وراء الخيال الذي تتحدث عنه أجهزة الإعلام بإسهاب فيما يخص علاقات الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقبع حقيقة أعمق وأكثر قتامة: التعاون الإستراتيجي والعسكري بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل لم تكن أقوى على الإطلاق مما هي عليه الآن، وقد صبت الولاياتالمتحدة مبالغ مالية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية منذ انتخاب باراك أوباما تفوق أي مبالغ أخرى تم إنفاقها من قبل الولاياتالمتحدة منذ قيام إسرائيل في 1948. ومع أنه لا تزال توجد اختلافات تكتيكية بين واشنطن وتل أبيب حول توقيت العمل العسكري ضد إيران، إلا أن العلاقة الخاصة جداً بين البلدين كانت واضحة جداً خلال الأسابيع القليلة الماضية. هناك بعض الأمثلة التي لم تسلط عليها أجهزة الإعلام الأضواء، لكنها تستحق الذكر. من هذه الأمثلة: أولاً، سحبت الولاياتالمتحدة كل الدعم المالي لليونسكو رداً على سماح المنظمة للسلطة الفلسطينية بالانضمام إليها. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كان موجوداً في الاحتفال بقبول عضوية السلطة، عندما تم رفع العلم الفلسطيني أمام مبنى مقر المنظمة في العاصمة الفرنسية باريس. ثانياً، خلال زيارة قام بها مؤخراً إلى موسكو، قدم وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان التماساً شخصياً إلى رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، نيابة عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما. حث روسيا على رفض العروض الإيرانية بالمشاركة في الاطلاع على طائرة الاستطلاع بدون طيار التي أنزلتها إيران مؤخراً، مقابل الحصول على أسلحة روسية ثقيلة. إسرائيل ليس لها مصلحة مباشرة في هذه القضية، وقد أكدت مصادر في واشنطن أن طلب ليبرمان غير العادي جاء نتيجة لمناقشة سرية بين الرئيس أوباما ونتنياهو. وفيما يتجنب جميع الدبلوماسيين الغربيين، بمن في ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ليبرمان ويتعاملون عوضاً عن ذلك مع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، فإن فلاديمير بوتين صديق مقرب من ليبرمان. تلك القناة الخلفية الخاصة بين إسرائيل وروسيا وضعت في تصرف أوباما والبنتاجون. ومع أن نتائج محادثات ليبرمان مع بوتين غير معروفة حالياً، فإن حقيقة أنه تم إيفاده في مثل هذه المهمة السرية الهامة نيابة عن واشنطن تؤكد عمق التعاون الدفاعي بين البلدين. أحد موظفي البيت الأبيض قال لي إن الزعماء الثلاثة الذين يتحدث إليهم أوباما بشكل متكرر هم رئيس الوزراء البريطاني كاميرون، الرئيس التركي جول، ونتنياهو. ثالثاً، في خطاب ألقاه مؤخراً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قال دنيس روس، وهو من زعماء اللوبي الصهيوني وموفد أوباما الخاص السابق إلى الشرق الأوسط، إن قضية الدولة الفلسطينية ليست ضمن اهتمامات الرئيس أوباما على المدى المنظور. وقد طلب من الفلسطينيين أن يركزوا جهودهم على الفوز ببعض التنازلات من قوات الاحتلال الإسرائيلي وقبول وضع دولة فلسطينية محاطة بالاحتلال الإسرائيلي. وأكد أوباما للفلسطينيين أن لدى الولاياتالمتحدة أموراً أكثر أهمية للتعامل معها، بما في ذلك اليقظة العربية المستمرة، منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وبالطبع الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2012. بعد أيام من خطاب روس، انضم وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إلى الرئيس أوباما في مؤتمر يهودي رئيسي في واشنطن. الرئيس أوباما ووزير الدفاع الإسرائيلي عقدا اجتماعاً سرياً لمدة نصف ساعة دون وجود أي من المساعدين، ما سبب تأخير خطاب أوباما عن موعده. وفي خطابه، عبر أوباما عن ولائه المستمر لإسرائيل، وتباهى بأن إدارته قدمت لإسرائيل أسلحة ثقيلة متطورة أكثر من أي رئيس سابق. كما أشار أوباما بشكل سريع إلى حل الدولتين، لكنه ركز بشكل كبير على إيران مكرراً تعهده بأنه «لا توجد خيارات ليست على الطاولة»، عندما يتعلق الأمر بمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية. وقد أوضحت مصادر في البيت الأبيض أنه، رغم وجود عداء شخصي بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إلا أن هذه لا أثر لها عندما يتعلق الأمر بالشراكة الإستراتيجية الأمريكية – الإسرائيلية. الرئيس أوباما، الذي يواجه حملة صعبة لإعادة انتخابه، لاحظ باهتمام الولاء الصاغر لإسرائيل الذي عبر عنه جميع منافسيه من الحزب الجمهوري باستثناء واحد منهم. آخر المرشحين الجمهوريين الذي يتقدم على منافسيه في الحزب، نيوت جينجريتش، ذهب إلى حد إنكار وجود الشعب الفلسطيني، مشيراً إليهم على أنهم مجرد «عرب كانوا تحت الاحتلال العثماني». بعد أيام من تصريح جينجريتش الذي تسبب بفضيحة كبيرة، تسلم شيكاً بقيمة عشرين مليون دولار من الملياردير اليميني الصهيوني المسعور شيلدون أدلسون، وهو يملك كازينو في لاس فيجاس، وأحد أعضاء مجموعة (ميجا جروب) السرية التي تضم أغنى أغنياء الصهاينة الأمريكيين وتقوم بإنفاق مليارات الدولارات سنوياً من أجل اختيار سياسيين. لضمان استمرار الرئيس أوباما بالانحناء أمام الضغوط الصهيونية والإسرائيلية، ظهرت سلسلة من الإعلانات في الصحف الأمريكية الوطنية يوم 15 ديسمبر، من منظمة تشكلت حديثاً باسم «لجنة الطوارئ من أجل إسرائيل». الإعلانات صورت تصريحات أدلى بها مؤخراً وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، ووزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، وعدة سفراء أمريكيين على أنها تصريحات تعبر عن الكراهية لإسرائيل. واتهمت إدارة أوباما بأنها تعامل إسرائيل مثل كيس تدريب الملاكمة. المجموعة الجديدة يشارك في رئاستها ويليام كريستول، وهو من أبرز المحافظين الجدد. إن موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية هو جيد دائماً بالنسبة لإسرائيل، حيث يتنافس الجمهوريون والديمقراطيون للحصول على الأموال الصهيونية والأصوات اليهودية الأمريكية. هذا العام، أكثر من أي عام آخر، تسيطر إسرائيل على كل من الرئيس الذي يسعى لإعادة انتخابه وعلى جميع منافسيه الجمهوريين. هذا ليس شيئاً جديداً، لكنه خبر سيئ لأمريكا والعالم بأسره. وكما هي العادة، فإن القضية الفلسطينية هي أولى الضحايا.