لا أحد يحب الفساد، أو يعشق صناعة مناخه غير الفاسدين، ويتصور الناس الطيبون -إما زهقا أو مللا- أن الفساد في العالم ينحسر وأن الإصلاح الذي يطارده على وشك الانتصار إلا أن التقارير العلمية الناتجة عن دراسات حقيقية لحياة المجتمعات تؤكد أن الفساد يزداد انتشاراً رغم كل محاولات مقاومته في كل مكان سواء على المستويات المحلية أم دوليا وأن موجات الفساد المتتالية التي تتوجه الآن بكثافة أكبر إلى دوائر صنع القرار تمثل كارثة أخلاقية سوف يدفع ثمنها أولئك الذين لا يملكون صناعة القرار من الخاضعين لكل القرارات القادمة إليهم من أعلى، حيث لا يملكون سوى الطاعة إلا من رحم ربي! وبالمتابعة نستطيع أن نعرف -أو أن نتخيل- وجود «قوى مجهولة» تدفع إلى الفساد وتغري به ضمن نفوذ هائل يزين للناس الذين يحملون جينات الفساد بأن ترف الحياة بصرف النظر عن مصادر تمويل ذلك الترف أولى بالاهتمام ضمن مفهوم بأن الإنسان «يحيا حياة واحدة» لا يعلم أحد متى تنتهي ومن ثم فإن عليهم -تلك النوعية من البشر- أن يستمتعوا بتلك الحياة ضمن مفهوم قاصر النظر يقول: «احييني النهاردة وموتني بكرة»، ناسين تماماً أن «بكرة هذا» قد يكون هو يوم الحساب الذي لا مهرب منه، والذي لا يقبل شرحا ولا تأويلا اكتفاء بشهادة الجوارح عما فعلت! ولأن الحياة غالبا ما تكون بالغة الصعوبة لو استسلمنا لمفهوم انتشار الفساد، لذا فإن الشر لا يعيش أصلاً بمنأى عن صراع دائم مع الخير الذي غالباً -في نهاية الأمر- ما يكون هو المنتصر طبقا لنص قرآني يتحدث عن أن كل نفس بها «فجورها وتقواها» أي أن «الفجور والتقوى» يتصارعان داخل كل نفس بشرية منذ الميلاد وحتى الأبد، فإذا ما انتصر الفجور داخل الإنسان فإن المصير معروف، وإذا انتصرت «التقوى» فإن المصير كذلك معروف، والفيصل في ذلك كتاب به كل التفاصيل -بالغة الدقة- يحمله كل منا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها!