في شهر رمضان، يتواصل جمهور المسرح مع فنّه في أمسيات تتسم بالحميمية، مثل الفرجة المسرحية «طاسة وضايعة»، التي تقدّمها كلَّ ليلة في فندق «إنتركونتننتال» في عمّان، فرقة المسرح الكوميدي السياسي «همبكات»، ويخرجها خالد الطريفي. وهي فرجة تستمر عروضها حتى انتهاء شهر رمضان، وتكشف رؤية سياسية واجتماعية. افتقرت لوحات الفرجة ومشاهدها إلى الترابط ضمن تسلسل متنامٍ للفعل في مبنى المسرحية، لكنها اشتركت في رابط واحد، تتجمع خيوطه في المعنى العام. وتُظهر رسائل الفرجة أن هناك حلقة مفقودة في العلاقة بين المواطن والسلطة التنفيذية، على رغم النوايا الطيبة المعلَنة من قِبَل هذه السلطة. المسرحية، التي ألّفها وكتب السيناريو والحوار لها تامر بشتو، استُهلت بالإشارة الرمزية إلى ثورات الربيع العربي، من خلال الأغاني التي شكلت محمولاً رئيساً في إيصال مرامي العمل الذي لم يَخْلُ من كوميديا ساخرة. وذلك عبر اللوحات الغنائية الراقصة، التي جسدت شخصية الرئيس الليبي معمر القذافي وهو يقول: «(...) مرة ثانية في أميركا وبريطانيا»، والرئيس اليمني علي عبدالله صالح: «فاتكم القطار...»، إضافة إلى مواقف ومفارقات انطبقت على الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، والرئيس المصري السابق حسني مبارك. وعلى الصعيد المحلّي، طرحَ العملُ مشاهد انطوت على مفارقاتٍ، مثل التناقض بين توجيهات مدير الأمن العام حسين المجالي بالتعامل «الناعم» مع المعتصمين، وما حدث على أرض الواقع من تعامل «خشن»، في أثناء حركة الاحتجاجات الأخيرة في عمّان. «دار عجزة» ويحيل المشهدُ الرمزي ل«الدشداش» الضخم، المسدَل على معظم حيز المسرح، والذي يدخل فيه مواطن أردني ويخرج منه صفرَ اليدين، إلى الشكوك من جدوى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. وثمة مشهد يجسّد رئيسَ لجنة الحوار الوطني طاهر المصري وهو يصرّح، وفق ما جاء في آخر اللوحة الخاصة به في متن المسرحية: «أنا لا أعرف شيئاً». وقُدّمتْ لوحةٌ تناولت «دارَ عَجَزة» في الدور الرابع، أظهر سياق الأحداث الدرامية وأنها مبنى رئاسة الوزراء، إذ تلجأ إليها مواطنة وزوجها يمثّلان معاناة المواطن من انتظارٍ في الطوابير، وبطء الاستجابة لمطالبهم من قِبَل المؤسسات الرسمية، وعدم تيسير معاملاتهم من قِبَل الدوائر الحكومية. وقد بدت هذه اللوحة بلاغيةً من حيث تعبيرها عن طبيعة العلاقة بين المواطن والسلطة التنفيذية، التي تسرف في الوعود، وتُكثر من تشكيل اللجان، من دون أن يحقق ذلك أية نتائج ترتجى على أرض الواقع، بحسب حوارات تلك المواطنة وزوجها. وهناك مشهدٌ يتناول زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون، وزيرَ الخارجية الأردني ناصر جودة في أحد المستشفيات، بعد حادثة كُسرت فيها يده. ويتضمن المشهد مفارقات ساخرة عن الأوضاع السياسية في الأقطار العربية، بفعل تدخل شخصيات صحافية، تثير تساؤلات، عن إسرائيل واتفاقيات السلام وإيران والثورات العربية، لكن الجميع يخرجون من هذا المشهد بعدم معرفتهم شيئاً مما يجري من أحداث في المنطقة! ختام المَشاهد، التي صمم الشخصيات والماكياج فيها ناصر خرما ووضع الألحان والموسيقى لها أحمد رامي وأدار إنتاجها محمود حسن، تجسيدُ الممثل «تامر بشتو» شخصيةَ الملك عبدالله الثاني وهو يتقمص رجلاً كهلاً، ليتابع أحوال المواطنين متخفّياً، ضمن جولة في عدد من الدوائر الحكومية. إذ كشف هذا المشهد عن وجود تسيّب كبير في الإدارة الحكومية، إضافة إلى شيوع الواسطة والمحسوبية، على حساب مصالح المواطنين، خصوصاً أولئك المنتمين إلى الشرائح الفقيرة.br / بعد تفكيك أحداث المسرحية وتحليلها، يَظهر أن هناك رؤية على المستوى الدرامي قريبة من التضامن مع الجهود الرسمية في معالجة الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية. وتقف هذه الرؤية من جهة أخرى مع المواطن المعتصم الذي يشكو عدم تصريف معاملاته في الدوائر الحكومية، وغبناً في حقوقه التي كفلها الدستور، بسبب الفساد. نهض ببطولة المسرحية باقتدار كبير، كلٌّ من: تامر بشتو، فيصل المجالي، مي الدايم، أحلام عبدالله، جلال رشدي، بمشاركة ضيفة الشرف ناريمان عبدالكريم. وأخيراً، يبدو أن هذا النمط من المسرح، الذي ينشط خلال آب (أغسطس) من كل عام، قد تكرّس في الحراك المسرحي في الأردن، واستطاع إيجاد شريحة من المقبلين على تذاكره التي يبلغ سعر الواحدة منها 25 ديناراً (35 دولاراً)، وهي في مستطاعِ من تبقّى من أبناء الطبقة الوسطى.