لقد حقق المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم إصلاح عرفته الدنيا، فاجتث الفساد من أصوله، واقتلع الطغيان من جذوره، ومحق الباطل ودمر كيانه، وقضى على الآثام والشبهات، وتتبع العقائد الفاسدة، والأوهام التي كانت تستبدُّ بعقول الناس، وتدفعهم إلى مزيد من القلق والشقاء.. فالإصلاح الذي ينشده الإسلام، والذي وضع أسسه رسول الإسلام إصلاح يقوم على تهذيب الأرواح، وتزكية النفوس، وتحرير العقول من العبودية لغير الله جل وعلا، وتتميم مكارم الأخلاق... قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق). عمل أولاً على تعهد الفرد الصالح، وتربى على يديه رجالٌ قلائل، كانوا طلائع هذه الأمة، وبناة مجدها، تربى على يدي هذا النبي الكريم، رجالٌ كان كل واحد منهم أمة لوحده، فقام في الحروب مقام جيش وفي العلوم مقام جامعة، كانوا متآخين، متعاونين على البر والتقوى، متحدي الأهداف والغايات، معتصمين بحبل ربهم، قلوبهم متآلفة، صدورهم متصافية، كلمتهم مجتمعة، التراحم قائم، والتسامح موجود، وحب الخير يملأ كل قلب ونفس، فنشروا الإصلاح في آفاق الأرض بعد أن قهروا الجبابرة، وأسقطوا دول الكفر... ثم حَمَل لواء الدعوة والإصلاح علماء الإسلام ورجالاته من الصادقين المخلصين، وأولي العلم الراسخين، وانطلقوا في رحاب الديار الإسلامية ينشرون العلم والهداية، ويُرشدون إلى الطريق المستقيم، وينفون عن الحياة كل خبث، وعن الدين كل انتحال وتحريف.. حمل أمانة العلم والإصلاح ربانيون أناروا البصائر والقلوب، وأصلحوا الفساد والبيوت، وردوا الجائحين والشاردين.. وبذلك تبوأت أمتنا أعلى مراتب العز والشرف، وكانت لها السيادة، على شعوب الأرض قاطبة، فأقامت موازين القسط والعدالة، والمساواة بين الناس ونشرت في ربوع الدنيا رسالة الإسلام، ومبادئ القرآن.. من عقيدة صافية، وشريعة سمحة، وأخلاق فاضلة. إن أخلاق المجتمع أساس قوته، ومناط هيبته وكرامته، والعمل على الحفاظ على هذه الأخلاقيات، ومنع أي سبب لإضعافها واجب كل مسلم... بل لا بد من حشد الطاقات، وتسخير الإمكانيات ضد كل من يتربص بأخلاق المجتمع سوءاً .. ذلك أن الفساد أخبث نبتة وأشأمها، تنبتُ في كيان المجتمع، وتغتال أية رقعة من أرضه، والمفسدون هم أخبث داء وأقتله، إذا تسلطوا على مجتمع، وأوجدوا لأنفسهم مكاناً فيه. وإنَّ مما يثلج الصدر، ويفرح القلب، ويسرُّ الخاطر، ما سنّه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض من سنة حسنة تتمثل بعقد لواء مبارك مهمته مداهمة أوكار فاسدة، وملاحقة فئة مفسدة من بعض العمالة الوافدة، وليس هذا بمستغرب على سموه فإصلاحاته الخيرة سالفة، وأعماله الطيبة مشرقة. إن هذا اللواء المبارك والذي تشرف عليه الإمارة، وتحمله وتمسك به شرطة منطقة الرياض، وينضوي تحته جهات حكومية كهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدوريات الأمنية، وقوات الطوارئ الخاصة، والجوزات، والمخدرات، ونحوها، سنّة