكون الوسطاء على قدر من المسئولية خاصة الوجهاء وشيوخ القبائل لما لهذه القضية من حساسية شديدة لأمن القاتل ولأمن أولياء القتيل. وأكدوا أن المبادرة بالخيرات لاسيما العفو عن المسيء من الفرص النادرة التي يثبت فيها الأخيار ويفوز بها الأبرار ولطالما فاتت على كثير لما غاب في حسبانهم الفضل الكبير الذي أعده الله للعافين عن الناس في الدنيا بالعز والرفعة وفي الآخرة بالثواب والمغفرة. فقد قال رئيس المحاكم بمنطقة تبوك عضو المحكمة العليا الشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد أن الله سبحانه وتعالى رغب إلى عباده العفو والصفح لقوله تعالى (ومن عفى وأصلح فأجره على الله) وقوله تعالى (والصلح خير) وقوله تعالى (فمن عُفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين). وبين أن الله شرع القصاص في القتل العمد لردع من تسول له نفسه إزهاق نفس بغير حق لقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يأولي الألباب لعلكم تتقون) ولقد ندب الشارع إلى حث الأولياء على الصلح والتنازل لوجه الله أو أخذ دية القتل العمد ودية القتل العمد كما هو مقرر هي الدية المغلظة لكنها لا تزيد كثيرا عن دية قتل الخطأ. وأكد أن ظاهرة طلب الديات الكبيرة أصبحت مقلقة لأولياء القاتل وجماعته وإن كان القاتل أو أولياؤه عندما يوافق ولي الدم على التنازل لا ينظرون إلى مقدار ما يدفع فهم يريدون إنقاذ الجاني من القصاص لكن في نفس الوقت الغالب أن القاتل لا يدفع شيئا وأن الذي يتحمل ذلك أناس لا ذنب لهم فيما أقدم عليه الجاني ومن هنا فإن توعية المجتمع بهذا الموضوع أمر مهم وتوعية الناس بما ورد في الشرع الحكيم من حث على الخير وتغليب جانب ما عند الله خير مما يأخذه الولي أو من له صلة بالقتيل. وشدد على أهمية نشر ثقافة العفو والتسامح بين الناس من خلال خطب الجمعة والدعاة والمرشدين ووسائل الإعلام المختلفة. في ذات السياق رأى رئيس المحكمة الجزائية بتبوك الشيخ عبدالله بن حمود الغامدي في المغالاة في طلب الديات مقابل العفو عن القصاص تثقل كاهل المطلوبين بل في حكم التعجيز وعد ذلك مخالفة للمنطق والعقل وتوجيهات الشرع الحنيف. وبين أن العفو عن القصاص من الجاني له منزلة عظيمة عند الله وأجر عظيم .. متسائلاً عن تلك المبالغ الطائلة التي يطلبها ولي المقتول التي أصبحت تعجيزية ومتاجرة بدماء الناس وعدها متاجرة خاسرة لما فيها من المشقة والعسر على ذوي القاتل. وأكد أن لولي الأمر الحق في التدخل في الحد من المغالاة في الديات ما دام فيه مصلحة للناس ومنعا للمشاق والضرر الذي يقع من بعضهم على البعض في مثل ذلك حيث إن ذلك خرج عن طوره الصحيح ومساره السليم إلى المتاجرة بالدماء , لا فتا النظر إلى القاعدة الشرعية التي تنص على أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح. من جهته بين رئيس محاكم منطقة عسير الشيخ سالم بن سعيد العواشز أن العفو من شيم الكرام ومن سجايا النفوس العظام وماكان في امرئ إلا زاد عزا ورفعة ولانزع من امرئ إلا تجرع ذلا وحسرة وهو من أجل الصفات ومن أكبر القربات. وبين رئيس محاكم منطقة عسير أن المبادرة بالخيرات لاسيما العفو عن المسئ من الفرص النادرة التي يثبت فيها الأخيار ويفوز بها الأبرار ولطالما فاتت على كثير لما غاب في حسبانهم الفضل الكبير الذي أعده الله للعافين عن الناس في الدنيا بالعز والرفعة وفي الآخرة بالثواب والمغفرة