المواطن الذي استسلم بسهولة إلى ثقافة التشكيك والإحباط، وتفرغ إلى نشر الشائعات والأخبار المضللة عبر "المجالس الخاصة" ومواقع التواصل الاجتماعي، بل تجاوز ذلك إلى التهكم والسخرية، وعقد مقارنات غير منطقية مع دول وشعوب أخرى؛ هو بالتأكيد مواطن لم يدرك قيمة ذاته، ووطنه، ولم يعِ بعدُ مسؤولياته تجاه الحفاظ على نعم الأمن والاستقرار والتنمية، ولم يشعر من حوله أن الوطن (خط أحمر)؛ مهما كانت الظروف، والمعوقات، والتحديات، متوهماً أنّ كل ما يقدمه الوطن قليل بحقه ك"مواطن نفطي!"، يفترض أن يحصل على كل شيء، وفي أي وقت، وربما أكثر من ذلك يعيش برفاهية طول العمر؛ معللاً (أنا مواطن أكبر دولة مصدرة للنفط)؛ دون أن يدرك حجم وطنه ومسؤولياته داخلياً وخارجياً، أو يعرف أن النفط سينفد يوماً ما، وبالتالي يجب أن يكون هناك احتياطي من المال العام يحفظ للأجيال القادمة، إلى جانب تعزيز برامج ومشروعات الاستثمار في الإنسان وهي الأغلى. ومع كل ذلك؛ يبقى كثيرون مدركين لواجباتهم الوطنية، وحمّلوا أنفسهم مهمة الدفاع عن الوطن ومؤسساته؛ ليس بالتصفيق والتزييف، وإنما بالنقد الموضوعي الذي يحفظ للوطن منجزاته، وتقدمه، وفي الوقت نفسه يبحث عن الأفضل، وإصلاح الخلل، والتقدم خطوات نحو الأمام، وهو ما نريده، ونتطلع إليه، بل إن شراكة المواطن في النقد تتيح فرصاً أكبر في تعزيز الانتماء والولاء، وتظهر قيمة الوطن ومكانته. "الرياض" تناقش في هذا التحقيق خطر ثقافة التشكيك والإحباط على الوطن والمواطن. صحح مفاهيمك: لا يفترض أن تحصل على كل شيء وفي أي وقت وتعيش برفاهية طول العمر قلق متزايد في البداية أوضح "أ.د.سليمان بن عبدالله العقيل" -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود- أنّ المجتمع السعودي يمر بمرحلة من التغيّر السريع جداً في جميع النشاط الاجتماعي، سواء كان على المستوى الفردي أو الجمعي، وهو تبعاً للتغيرات الكبرى التي يعيشها المجتمع السعودي من عمليات التنمية والانفتاح على الثقافات والمجتمعات الأخرى، المشابهة والمغايرة في الدين والإرث الثقافي وفي التاريخ والتربية وبناء المستقبل، وكذلك ما يحدث من تغيّرات متسارعة في المجتمعات العربية المحيطة، وانعكس ذلك على سلوك وفكر وواقع الناس؛ مما سبب نوعاً من القلق المتزايد المبرر وغير المبرر، مبيناً أنّ هناك من القلقين والمتوترين وذوي المصالح الشخصية وغيرهم ممن يهمهم توتير الأجواء الاجتماعية؛ ليتسنى لهم العمل في المجتمع وبين فئات معينة، بهدف الاصطياد وزيادة القلق على الواقع ورسم صورة سوداوية للمستقبل، وغير ذلك من خلط الأوراق في أذهان الناس، كما أن زيادة التوتر والقلق يزداد معه الخوف ويقل الصدق وحسن النية، ويصبح الأصل في الحياة الإجتماعية هو الشك في كل شيء، والتشكيك في العاملين مهما كانوا ومهما قدموا للمجتمع، وذلك بعرض التحليلات والربط بين موضوعات لا رابط بينها وتوهم وجود الفساد المطلق، والظلم المطلق والأذى المطلق، وعدم الإخلاص، والتكتلات المصلحية، والواسطة التي تعتمد على الرشوة وتبادل المنافع المطلقة، وكأنّ المجتمع في غابة ليس له ضوابط ولا دين ولا خلق وأمانة غيرها، فكل هذا الضخ والشحن للأفراد أصبحت قواعد عندهم، فحينما يذهب أحدهم إلى إحدى الجهات لقضاء مصلحة ما ويواجه بموظف لم يقضِ حاجة لسبب معين إما فيه أو في الموظف، اسقط كل ما سمع على المجتمع والحكومة وصدّق المقولة والشحن الذي واجهه في المجالس ومن بعض الناس، وفي بعض مواقع التواصل الاجتماعي، متناسياً أنّه يعيش بين بشر وليس ملائكة، فهناك تقصير وذاتية وتفضيل، وهناك أيضاً عدل، ولكنّ الشاحنين الحاقدين بمختلف المستويات يحاولون أن تكون هذه المشكلات الفردية مادة دسمة للحديث في المجالس لتأزيم المجتمع. تجاوز شائعات «الخونة والمندسين» واعمل «من الصفر».. واترك «التوتر» والكلام الذي لا ينفعك مقارنات ظالمة وبيّن "أ.د.العقيل" أنّ الأرقام والإحصاءات أثببت أنّ المجتمع السعودي قد حقق قدراً كبيراً من التنمية والأمن والاستقرار، وأنّه يعمل بالتنمية المستدامة التي هدفها المجتمع بواقعه ومستقبله، مبيناً أنّ هذه الإنجازات تُستقبل بنوع من القبول والرضا لدى البعض ويطمئنون لذلك، والبعض يشكك فيها وفي قدرة الإدارة الحكومية وذلك بتلمس بعض السلبيات وتضخيمها، ولأنّ الإعلام لا يواكب هذه المنجزات وكذلك المفكرين وذوي الرأي والقادة الاجتماعيين، فقد نشط بعض أعداء المجتمع من داخله باسم الإصلاح أو التقييم أو عرض وجهة النظر الأخرى أو البحث عن الحق "الموهوم" أو غير ذلك، ونشط هؤلاء في متابعة كل ما يحتويه المجتمع من منجزات مادية أو من ثقافة وارث لهذا المجتمع بنقده وتجريحه، موضحاً أنّ من أهم هذه الانتقادات الكثيرة ما ينصب على منجزات التنمية واستمرارها وفاعليتها، وكثرة التحليلات والإضافات والتعليلات والمقارنات بالمجتمعات القريبة والبعيدة حول الكثير من الموضوعات التنموية، بدون ذكر الفوارق والأسباب أو البيئة والمرحلة التاريخية أو طبيعة المجتمع، أو حتى ذكر الإخفاقات التي مرت وتمر بها المجتمعات الأخرى، وكأنّ تلك المجتمعات كانت مثالية جداً فيما كانت تعمله؛ مما جعل الفرد في المجتمع يشعر بحالة من القلق في معظم الميادين، وهو بكل تأكيد شعور موهوم غير حقيقي، ولا يعرف حقيقة الوضع سوى العقلاء الذين لديهم توعية وإدراك بالمقارنات ومعرفة بما مرت به المجتمعات الأخرى. طفلة تحتفي بعفوية صادقة بالوطن وقائده العظيم رؤية خاطئة وأشار "أ.د.العقيل" إلى أنّ صناع ثقافة الإحباط يعمدون إلى كثرة الحديث عن الوطن ومنجزاته الأمنية والتنموية واستقراره في جميع الميادين بشكل سلبي حتى لو على سبيل النقد الهادف؛ سوف يؤدي إلى إرسال رسالة خاطئة مفادها سلبي، ويتكوّن رأي عام مبني على رؤية خاطئة واهية تجعل الأفراد يصدقونها، وتكون حقيقة سلبية هذا مع مرور الزمن مؤدية إلى الإحباط وعدم الثقة بالمجتمع ومحتوياته، مضيفاً أنّ على مؤسسات المجتمع مسؤولية مؤثرة يجب أن تؤديها بدور فاعل، من خلال تطمين المواطن بمنجزات الوطن والتفاخر بها وإبرازها، وذلك بشفافية وصدق وإخلاص، وتكوين برامج وفعاليات كثيرة لزيادة الانتماء، بل ومحاربة كل من يحاول زعزعة استقرار الوطن في الجوانب المختلفة. التجربة الأولى وقال "د.عبدالرحمن بن سليمان النملة" -أستاذ علم النفس المساعد عميد البرامج التحضيرية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: "لن يتم القضاء على دعوات الإحباط إلاّ بإشاعة ثقافة التفاؤل والبشرى؛ فالتفاؤل هو قوى الدفع للمجتمعات، والحافز على العمل والإبداع، والدافع للنشاط والإنتاج، وصناعة التفاؤل ليست بالأمر السهل، وليست عملا يتم في اتجاه واحد، بل هي منظومة من القيم والأدوار التي يجب على الأسرة والمؤسسات التربوية والمؤسسات الإعلامية نشرها وغرسها في نفوس الأبناء والطلاب والجماهير، وأهم هذه القيم والأدوار؛ الإيمان بالله والثقة به، واليقين بأنّ ما عند الله خير وأبقى، وأنّ الله تعالى هو الحافظ الرازق المنعم، لذا لابد من نشر هذه القيمة التي تدفع باتجاه قيم التوكل لا التواكل والسعي والإنتاج والعمل والإبداع، ولا شك أنّ الحياة حافلة بالتحديات والمصاعب لكل الناس ولجميع المجتمعات، والمحك الحقيقي هو رد فعل الإنسان على هذه التحديات والمصاعب، فمن الناس من يستسلم لها ويملؤه الإحباط ويسكنه اليأس، ومن الناس من يحول العثرات والعقبات إلى سلم يصعد به إلى النجاح؛ لذا لابد من إطلاق الدعوات لفهم الحياة بشكل أكثر واقعية، ومواجهة تحدياتها وعقباتها بالصبر والإرادة والعزيمة، بتطوير أنفسنا والاستعداد للمستقبل مؤمنين بقدراتنا وإمكاناتنا وواقعية ومنطقية طموحاتنا، آخذين بالأسباب، ننظر للحياة بإيجابية وتفاؤل. د.عبدالرحمن النملة مؤسسات المجتمع وعن دور الأسرة لفت "د.النملة" إلى أنّه في ظل المخاطر التي يتعرض لها وعي أبنائنا نتيجة تعاملهم مع برامج التلفزيون، والأنترنت، وارتيادهم مواقع التواصل الاجتماعي، وما تحمله بعضها من مواد ثقافية وترفيهية غريبة على عادتنا وتقاليدنا، وتساعد على نشر الثقافات المحبطة والعادات السيئة؛ فإنّه يجب على الأسرة أن تواجه هذه المخاطر المحمَّلة بالمفاهيم والأنماط التي تؤثر سلباً في ثقافة الطفل وقيمه وقناعته، وفي اتجاهاته واستعداداته ورؤيته للحياة، وذلك بغرس قيمنا الأصيلة داخله، والعمل على إشاعة حالة من التفاؤل الأسرية داخل البيت، والتركيز على توجيهه الاتجاهات الإيجابية وتفعيل قيم المشاركة والفاعلية، واعتزازه بوطنه ووطنيته وولاة أمره، مشيراً إلى أنّه على الرغم من أننا نملك في وطننا عقولا لا ينقصها الفكر، ولا تعوزها القدرة على الإبداع؛ إلاّ أننا نفتقد تحويل هذا الفكر إلى عمل مؤسسي، وليس أجدر من المؤسسات التعليمية في بلدنا من يقوم بهذا الدور، وهو المفهوم الغائب في مجتمعاتنا العربية على عكس الدول المتقدمة التي لم تترك أيا من مجالات الفكر إلاّ مأسسته ليكون واقعا ملموساً ومترسخاً بمرور الوقت، بغض النظر عن طبيعة هذا الفكر وتوجهه، فحولته إلى نظام عمل ومنهج راسخ في السلوك والأداء، لذا ومن منطلق التغيرات الثقافية والقيمية التي نلمسها في أبنائنا وطلابنا والتي تزداد وتيرتها وتأثيراتها كل يوم ليس على مجتمعنا فقط، بل على كل مجتمعات العالم، والتي تشكل أحد أهم التحولات والتغيرات في ثقافة وقيم وهوية الشعوب؛ فما المانع من إنشاء وحدات إدارية متخصصة في مؤسسات التعليم العالي تتبنى منظومة قيم بعينها وتعمل على إدراجها موضع التنفيذ، نحارب من خلالها الثقافات السلبية والمحبطة ونغرس القيم النبيلة، ونحافظ على هويتنا، ونعزز مقدراتنا، ونقدِّر منجزاتنا ومكتسبات وطننا. أ.