حسنة، وبادرة طيبة شعَّ نورها، وبان فضلها، وأثمر سعيها... حيث تم القضاء بفضل الله ثم بفضله على فساد كبير، وخراب عريض كان يشكل كابوساً مخيفاً على أخلاقيات المجتمع، وعلى فضائله وعفته وطهارته، ثم القضاء بفضل الله ثم بفضله على تجمعات شاذة لعمالة وافدة تمارس شتى أنواع الفساد، وجميع مظاهر الخراب، فالا تسأل عن دور الخنا، ومصانع الخمر وبيع المخدرات، أشرطة خليعة، وصور وضيعة، سحرٌ وشعوذة، ودجل وكهانة.. وخذ من هذه القائمة السيئة التي يندى لها الجبين، ويتكدر لها الخاطر، إنه ما أن يقوم هؤلاء الجنود البواسل ورجال الهيئة الأكارم من أحداث القبض على فئة فاسدة، إلا ويتبعها قبض على فئة لا تقل عن سابقتها إن لم تكن أخبث وأخزى... حتى غدت تلك الأحياء العمالية كما قال القائل: إذا قمتُ من ذئب عثرت بحية طريقي منايا كُلهُّ وسموم إن هذه العمالة الوافدة، والفئات الفاسدة التي قُبض عليها وما عُثر لديها من جميع صور الفساد، وشتى أنواع الخراب ليدلُّ على الانحراف الحقيقي، البعيد كل البعد عن عادات البلد وتقاليده، وأخلاقياته وهديه ونهجه الذي رسمه الله جلَّ وعلا لعباده... وكأنَّ هذه العمالة الوافدة قد أخذت على نفسها العهد والميثاق على إفساد المجتمع، والزج بأفراده في هوة سحيقة ليس لها منتهى ولا قعر... فهي بحق مستنقعات قذرة يسَّر الله لها وهيأ يداً من الحق حاصدة قطعت شرورها، وقلعت جذورها وصدق الحق: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} وصدق الحق: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}. إن هذه المظاهر السيئة والتي خبت نارها، وانخسأ أهلها بمثابة لهيب نار يهلك الأخلاق، ويفسد الحياء، وينشر البغي، ويؤجج الفساد... فنحن لا ينقصنا غزو خارجي قصده تشكيكنا بعقيدتنا، وتدمير أخلاقنا، وتمزيق حيائنا.. ثم لا نلبث أن ينبري لنا هؤلاء الطغام من الداخل ليقيموا حلفاً شيطانياً مع عدونا الخارجي فيلتقوا على هدف واحد وهو أن نميل عن الجادة وصدق الله جلَّ وعلا: {ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً}. إن ما أنتجته هذه الحملة الطيبة، والمداهمات المباركة من قبض على عمالة وافدة تزاول الفساد وأين؟ في بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومنبع الرسالة، ومصدر إشعاع الخير للناس... يوجب علينا أن ننظر في مسألة الاستقدام نظرة تأمل وتأن، فلا نُقدم على مسألة الاستقدام إلا حال الضرورة القصوى، والحاجة الملحة... فلماذا نسعى لهز اقتصادنا، وتخريب مجتمعنا، وإفساد أحيائنا بأيدينا ودراهمنا؟ وإلى متى ننغمر في لُجة هذا الأمر دون التفكير بعواقبه السيئة، ونتائجه المرة؟ لا بد أن نكون أوسع عقلاً، وأحكم رأياً، وأبعد نظراً، وأن نغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فبعض الناس وللأسف صار استقدام العمالة لديه عادة لا بد من اقترافها فهو يستقدم العشرات دونما حاجة تذكر بل إذا وطئت أقدامُهم أرض بلادنا أطلق لهم العنان، وتركهم بلا خطام فلا يدري أيصلحون أم يفسدون بل معرفته تنصب فحسب على تلك الضريبة الشهرية التي فرضها على كل واحد منهم، وهذا لا شك أنه ضرب من ضروب الفساد في الأرض، وفاعله شريك في تلك المظاهر المؤسفة، بل سبب رئيس في حصولها وعليه فلا بد أن يناله من عقاب المفسدين نصيب، لأن فعله مخالفة للشرع، وخرق لأوامر الدولة .. بل ذلك يدفع العمالة لتوفير المال بأي أسلوب يتيسر، وأي طريقة تتهيأ.. لما لا نكتفي عن الاستقدام بأبنائنا قدر الإمكان فنفتح لهم مجالات العمل، ونهيئ لهم ميادين المهن، لنتخلص من شر أولئك قدر الإمكان، ونخلص المجتمع من عقدة النظر لبعض الحرف الشريفة نظرة دونية، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الأولين والآخرين رعى الغنم على قراريط لأهل مكة، بل أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ما من نبي إلا وقد رعى الغنم؟ لما لا نضع نصب أعين أبنائنا أن عمرهم عبارة عن مراحل يقطعونها وأن أخذهم المال وإن قلَّ مقابل مهنة شريفة، وبعد عرق الجبين خيرٌ لهم من أن يكونوا عالة على الآخرين؟ فإذا ما فعلنا فسنرى المجتمع بعد سنوات إن شاء الله تعالى وجميع أفراده يعملون دونما حاجة للغير إلا إن دعت حاجة قصوى، وضرورة ملحة. إن ما يدعوني لمثل هذا الكلام: أسباب كثيرة: فانظروا على سبيل المثال للمفارقة العجيبة، والمجازاة اللئيمة، من قبل هذه العمالة الوافدة، جاءوا لبلادنا فلما استرزقوا من أهلها، فشبعوا بعد الجوع، وارتووا بعد الظمأ، واغتنوا بعد الفقر، نراهم يكفرون النعمة، فيفسدون في بلاد الفضيلة، ويخربون في ديار العفة... لقد أُزكمت أنوفهم من هوائنا النقي، وانحشرت صدورهم بنسيمنا العليل، ولا غرابة فغالبهم قدم من بلاد الوازع الديني فيها ضعيف، والجانب الخُلقي رديء، فبعضهم مردوا على الفساد، وشبوا عليه، رضعوا أخلاقه السيئة، وشموا نتنه وهم صغار، حتى مرنوا عليه، وخف عليهم محملهم، إذ شب معهم، وصار بعضاً منهم، أشبه بالجارحة من جوارحهم.. لقد تعاطوا كؤوسه مترعة، شربوها عللاً بعد نهل، فلا يهدأ لهم بال، ولا يرتاح لهم خاطر، حتى يشرب الآخرون من مشربهم القذر، ويردوا على موردهم النتن، وبالتالي يكونون سواء... إن الفاسد إذا فسد يقوم في كيانه شعورٌ آخر، يواجه به شعور الانفراد في الفساد، هذا الشعور الاخر هو الرغبة في أن يرى الناس جميعاً من حوله، صورة منه، فلا يُلقون أنظارهم إليه، ولا يلتفت هو إليهم، ولا يحاولُ أن يستر فعلته عنهم، إذ كانوا جميعاً على شاكلته، فالفاسد بين المفسدين لا يستحي أن يكشف عن فساده، ومن هنا كان المفسدون يسعون دائماً إلى إفساد المؤمنين، وإضلال المسلمين وإغوائهم، وتزيين الفساد لهم، وتحبيب المنكر إليهم، ليكونوا معهم في هذا البلاء، وليقتسموا هذه المحنة التي يعيشون بين المجتمع فيها، إنهم يفعلون ذلك ليؤنسوا وحشتهم، حتى إذا امتلأت الأرض فساداً كان لهم أن يسرحوا ويمرحوا كيف يشاؤون. إن