في ديسمبر 2004، نشرت مجلة (فرونت بيج)، وهي واحدة من أكثر المطبوعات المعادية للإسلام والمسلمين تطرفاً وكراهية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، مقالاً كتبه ضابط إسرائيلي متمرس غير مشهور كثيراً اسمه نير بومز. في ذلك المقال، اتّهم هذا الضابط المملكة العربية السعودية بأنها تقف وراء فتوى أصدرها في ذلك الوقت أربعة علماء سعوديين، ودعوا فيها إلى الجهاد ضد القوات الأمريكية في العراق. ناهيك عن أن سفيرين سعوديين بارزين في تلك الفترة، الأمير تركي الفيصل في لندن والأمير بندر بن سلطان في واشنطن، قاما مباشرة بإدانة الفتوى، وأعلنا عدم علاقة الحكومة السعودية بالعبارات الاستفزازية التي حوتها هذه الفتوى. بالنسبة لبومز، بوقاحة قال: المملكة متورطة في حرب مباشرة ضد أمريكا! منذ ذلك التشويه للسمعة عام 2004، وجه بومز سلسلة متواصلة من الهجمات على المملكة. هجوم بومز ضد أي شيء له علاقة بالمملكة ظهر في صفحات المجلة التي رئيس تحريرها، ديفيد هوروفيتز، هو أحد أكثر المتطرفين كراهية للإسلام في أمريكا اليوم. ومن المثير للسخرية أنه، في الوقت نفسه الذي كتب فيه بومز المقال الذي نشر على الصفحة الأولى، كان أيضاً يتبنى فكرة أن الأغلبية الشيعة في العراق سوف تحقق إصلاحات وتقدماً ملحوظاً في العراق، وذلك بعد نجاح أمريكا في الإطاحة بنظام صدام حسين. جاء بومز إلى أمريكا للمرة الأولى في تسعينيات القرن العشرين، بعد أن خدم في الجيش الإسرائيلي كضابط اتصالات. وهو لايزال يتمتع برتبة نقيب في جيش الاحتياط الإسرائيلي. في واشنطن، خدم بومز كضابط اتصالات في السفارة الإسرائيلية، وكان يلقي محاضرات لجمهور أمريكي حول شؤون الشرق الأوسط وإسرائيل. باختصار، كان يقوم بأعمال الدعاية للدولة الصهيونية، وذلك خلال المرحلة الأولى من رئاسة وزارة بنيامين نتنياهو للحكومة الإسرائيلية. تغيرت مهمة بومز في بداية عام 2001، مع بداية الانتفاضة الثانية. ترك رسمياً الخدمة في الحكومة الإسرائيلية وأسس منظمة «الحقيقة» الإسرائيلية، التي هدفها الرئيس كان مواجهة التأييد المتزايد للقضية الفلسطينية بين طلاب الجامعات في أمريكا والشباب بشكل عام. كانت منظمة «الحقيقة» مشروعاً مشتركاً بين وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية وتجمع صهيوني غير معروف في أمريكا اسمه «مجموعة ميجا»، وهي عبارة عن خليط من أكثر الصهاينة ثراء في أمريكا وكندا. وهم يلتقون رسمياً مرتين في السنة لينسقوا نشاطاتهم «الخيرية» لتحقيق الفائدة الأكبر لإسرائيل. من بين أبرز الشخصيات في مجموعة ميجا جروب كل من إدجار وتشارلز برونفمان، أصحاب إمبراطورية سيجرام للويسكي؛ مايكل ستينهارت، مضارب ثري في وول ستريت؛ ليون أبرامسون، مؤسس الرعاية الصحية في الولاياتالمتحدة؛ ولين شوسترمان، أرملة مستثمر نفطي ثري جداً من أوكلاهوما. وقد تمكن أعضاء مجموعة ميجا جروب، الذين يبلغ عددهم 27 عضواً، من جمع الأموال اللازمة لإطلاق منظمة «الحقيقة». عندما تم تقديم أوراق التأسيس في مدينة نيويورك في مايو 2001، وضعت أسماء إدجار برونفمان، مايكل ستينهارت، و ليونارد أبرامسون على أنهم المديرون الوحيدون للمنظمة. كان بومز هو المدير التنفيذي وكليفورد المدير المشارك. كان ماي مدير الاتصالات في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، إلى أن انضم إلى بومز وشركاه لإطلاق المدير جبهة الإعلام الدعائية. مشروع منظمة «الحقيقة»، واسمها بالعبرية (إيميت)، الذي موّلته مبدئياً وزارة الخارجية في إسرائيل إلى أن سيطرت عليه مجموعة ميجا جروب بشكل مباشر، تعرض لعملية إصلاح رئيسية بعد هجمات 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمي والبنتاجون. تغير اسم مجموعة «الحقيقة» إلى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وظهرت مباشرة مع مجلس إدارة ومستشارين موسع تم انتقاؤهم من أبرز دوائر المحافظين الجدد في واشنطن. عضو الكونجرس السابق جاك كيمب والسفيرة السابقة في الأممالمتحدة جين كيرباتريك أصبحا رئيسين مشتركين للمؤسسة. ريتشارد بيرل، ويليام كريستول، جيمس ووسلي، السيناتور جو ليبرمان، النائب إريك كانتور، والصهيوني المسيحي جاري باور، جميعهم كانوا مؤيدين بارزين لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. بوجود مجموعة من مشاهير المحافظين الجدد فيها، أصبحت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بسرعة واحدة من أهم مجموعات الضغط من أجل الحرب في واشنطن. تحت السطح، لم يكن شيئاً قد تغير. الملايين التي خصصت لتأسيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات جاءت من القائمة المطابقة لأصحاب المليارات في مجموعة ميجا مع أسماء مثل برونفمان وستينهاردت، وأبرامسون. أحد المُسهمين الجدد كان ديك فيث، والد دوجلاس فيث، أحد أهم المحافظين الجدد في إدارة الرئيس جورج بوش وصهيوني يميني متشدد. استمر كل من كليفور ماي ونير بومز في إدارة عمليات الشؤون اليومية للمجموعة التي تم تغيير اسمها. بقي كليفورد ماي مديرها. الآن بومز في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في هرتزليا. كما يدير منظمة تسمى مركز الحرية في الشرق الأوسط، وهو مدير مجموعة أخرى اسمها (معارضو الإنترنت)، التي يضم مجلس إدارتها ناتان شارانسكي، وهو وزير في حكومة نتنياهو من أصول روسية. بحسب سيرته الذاتية الرسمية، ينهي بومز حالياً دراسته للحصول على دكتوراة. موضوع أطروحته هو «تأثير تقنية المعلومات على إيجاد مجتمع مدني في سورية وإيران»، في رأيي، هي مسألة وقت فقط قبل أن يوجه قلمه المسموم مرة أخرى إلى المملكة العربية السعودية.