د.سليمان عبدالله العقيل تفعيل دور الشعوب وأفاد "د.النملة" أنّ المؤسسات الإعلامية تلعب الأدوار الخطيرة داخل المجتمعات، فهي التي توجه الرأي داخل هذه المجتمعات، وهي التي تنشر وعياً معيناً داخله، وعلى الرغم من الدور الإعلامي والتعريفي لهذه المؤسسات وإيصال المعلومة إلى الناس، لكن لا ينبغي أن تكون الأخبار وتحليلاتها محملة بوجهة نظر سلبية، أو نشر الأخبار الكاذبة وترديد الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، مبيناً أنّه إذا اكتملت المنظومة فإنّ ثقافة الإحباط سوف تختفي، والنظرة السلبية سوف تتلاشى، وتسود صناعة الأمل في أرجاء مجتمعنا؛ لكن يبقى أهم دور وهو دور المجتمع في تفعيل هذه المنظومة، وفي قدرتهم على التغيير من ثقافة الإحباط إلى ثقافة التفاؤل، فنجاح المجتمعات هو نجاح أبنائها، فالشعوب لا تقاس بأعدادها؛ إنما تقاس بقدرتها على التغيير الناتج عن التفكير الإيجابي، وإعلاء قيمة التفاؤل، ونبذ ثقافة الإحباط، وتحمل مسؤولية الكلمة، والحفاظ على مكتسبات أوطاننا ومنجزاتها التنموية، والبعد عن التفكير السلبي؛ فلا يتقدم إنسان والتفكير السلبي يكبله، ولا ينجح مجتمع والتشاؤم يحاصره، ولا ترتقي أمة وثقافة الإحباط منتشرة فيها. د.عبدالحافظ صلوي أفق إعلامي متسع وأيّده "د.مسعد العطوي" -عضو هيئة التدريس بجامعة تبوك- قائلاً: "إنسان اليوم أمام أمواج إعلامية، وأمام إشعاعات خاطفة ذات ألوان متداخلة، بل ومتلاحقة لا تكاد تترك فرض التأمل"، مؤكداً على أنّ الإعلام لم يغفل الإشادة بالأعمال البناءة للوطن، ولكن مع توسع دوائر الإعلام انجذب إلى المثيرات فعلى صوت الحوادث الفاتكة على الحدث المنجز، وعلا صوت التهور والاندفاع على صوت التأني. د.مسعد العطوي نشر السلبيات واعتبر "د.عبد الحافظ صلوي" -رئيس قسم الإعلام سابقاً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة التدريس حالياً- أنّ المواطن في أي مجتمع هو أساس تطور ونهضة ذلك المجتمع، فإن كان متفائلاً بالمستقبل وساعياً لتحقيق طموحاته وداعماً للخطط التنموية فيه، فإنّه سيسهم إسهاماً كبيراً في عملية التطوير والنهضة، وسيسير الوطن بخطى ثابتة نحو التقدم والنهضة، والعكس صحيح، فإذا كان هذا المواطن محبطاً لا يرى مجالاً للنهضة أو التقدم وليس متفائلاً ببناء مستقبل جيد لوطنه، فإنّه سيساهم بفاعلية في تقهقر مجتمعه وزيادة تخلفه، مبيناً أنّه مما يلاحظ في هذه الفترة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة انتشار المعلومات التركيز على نشر المعلومات السلبية بين الناس وسرعة تداولها، مع انعدام يكاد يكون تاماً لنشر أي إنجازات إيجابية على مستوى الوطن، وهذه تكاد تكون ردة فعل قوية للمرحلة التي كان التركيز فيها على نشر الإنجازات الإيجابية فقط وإغفال الجوانب السلبية، موضحاً أنّه في كلتا الحالتين فإنّ هناك تطرفاً، إذ ينبغي أن يكون هناك اتزان في نشر المعلومات وتداولها بين الناس، وأن يكون هناك هدف واضح من نشر أو المساهمة في نشر المعلومة، سواء كانت سلبية أو إيجابية؛ بحيث تصب في نهاية المطاف في المساهمة في تطوير المجتمع والنهوض به، وأن لا يكون الهدف الأساس من نشر السلبيات هو التشهير أو التشفي أو الانتقام، وللأسف الشديد أنّه مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة يصعب التأكد من صحة المعلومة، كما يصعب التحكم في انتشارها، ولذلك فقد يساهم المواطن البسيط في تحقيق أهداف أعداء هذا الوطن؛ من خلال مساهمته في إعادة نشر بعض الشائعات السلبية دون إدراك منه للأهداف الحقيقية من نشرها، مشيراً إلى أنّ أهم ما يترتب في التركيز على نشر السلبيات فقط -دون الإشارة إلى الأسلوب الأمثل لمعالجتها- هو الشعور بالإحباط الشديد لدى أفراد المجتمع؛ مما يدفعهم للتقاعس عن المساهمة في الإصلاح والتطوير والنهوض بالمجتمع مع العلم أن المواطن هو حجر الزاوية في ظهور السلبيات وانتشارها أو في التقليل منها والقضاء عليها؛ فالمجتمعات المتقدمة لم تنهض بأداء حكوماتها ولا بمستوى دخلها الاقتصادي ولكن بوعي مواطنيها ومساهمتهم في التطوير، وينبغي على الشخص الذي يجرى مقارنة بين السلبيات المنتشرة في مجتمعه وبين المجتمعات المتقدمة أن يكون منصفاً ويجري مقارنة حقيقية بين دوره كمواطن في التغلب على هذه السلبيات ودور المواطنين في تلك المجتمعات في القضاء على السلبيات في مجتمعاتهم. تشويه الحقائق وأكّدت "د.عائشة الحكمي" -كاتبة روائية وأكاديمية- على أنّ هناك انتشارا لبعض المغالطات التي تقف أمامها الفكرة في المجتمع؛ وهي محاولة الناس الذين "لا يعجبهم العجب" اللت والعجن في أمور لا قبل لهم بها، من أجل استعراض الجرأة وملكة الحوار والجدل، مبينةً أنّ موضوع حرية التعبير وإبداء الآراء يصل أحياناً إلى حد المجاهرة بتشويه الحقائق، وأصبح البعض يتفوه أحياناً بمصطلحات من هذا القبيل دون عناية بأبعادها؛ لإظهار تساويه مع الآخرين في الاستعراض المعرفي، معتبرةً أنّ الأكثر ألماً حيث يكون طرح الإحباط هذا من ذوي الرأي والفكر، وعادةً حججهم جاهزة وأدلتهم موثقة بقضايا وأحداث، إلى درجة قد يذهب المتلقي أن المتحدث شهد الواقعة أو الحدث، موضحة أنّ الإنسان الواعي يدرك أنّ بلادنا دائماً محور حديث العالم، لا يجيدون إلاّ التقاط السلبيات وتوسيعها وبثها عبر الأبواق الإعلامية العالمية، من أجل إضعاف البنية الداخلية الإنسانية لوطننا، وهي بنية التلاحم غير المسبوقة بين المواطن والأسرة الحاكمة، وهؤلاء الذين يشيعون عمداً ثقافة الإحباط عاشوا ويعيشون ألعوبة؛ لأنّهم أبواق لأعداء وطنهم، وهذا منتهى الإذلال، داعيةً كل مواطن أن يتمثل قوله تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، ويتجه إلى استقراء واعٍ باهتمام الدولة بالمواطن والإنسان وفق المنهج الإسلامي "ولا تنسوا الفضل بينكم"، متسائلةً: "لماذا القدح واللمز والتقليل من منجزات الوطن؟، بينما المفترض أن يتم تداول الأفكار الإيجابية. النقد الموضوعي إنصاف للحقيقة شدد "د.