كل فرد في هذه البلاد مسؤول عن الإصلاح فيها محاسب على تقصيره في ذلك كل حسب حاله وقدرته بالضوابط الشرعية والآداب المرعية، وتعظم المسؤولية كلما كان الإنسان على ذلك أقدر.. فمن خوله الشرع التغيير باليد، والأخذ بالقوة كالحكام والأمراء ومن ينيبونه عنهم فيتوجب عليه والحالة هذه الأخذ بنواصي المفسدين وأقدامهم أخذاً عزيزاً متمكناً لا يدع لأحدهم فرصة أن يلهج بالفساد، أو أن يتحرك للإفساد.. إن هذا اللواء المبارك الذي رفع هذه الأيام، هو راية إصلاح حقق الله به مصالح كثيرة، ودرء به مفاسد عظيمة، وإنه يجب على كل منا أن يشدَّ على عضد حامله، ومؤازرة رافعه وتأييد من انضوى تحته... كيف لا وهو لواء رفع لإصلاح مافسد، وتقويم ما اعوج وهذا والله هو عينُ الاحتساب، وصميم الإصلاح. ... والسؤال المهم: ما الذي أوصل هذه العمالة الفاسدة لهذا المستوى، وهيأ لها ذلك الجو: ولعلي لا أنفرد بذلك فهناك أهل خبرة واختصاص علّهم يدلوا بدلوهم، ويسهموا برأيهم: قياماً بالمسؤولية، وحفاظاً على الدين والأخلاق والحياء، وحماية للمجتمع والوطن عن ضلال المضلين، وفساد المفسدين: فبأيدي المخلصين بعد الله تحلُ المشكلات، وبإخلاصهم بعد الله تبنى الفضائل وتشاد الأمجاد، وبحرصهم بعد الله تحيا الفضيلة، وتخبو الرذيلة، بهممهم بعد الله تصح الأجسام، وتسلم العقول، ويسعد الأفراد والجماعات... وبسعيهم المتواصل بعد الله يُحفظ الإسلام، وتُحفظ الأخلاق، وتسلم البلاد والعباد من أهل الفساد. وحيث دعوتكم لمؤازرته فلا أختم هذا المقال حتى أدلي بدلوي، وأسهم بقولي، فأقول: هبَّ للحق أسودٌ همّهم نصر الشريعة ضدَّ قوم لهم في الشرِّ أفعال مريعة أحكموا قبضتهم كالأسد تنهد سريعة جعلوا حلم ذوي الشرِّ سراباً وسط قيعة حين ظنَّوا الرزق في نسخ أفلام خليعة أو خمور أو فساد واقتراف للشنيعة أو تعاطي السحر باسم الطب زوراً وخديعة أو بحقن السُّمِّ والهروين للنفس الوديعة أو بسرق المال باسم الفقر أو أي ذريعة أو بإحياء ليال تجمع الشرَّ جميعه كأس سُكر وسط عُهْر ولكيعاً ولكيعة كم من البؤس نشرتم والمآسي والقطيعة كم من الجُهد بذلتم وسعيتم بالوقيعة كم فتى صار أسيراً للردى ثم صريعه بعد أن كان يراكم سبعاً في وسط ضيّعة ويرى فيكم دعاة للملذات الوضيعة كم فتى مات ولم يكمل من العمر ربيعه مات بالإدمان لما ضاقت الأرض الوسيعة ترك الدين جميعه رغبة في كسب بيعة يا أسود الحقُّ هبُّوا أنتم للدين شيعة يا رجال الأمن والهيئات والحُصُن المنيعة أنتم والله ملحُ الأرض بل لون الطبيعة كافحوا حتى تظل الناس للمولى مطيعة إنَّ كبت الشرِّ حجْبٌ لعقوبات فظيعة واصلوا تطهير أرض الله من كل رقيعة واصلوا الحملات واختطوا لنا قصصاً بديعة ليتني كنت مع القوم على رأس الطليعة كي أنال الفضل حقاً والمقامات الرفيعة فاز ذو الغيرة دوماً شكر الله صنيعه *وكيل كلية الدعوة والإعلام لدورات المبتعثين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية