بكل المعايير والمقاييس والأعراف الدولية فان الاعتداءات الاسرائيلية على قطاع غزة لا تعني بداية حرب معلنة بين الكيان الاسرائيلي والفلسطينيين فحسب، ولكنها تعني من جانب آخر أن اسرائيل تدق المسمار الأخير في نعش العملية السلمية في الشرق الأوسط أو تكاد تضربه، رغم ما تتبجح به من نواياها لاحلال السلام في المنطقة وهي مصممة على استمرارية نهجها العدواني من خلال سياستها الاحتفاظ بالأرض والسلام معا، في وقت يعلم فيه ساسة اسرائيل أن الدول المحبة للسلام والأمن والعدل في العالم بأسره ترفض هذه السياسة العدوانية، التي لن تكون طريقا ممهدا لاحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط في بؤرة تعد من أطول بؤر النزاع في العالم، وشن الهجوم العسكري الاسرائيلي الموسع ضد أهالي قطاع غزة يعد استمرارا لسياسة اسرائيل المعلنة بالعدوان على الشعب الفلسطيني، وضرب كافة القرارات الأممية ذات الصلة بتسوية القضية الفلسطينية عرض الحائط. ويبدو أن الحديث عن اقامة الدولتين أضحى في مهب الريح اذا ما ربط بالعدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ضمن سلسلة من الاعتداءات المتلاحقة على هذا القطاع لاجهاض مقاومة الفلسطينيين، وردعهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة على تراب أرضهم الوطني. فالحملة العدوانية الشنعاء ليست موجهة في حقيقة الأمر ضد قطاع غزة فحسب ولكنها موجهة ضد الفلسطينيين كلهم، بل انها موجهة ضد العرب جميعا وضد الدول المحبة للأمن والسلم الدوليين في العالم كله، ويبدو أن اسرائيل لا تزال جاهلة أو متجاهلة أن تلك الاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني لن تكون سبيلا لاحلال السلام في المنطقة، ولن تكون سبىلا لإخماد أصوات الفلسطينيين العالية المنادية باقامة دولتهم المستقلة. وحتى الحليف القوي لاسرائيل أعلن على لسان الرئيس الأمريكي بعد الاعتداءات الأخيرة على غزة «أن السلام هو الطريق الوحيد لضمان أمن اسرائيل والفلسطينيين» غير أن اسرائيل رغم هذا الاعتراف المؤيد من كافة دول المعمورة ما زالت تصر على مواصلة العدوان ضد الشعب الفلسطيني، وما زالت تصر من جانب آخر على اهدار الفرص المواتية لاحلال السلام في المنطقة باقامة مشروع الدولتين، ويبدو أن اسرائيل لم تتعلم من دروس الاعتداءات السابقة، فقد جربت من قبل مع القطاع خيار العملية البرية ولكنها منيت بخسائر فادحة دعتها الى الانسحاب من غزة، ويبدو أن احتمال شن عملية برية جديدة ضد القطاع سوف تمنى هي الأخرى بفشل ذريع ان اقدم عليها ساسة اسرائيل. ولا يلوح في الأفق أن اسرائيل تلوح بالسلام أو تدعو اليه، وانما تلوح بمزيد من تصعيد الموقف ومواصلة الحرب ضد الفلسطينيين، ولن يتحقق الأمن في قطاع غزة الا بالشروع في اتخاذ كافة التدابير التي يجب أن تصب في رافد السلام المشروع للفلسطينيين، باقامة دولتهم المستقلة على أرضهم كطريق أخير ومأمون لنزع فتائل الصراع في المنطقة، والوصول الى السلام الحقيقي المنشود باقامة مشروع الدولتين الذي نادت به كافة دول العالم، ونادت به المنظمات الدولية، ونادت به الولاياتالمتحدةالأمريكية أيضا. ولا شك أن استمرارية اسرائيل في تصعيد عدوانها الغاشم على قطاع غزة سوف يزيد الطين بلة، ويؤدي الى تصاعد العنف في منطقة هي أحوج ما تكون الى السلام والأمن والاستقرار، ولن تهدأ الأحوال الا عبر مفاوضات جادة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، يتم بمقتضاه الوصول الى اقامة مشروع الدولتين والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة، وبدون ذلك فان اسرائيل لن تتمكن من تحقيق أهدافها العدوانية ضد شعب، سوف يقوم بطبيعة الحال بالدفاع عن نفسه في ظل الاعتداءات الغاشمة التي لن تؤدي الا لتأجيج الصراع في المنطقة واطالة أمده.