عبدالحافظ صلوي" على أنّ النقد مطلوب للتصحيح، لكن ينبغي أن لا نتجاوز ذلك إلى إغفال الجوانب الإيجابية والتركيز فقط على السلبيات، بل أن نكون منصفين، فكما نقول للمسيء أسأت يجب أن نقول للمحسن أحسنت، وبهذا يتحقق التوازن المطلوب والشعور بالطمأنينة نحو سير وطننا بخطى ثابتة نحو التقدم والنهضة، ويجب أن لا نسير بعفوية وتلقائية قد تصل إلى حد السذاجة نحو ما يسعى إليه أعداء هذا الوطن؛ من إيجاد فجوة كبيرة بينه وبين قيادته وحكومته الرشيدة، وذلك بالتركيز على نشر السلبيات والتوسع فيها وبث الشائعات والمبالغة فيها. وقال:"يجب أن يعرف المواطن أنّه هو أساس التنمية والنهضة، ونشر ثقافة "كل مواطن مسؤول، وكل مسؤول مواطن"، وأن الوطن للجميع، ويجب أن نحافظ عليه ونسعى إلى المساهمة في بنائه وتطويره، وأن نقضي على ثقافة الفصل بين المصالح الخاصة والعامة، وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وأن يستشعر المواطن مسؤوليته تجاه المصلحة العامة حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحته الخاصة، وهذا ما يحثنا عليه ديننا الحنيف، ويجب أن نربي أجيالنا القادمة عليه، فكلما استشعر الشخص مسؤوليته تجاه الآخرين وكلما قل مستوى الأنانية وزاد مستوى التضحية لديه للصالح العام، كان إسهامه في تنمية مجتمعه والنهوض به أكبر، وإذا ما انعكس الوضع فإنّ السلبيات لن تنتهي والتحكم في انتشارها يصعب والسيطرة عليها تقل والإحباط يزيد". معاول هدم الوطن..! قال "د. عبدالرحمن النملة" "ثقافة الإحباط إحدى وسائل النيل من الثوابت الوطنية والإنقضاض على المنجزات التنموية، ففي كل الأوطان يسعى ناشرو ثقافة الإحباط إلى تشويه المظاهر العظيمة، والتشكيك في القيم النبيلة، والتقليل من شأن المنجزات الوطنية، وتهميش المسيرة التنموية، مشيراً إلى أن هؤلاء هم معاول هدم الأوطان، ونافثو السموم، وزارعو الفتنة، ومقوضو الانتماء. وأضاف:"إنّهم أناس لا يعرفون قيمة الوطن، ولا يدركون معنى ثروات الأمم ومكتسبات الشعوب، إنّهم أشخاص يدفعهم الحقد الأعمى إلى النيل من استقرار المجتمعات، وسيادة مظاهر الود بين أبنائه، فيلجأون إلى تصفية حساباتهم معه بنشر ثقافة الإحباط، وغرس فسائل اليأس، وإشاعة ثقافة الهدم، والتقليل من قيمة البناء والعطاء"، مبيناً أنّ نشر ثقافة الإحباط تبدأ من إشاعة الإتكالية، والدفع للخمول والكسل، وتأجيج الإحساس بالظلم في غير وجوده، وما يرتبط به من الإحساس بالتمييز وتقليل الشأن، فيقاوم الفرد في بادئ أمره ثم لم يزل يقاوم حتى تخور قواه ويبدأ في الاستسلام لمشاعر اليأس وآفة الإحباط، فيتحول هو الآخر إلى ناشر لثقافة الإحباط مبتدئاً بأسرته ثم بيئة عمله، وهكذا حتى ينتشر المرض بين الجميع، فتصبح الأسرة بلا روابط، وبيئة العمل بلا عمل، والمجتمع مريض. وأشار إلى أنه عادة ما يستهدف ناشرو الإحباط تلك القلوب الضعيفة والنفوس المذبذبة والأفئدة التي ضلت الطريق، فيجدوا فيها ضالتهم المنشودة فيصبون فيها حمم الزيف والضلال، ويؤججون داخلها التمرد على الأمن والاستقرار، فيلطخون كل بناء جميل، ويسحقون كل غرس طيب، حيث يؤكد علماء النفس أنّ الإحباط هو أول الطريق المؤدي إلى السلوك العدواني، طريق يجتمع فيه الإحباط مع اليأس، فيدخل الإنسان في دائرة مظلمة من تشوش الفكر وضبابية الرؤية، وصولاً إلى دائرة أضيق من التشاؤم التي تدفع إلى حالة من عدم التوافق النفسي، ومن ثم ظهور السلوكيات العدوانية.