فيما تستمر فصول وتداعيات الربيع العربي في عدد من الدول العربية، تقدم مسرحية “الآن فهمتكم” التي تعرض في عمان حالياً، قضايا ومشاكل المجتمع الأردني خصوصاً والعربي عموماً بأسلوب كوميدي ساخر. ويروي هذا العمل المسرحي الذي اقتبس عبارة الرئيس التونسي المخلوع زيد العابدين بن علي المشهورة “أنا فهمتكم”، الثورات العربية ورغبات الشعوب العربية المكبوتة بالتخلص من أنظمتها المستبدة، وحالة المواطن العربي الذي استيقظ على ربيع اخضر انكسرت فيه كل حواجز الخوف. وتروي المسرحية بكوميديا سوداء حالة المواطن الأردني “أبو صقر” الذي يجسد شخصيته موسى حجازين، ذلك الأب المستبد والمتسلط في بيته والذي يهضم حقوق أبنائه الأربعة وزوجته ويصم آذانه عن مطالبهم، حاله حال بعض الأنظمة العربية المستبدة. وتبدأ أحداث المسرحية من داخل منزل هذا الموظف في السلك الحكومي، الأسمر الممتلىء قصير القامة ذو الشارب الكثيف الذي يعتمر كوفية حمراء ويرتدي تحت سترته ملابس خاكية ويضع تحت خصره خنجراً، ولكنه يعمل “تحت إبط الحكومة”، كما يقول. كل شيء ممنوع في هذا المنزل ابتداء من القنوات الفضائية لأنها تغطي التظاهرات وتعلم معنى “الكرامة والحرية” وانتهاء بالكلام بصوت عال لأنه لا صوت يعلو على صوت أبو صقر. لكن أبو صقر، لم يتوان عن تفجير ما يعانيه من سخط إزاء الحكومة، بحيث ما أن يلتقي شقيقه العائد من المهجر حتى يبدأ بتوجيه انتقادات لاذعة جريئة فلم يسلم من لسانه أي موضوع لا الخصخصة ولا الاستثمار ولا عملية الإصلاح ولا الحوار ولا تشكيل الحكومات ولا حتى مسعى الأردن بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي أو إنشاء مفاعل نووي ولا الفساد ولا أي شيء ممكن ان يخطر على بال المواطن الاردني البسيط. ويحفل النص في إبعاده الاجتماعية والسياسية، باللعب على الكلام والتلميحات السياسية الجرئية. وتتخلل المسرحية مشاهد أخرى كوميدية عن طريقة تشكيل الحكومات، وأسلوب “الترضية” المتبع في تسليم الحقائب الوزارية، التي سيطر عليها في فترة من الزمن أشخاص لم يقدموا منجزا للوطن والمواطن. كما تتطرق المسرحية وهي من أخراج محمد الضمور وأمدها ساعتان وتعرض على مسرح راما في العبدلي وسط عمان، إلى ممارسات “البلطجية” ضد الحراك الشعبي المطالب في الإصلاح بطريقة ساخرة ومحزنة في آن معا، يختلط فيها الضحك مع البكاء. وتقررعائلة أبوصقر، المنتشية بالثورات العربية، في آخر المطاف، السعي لتحقيق مطالبها ومطالبة الأب بالرحيل، وتنضم الزوجة إلى الثورة التي تسعى للإطاحة به من المنزل المتواضع الذي علقت على حيطانه أسلحة قديمة وسياط في إشارة واضحة إلى تسلط الأب. ورغم توسلاته وقراراته المثيرة للسخرية التي جاءت متأخرة بأنه “لن يترشح لمنصب زلمة الدار” وأنه “لا رئاسة مدى الحياة” وأنه سيسمح ب”ترشح الشباب”، إلا أنه لا يلقى آذانا صاغية. ويقول لهم “وين بدي أروح عشرم الشيخ أو لجدة؟” في إشارة إلى الرئيسين المخلوعين المصري حسني مبارك والتونسي بن علي. ويظهر أبو صقر في نهاية المسرحية وحيدا بملابسه الداخلية حاملا على ظهره صورة ضخمة له مع ما تبقى له من متاع بعد زوال سلطته واستنفاد حقه في التغيير مرددا العبارة الشهيرة “ألآن فهمتكم”. ويقول موسى حجازين بطل المسرحية الذي يعود للوقوف على خشبة المسرح بعد غياب دام خمس سنوات لوكالة «فرانس برس» أن “هذا العمل الجريء هو رسالة نوجهها لكل مسؤول وصاحب قرار وسلطة في العالم العربي بأنه يجب ان يراعي ابناء شعبه قبل فوات الاوان”. وأضاف حجازين الذي غنى في مقطعين عن الوطن والوضع العربي القائم ووحدة العرب ان “على المسؤول ان يسمع ابناء شعبه ويعيش معهم ويشعر بهم ويحاول سماع اوجاعهم وانه يجب ان تسود علاقة التفاهم والود والاحترام والشفافية بين الجانبين محل التصلب والتسلط والاحتقان”. ويتفق الفنان معتصم قمحاوي مع ما ذهب اليه حجازين، ويقول ان “هذه المسرحية هي احسن تقرير يمكن ان يصل للمسؤولين تدعوهم الى الاهتمام بهذا البلد الذي هو بيتنا الكبير”. من جهته، أكد مؤلف المسرحية الكاتب الأردني الساخر أحمد حسن الزعبي لوكالة فرانس برس ان “هذه المسرحية هي رسالة انه يجب الاتعاظ مما حدث بالأنظمة العربية الأخرى ويجب أن تتغير ويجب الاستماع والاقتراب اكثر من ابناء الشعب ايا كان الشخص، اذا كان مديرا او صاحب شركة لموظفيه أو إذا كان حاكما لشعبه يجب الاستماع لمطالبهم قبل أن تكبر”. وأوضح أن “المسرحية جسدت النظام العربي بأسرة كانت مطالبها بالبداية بسيطة، لكن الأب تجاهلها كثيرا، فكبرت شيئا فشيئا فلم يعد قادرا على تحقيقها في النهاية”. وأضاف أن “المسرحية تحكي عن 300 مليون عربي خرجوا الى الشوارع من رصيف التهميش الذي تمارسه الحكومات على شعوبها”.وأشار إلى انه لم يتردد في كتابتها لأنه “مهما كنا جريئين فلن نكون اكثر جرأة من الشارع، الذي سبقنا بعشرات الدرجات، إذا كان هناك مقياس للجرأة”. وخلص الزعبي إلى أن “المسرحية تعبير عن حس مواطن عربي موجوع لا يزايد على وطنيته، كل همه أنه خائف على وطنه”. أ ف ب | عمان