جاء بيان الديوان الملكي الصادر مع ساعات الفجر الأولى ليوم الجمعة الماضي مؤلماً صادماً لقلوب الملايين من أبناء هذا الوطن الذين أجمعوا على حب عبدالله بن عبدالعزيز ذلك الرجل الذي نذر نفسه لخدمة دينه ووطنه وأمته، صدمة لم تكن اعتراضاً على قضاء الله وقدره بقدر ما كانت مشاعر إنسانية (طبيعية) تعكس وقع المصاب الجلل على نفوسنا كمواطنين أحببنا ذلك الملك الإنسان وأحببنا تفانيه وإخلاصه وصدقه. لم يكن عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- مجرد ملك يبادل شعبه الحب كما يبادلونه، بل كان بالإضافة إلى ذلك رجل دولة محنكا سخر حكمته وخبرته للنهوض بوطنه والتحليق به في فضاءات التقدم والازدهار، فصنع من المملكة العربية السعودية دولة يشار إليها بالبنان، ودعم شبابها ورجالها ونساءها وراهن -رحمه الله- على الإنسان القاعدة الصلبة للبناء والتنمية، ولو لم يكن له سوى إحياء مشروع الابتعاث الذي استفاد منه مئات الآلاف من أبناء وبنات هذه البلاد وبدأ الوطن يجني ثماره لكفاه . وبرنامج الملك عبدالله للابتعاث هو جزء من رؤية الراحل الكبير ودعمه للشباب، فقد راهن على شباب الوطن ركيزةً أساسيةً في تطور المجتمع وتقدمه، فتضاعف في عهده عدد الجامعات ومراكز البحث العلمي، وافتتحت في عهده جامعة "كاوست"، وهي واحدة من أكبر منارات العلم والبحث العلمي في العالم، وستمثل نواة للتطور التقني والتكنولوجي. وبالإضافة إلى برنامج الابتعاث فلن ينسى التاريخ للملك عبدالله -غفر الله له- خطواته الإصلاحية الرائدة المتمثلة في إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ودعمه وتبني مقترحاته، كما سارع -رحمه الله- إلى تنظيم مرافق الدولة، فكان تشكيل هيئة البيعة حدثاً تاريخياً في مسيرة الدولة السعودية الثالثة، بالإضافة إلى تشكيل هيئات حكومية ذات صلاحية واسعة مثل هيئة مكافحة الفقر وهيئة مكافحة الفساد وغيرهما من المؤسسات والهيئات التي استحدثت لخدمة الوطن والمواطن. وفي عهده –غفر الله له– تبنت الحكومة دعم المرأة السعودية وتمكينها في شتى المجالات، فوصلت إلى مجلس الشورى، وشكل وجود المرأة في المجلس بثلاثين مقعداً عرفاناً منه – رحمه الله- بدورها الرئيس في بناء المجتمع وصناعة القرار والمشاركة في الحراك الوطني التنموي، وهو ما ظهر جلياً في قرارات لاحقة لهذا القرار، ومن أهمها قرار السماح للسيدات السعوديات بالترشح والانتخاب في المجالس البلدية. كل ما تقدم جزء من إنجازات الراحل الكبير وخطواته الإصلاحية الرائدة على المستوى المحلي، التي يستحيل حصرها في مساحة ضيقة كهذه، ناهيك عن دوره العربي والإقليمي والدولي، إذ حظي -رحمه الله- بإجماع عربي وعالمي جعله واحداً من أعظم القادة على مستوى العالم، لما عُرف عنه من الحكمة والفطنة والسياسة الرشيدة. واليوم ونحن نودع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بحزن بالغ لا نملك إلا الدعاء بأن يتغمده الله بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، ويجزيه خير الجزاء نظير ما قدمه لوطنه وأمته، كما ندعوه جل وعلا أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي العهد لما فيه خير البلاد والعباد.