وصلت المقارنة أحادية الاتجاة أو الثنائية بين أمرين أو مجتمعين إلى حد التناقض، والانفعال، وربما إلى الانقسام بين الآراء؛ لدرجة أنها أخذت مسلكاً سلبياً لا يطاق، وتحديداً حين تكون المقارنة بين ما هو موجود لدينا من منجزات تنموية وإمكانات اقتصادية ومنشآت عمرانية، وبين مثيلاتها في بعض البلدان المجاورة أو الدول المُتقدّمة في العالم، فنجد البعض يكثرون من الشكوى والتذمّر، باعتبار أنَّ ما لدينا لا يرقى إلى ما تحقَّق في تلك الدول، عبر ما يرونه بأعينهم على أرض الواقع أو من خلال ما يتم تناقله من أخبار أو صور على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، فكثيراً ما يتردد على مسامعنا مقولة:"وسائل المواصلات في تلك الدولة أفضل مما هو موجود لدينا، أو المجمعات التجارية هناك أرقى من المتوفرة لدينا"، وغير ذلك مما قد نسمع عنه أو نقرؤه في المواقع الالكترونية أو غيرها. طموح كبير وقال "د. أبوبكر باقادر" –باحث اجتماعي-:"المقارنة هنا لا يوجد فيها تقليل من مكانة وطننا، بل إنَّها تعني أنَّ لدى المواطنين طموحًا كبيرًا، بمعنى أنَّهم يريدون أن يكون بلدهم هو الأفضل في كلِّ شيء"، مشدداً على أهميَّة النظر لذلك بشكلٍ إيجابيّ، مضيفاً أنَّنا الآن نعيش في عالمٍ مُتقارب أشبه ما يكون بالقرية الصغيرة، موضحاً أنَّ هذه المقارنة نابعة من محبة المواطنين لبلدهم، داعياً إلى أن تتم هذه المقارنة بشكل لائق خالٍ من أيّ انتقاص من قيمة الوطن، داعياً المعنيين وصُنَّاع القرار إلى النظر لهذه المقارنة بشكلٍ إيجابيّ، خصوصاً أنَّها صادرة من مواطنين يعشقون وطنهم ويتمنون أن يكون كل ما فيه مُصمَّمًا بشكلٍ راقٍ وجميل. وأضاف أنَّهم يتطلَّعون إلى أن يكون لدينا في "المملكة" أفضل مطار وأفخم نافورة وأرقى "مول" على مستوى دول العالم أجمع، لافتاً إلى أنَّ بلادنا –ولله الحمد- لديها كل المُقوِّمات التي تجعلها الأفضل على مستوى العالم، في ظل النواحي المالية والاستقرار الأمني والسياسي الذي نشعر به جميعاً. وأشار إلى أنَّ الرغبة في التنمية والتطلّع للمستقبل أمور تصب جميعها في هذا الجانب، مؤكِّداً على أنَّ تلك المقارنة لابُدَّ أن تخلو من السخرية بمنجزات الوطن ومُقدراته، مشيراً إلى أنَّ من ينتهجون هذا الأسلوب يُمثِّلون أنفسهم فقط، مُبيِّناً أنَّ ذلك لا يُعبِّر عن الرأي العام لكافَّة أفراد المجتمع، لافتاً إلى أنَّ المقارنة الإيجابية تُحسِّن من أداء جميع مرافق الدولة، وتجعل المعنيين يبذلون قُصارى جهدهم من أجل تحقيق كُل ما من شأنه رفعة هذا الوطن ومواطنيه، مؤكِّداً على أنَّ ذلك هو ما يُنادي به خادم الحرمين الشريفين –أيَّده الله- حينما يلتقي المسؤولين في الدولة. د. أبوبكر باقادر د. نجم الدين الإنديجاني د. جمال الطويرقي د. عيد العنزي وعي حضاري وقال "د. نجم الدين الأنديجاني" -أستاذ الأسس الفلسفية والاجتماعية للتربية- إلى أنَّ لكُلِّ مجتمع وعيًا حضاريًا معين ناتج من تراكمات المعرفة والتربية والعلم الذي يتلقاه الفرد في الأسرة والمدرسة والمجتمع بشكل عام، مضيفاً أنَّ الفرد يبدأ بالحكم على الأشياء من خلال هذا الوعي. وأضاف أنَّ البعض ينظرون إلى أنَّ ما يحدث في المجتمع المحلي متواضع جداً مقارنة بما يشاهدونه عبر وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي في دول أخرى، وبالتالي يرون أنَّ هناك فوارق واضحة في مستوى تنفيذ وإنجاز بعض المشروعات التنموية الكبرى ومشروعات البُنية التحتية في المجتمعات بشكل عام، مشدداً على ضرورة الأخذ في الاعتبار عند عقد هذه المقارنة أنَّ كل مجتمع يختلف في طريقة انجازه لمشروعاته عن المجتمعات الأخرى، سواءً على صعيد تنفيذ المُجسَّمات الجماليَّة والمطارات وخطوط السكك الحديدية، وغيرها من المشروعات التنموية الأخرى، مضيفاً أنَّ أيّ تغيُّرات تحدث تختلف من بلد لآخر، كما أنَّها لا تتم بين عشيةٍ أو ضُحاها، بل إنَّ الأمر يحتاج لعدد كبير من السنين. تجارب متواضعة! وأشار إلى أنَّ كثيراً من الدول مرت بتجارب متواضعة، بيد أنَّها وصلت في نهاية الأمر إلى مستوى عالٍ جداً، داعياً أفراد المجتمع إلى عدم عقد المقارنات مع دول العالم المُتقدِّمة، مرجعاً ذلك إلى أنَّ تلك الدول تختلف عن بلدنا على صعيد الأنظمة الإدارية والمالية، وأنظمة التشييد والبناء والإشراف، مشيراً إلى أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف المحمولة ساهمت في تبادل الرسائل المصورة التي تحكي جانباً من المنجزات والمشروعات التي تحدث في العديد من الدول حول العالم. وأضاف أنَّ تلك الوسائل عوامل ساعدت على تعزيز ثقافة المقارنة بين ما هو موجود لدينا وما يحدث على أرض تلك الدول حول العالم، داعياً أفراد المجتمع إلى الأخذ بعين الاعتبار أنَّ تلك الدول متقدمة علينا منذ عشرات السنوات، كما أنَّ مساحة هذه الدول صغيرة جداً مقارنةً بالمساحة الجغرافية للمملكة، مشدداً على أهمية امتلاك أفراد المجتمع للقناعة والثقة بالمنجزات التنموية التي تحقَّقت وستتحقَّق –بمشيئة الله- في "المملكة"، لافتاً إلى أنَّها تبقى مقبولة إلى حدٍ كبير في ظل ما هو مُتاح من مقوِّمات وعوامل جغرافية واجتماعية وثقافية. مجتمعك يتطور و«لا يفترض أن يكون الأفضل» دائماً وإنما في طريقه إلى «العالم الأول» منجزات تاريخيَّة وبيَّن "د. جمال الطويرقي" –استشاري طب نفسي- أنَّ مجتمعنا المحليّ بشكل خاص والمجتمعات العربية بشكل عام تعوَّدت على أن تكون هي الأفضل دائماً، مُرجعاً ذلك إلى ترسّبات قديمة تتعلَّق بحجم المنجزات التاريخية العظيمة التي حدثت في التاريخ الإسلامي والعربي منذ القدم، مشيراً إلى أنَّ ذلك لا يعني أن نبقى نحن الأفضل على الدوام، إذ إنَّ العالم من حولنا يتقدم ويتطوَّر ويتبدل وتحوَّل، مؤكداً على أنَّه من الخطأ أن نُقارن أنفسنا بغيرنا من دول العالم، في ظل الرغبة في أن نكون نحن الأفضل وأن نمتلك كل شيء. ولفت إلى أنَّ هذا الشعور تحوَّل لدى البعض إلى عُقدة، مضيفاً أنَّهم يرون أنَّه ما دام أنَّ لدى الغير مطارًا –مثلاً- فإنَّ من الضرورة أن يكون لدينا مطار أفضل منه، موضحاً أنَّ الأمر نفسه ينطبق على "المولات" التجارية والسكك الحديدية، وغير ذلك من المشروعات الأخرى، مُبيِّناً أنَّ الأمر في هذه الحالة يعني وجود مشكلة حقيقية يمر بها المجتمع، مشيراً إلى أنَّ ثقافة المجتمع لابُدَّ أن تتغير، بحيث يتم التفريق بين ما يحتاجه المجتمع وما لا يحتاجه. ترتيب الأولويَّات وأضاف أنَّ تلك الأمور مجتمعة جعلت البعض لا يُفرق -للأسف- الضروريات والكماليَّات، موضحاً أنَّ هناك جعل هؤلاء لا يحرصون على احتياجاتهم الضرورية بقدر حاجتهم للترفيه، مشيراً إلى أنَّه قد يكون لديهم استعداد للسفر على أن يشتروا بيتاً يؤويهم هم وأسرهم، مُبيِّناً أنَّهم قد يُفضلون أن يكون لدينا أكبر وأفخم مطار في العالم، في الوقت الذي تناسى فيه هؤلاء أنَّ لدى الدولة ترتيب للأولويات، إلى جانب حرصها على توفير كل ما يعود بالنفع على المواطنين والمقيمين، مُستشهداً في هذا الشأن بمشروعات الإسكان. وأشار إلى أنَّ بعض دول الجوار تُعدُّ الأصغر مساحةً والأقل في عدد السكان مُقارنةً بما هو موجود لدينا في "المملكة"، مؤكداً على أنَّه من الظلم أن تتم المقارنة بين هذه الدول وبين "المملكة" التي تُعدّ الأكبر من حيث المساحة الجغرافية وعدد السكان، لافتاً إلى أنَّ ذلك قد يُولِّد لدى من يتعمَّدون ذلك ما يُعرف بعُقدة النقص، بمعني خالف تُعرف، وبالتالي فإنَّ هؤلاء قد يحاولون الإتيان بأشياء غريبة وأمور عجيبة من أجل إبهار الآخرين ولفت انتباههم، ومن ذلك ممارسة "التفحيط" وتغيير إطارات السيارة وهي تسير على الطريق وتصوير ذلك ونشره عبر المواقع "الالكترونية" وشبكات التواصل الاجتماعي. مقارنة إيجابية وأوضح "د. عيد بن شريدة العنزي" -وكيل كلية إدارة الأعمال بحوطة بني تميم للشؤون التعليمية والأكاديمية- أنَّ هذه المقارنة تكون إيجابية حينما يكون الهدف منها هو التغيُّر للأفضل والوصول لما وصل له الآخرون من تقدم وتطور، مضيفاً أنَّنا عندما نناقش أمر وسائل النقل لدينا، فإنَّ من الطبيعي أن نقارنها بما هو متوفِّر في الدول الأخرى، متسائلاً عن مدى الاكتفاء بالمقارنة، أم بالسعي عبرها إلى أن نتغيَّر للأفضل؟، مؤكداً على أنَّ حاجتنا للمقارنة تعني أنَّنا بحاجة إلى أن نحصل على الأفضل دائماً. وأشار إلى أن كثيرًا من المقارنات يتم فيها الخلط بين الجوانب الإيجابية في الدول المتقدمة وبين الجوانب السلبيّة لدينا، مضيفاً أنَّ هناك شعورًا لدى بعض المجتمعات بالضعف تجاه الشعوب الأقوى والمجتمعات المتقدمة، موضحاً أنَّ ذلك قد يجعلها قابلة للمقارنة وللخلط بين الحسن والسيئ، بمعنى أنَّنا حينما ننظر لليابان -مثلاً- كدولة صناعية متقدمة، أو إلى بعض الدول الأوروبية، فإنَّ ذلك يجعلنا نشعر أنَّ هذا التقدم عبارة عن قوة هائلة. تقدّم صناعي وأضاف أنَّ "علم الاجتماع" يُشير إلى أنَّ الجماعات التي تشعر بالضعف تُقلِّد الجماعات الأقوى، موضحاً أنَّ شعورنا بأنَّ لدى تلك الدول تقدَّم صناعي كبير يجعلنا نتأثر بهم، مشيراً إلى أنَّ تأثُّرنا أصبح –للأسف- يحمل الجوانب السلبية في كثير من الأحيان، مشدداً على ضرورة أن لا تتم المقارنة مع الدول الغربية في الجانب الثقافي، لافتاً إلى أنَّ البعض حينما يسافرون إلى تلك الدول ينظرون إلى الجوانب السطحية من هذه الثقافة ويعتقدون خطأً أنَّها تُمثِّل القوة الحقيقية. وبيَّن أنَّ هناك من يحاول تقليد الغرب في طريقة اللبس أو قصَّات الشعر أو غير ذلك من الأمور، مضيفاً أنَّ هؤلاء يعتقدون أنَّ ذلك يجعلهم في مصاف أفراد تلك المجتمعات المُتقدّمة، موضحاً أنَّهم حينما يعودون إلى مجتمعهم يحاولون إسقاط هذه الثقافة السلبيَّة على مجتمعهم، لافتاً إلى أنَّ هذه تُعدُّ مشكلة بحد ذاتها، وبالتالي فإنَّ المقارنة ليست إيجابيَّةً في كل الأحوال. «تويتر» ليس شاهد إثبات على المقارنة ولكنه وسيلة لتقبل الآراء مهما اختلفنا معها