مشيرا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ثلاث أقسم الله عليهن ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه) فهذا في الدنيا كما أسلفنا وأما الآخرة فقوله صلى الله عليه وسلم (من سره أن يشرف له في البيان وترفع له فليعف عمن ظلمه ويعط من حرمه ويصل من قطعه ). من جانبه بين رئيس محاكم منطقة الباحة الدكتور مزهر بن محمد القرني أن ظاهرة المبالغة في الديات التي تدفع لأولياء الدم مقابل التنازل أصبحت تنم عن اتخاذها تجارة قد تصل إلى تكسب أطراف أخرى من وراء السعي والتدخل في هذه القضايا مستغلين رغبة الجاني وأهله في السلامة من القصاص مفيداً أن المبلغ المحدد في الأمر السامي يمثل حلاً وسطياً ينهي الخلاف ولا يرهق الناس ولا يجبر أهل الجاني على تكفف الناس ونصب الخيام لجمع التبرعات. فيما بين مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة الباحة الشيخ ناصر بن مسفر بدران أن المبالغة غير المعقولة في طلب الديات تؤدي إلى استذلال وإرهاق ذوي الجاني وهو الأمر المنافي للشريعة الغراء التي كفلت كرامة الإنسان وصانت حقوقه ونأت به عن مقومات الذل والمسكنة مفيداً أن صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على الضوابط الجديدة لجمع التبرعات للدية مقابل العفو عن القاتل سيكون لها (بإذن الله) الأثر البالغ في ترك المبالغة والتقليل من مفاسدها وكذا معالجتها بما يكون فيه جلب للمصالح ودرءٌ للمفاسد. وقال مدير عام فرع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة عسير الدكتورعبدالله بن محمد بن حميد (إن الشريعة الإسلامية الغراء جاءت من أجل حفظ مصالح العباد والبلاد في الحال والمآل وكان من أسمى مقاصدها جلب المصالح ودرء المفاسد في كل الأحوال والظروف وانطلاقا من هذه القاعدة الشرعية الكبرى فقد قامت دولتنا السعودية الراشدة وفقها الله بمختلف مؤسساتها القضائية وأجهزتها التنفيذية على إقامة شرع الله تعالى وتحكيم أوامره وتنفيذ شرعه ومن ذلك إقامة حد القصاص بحق من قتل غيره عمدا وتوفرت بحقه القرائن الثبوتية عند القاضي لإقامة حد القصاص). وأضاف ومع كل ذلك فقد حثتنا الشريعة الغراء على العفو والصفح والإحسان كما قال تعالى (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم). وذلك من أجل أن ترتقي النفوس من مقام القصاص ومجازاة السيئة بمثلها إلى منزلة العفو والصفح كما قال تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لايحب الظالمين)وقال النبي صلى على الله عليه وسلم (ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعفو وإما أن يقتل). ورأى مدير فرع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة عسير أن هذا المبدأ الإسلامي العظيم في العفو والتسامح قد تكدر في هذا العصر ببعض التصرفات المبالغ فيها مما لايقره شرع ولاعقل عند بعض من يطالبون بمبالغ باهضة تدخل في خانة الملايين من الريالات من أجل التنازل عن القصاص وقيام بعضهم بنصب المخيمات وعمل لوحات إعلانية بطلب التبرعات النقدية لذلك الغرض ومايتبع ذلك من استذلال ذوي الجاني وعصبته. وأكد أهمية دور العلماء وأهل الفكر والرأي من أساتذة الجامعات وخطباء الجوامع في تكثيف الوعي الديني بين الناس والتحذير من تلك الظاهرة السيئة , وطالب مشايخ القبائل بأن يسهموا في كبح جماح من تحت أيديهم من المبالغة في هذا الأمر والأخذ على أيديهم ومعالجة هذه الظاهرة السيئة بما يحقق المصلحة ويستدفع المفسدة.