تتقدّم الدولة اللبنانية، مدفوعة بزخم داخلي ودعم إقليمي ودولي غير مسبوق، في مسار حصر السلاح بيدها وبسط سلطتها على كامل أراضيها، متجاوزة التصريحات التصعيدية الصادرة عن مسؤولي "حزب الله". ورغم محاولة الحزب الإيحاء بأن مشروع الدولة لا يزال بعيد المنال، إلا أنّ الوقائع على الأرض، والتحولات في المزاج الشعبي والدولي، توحي بعكس ذلك تمامًا. ففي وقت جدّد فيه رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون تصميم الدولة على استكمال بسط سيادتها على كامل أراضيها وحصر السلاح بيدهًا، مفضلًا الحوار مع حزب الله لتحقيق ذلك باعتباره مكونًا لبنانيًا، وأكد رئيس الحكومة نواف سلام لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تصميم الدولة على حصر السلاح بيد الشرعية في شمال الليطاني وجنوبه، كشف قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، عن تفكيك عدد من المواقع التابعة لحزب الله في جنوبلبنان، ما يعكس تقدمًا ميدانيًا ملحوظًا في تنفيذ خطة بسط السيادة الوطنية وفق القرار الدولي 1701. بالمقابل، بدا لافتًا ارتفاع حدّة خطاب قيادات "حزب الله"، إذ وصف مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب، وفيق صفا، الأسلحة المصادرة بأنها "خردة"، فيما جزم بأن لا قوة قادرة على نزع سلاح الحزب، واعتبر أن النقاش حول هذا الملف لا يعدو كونه "هوبَرات من فاسدين ومحرضين". أما الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، فذهب أبعد من ذلك، بمواقف تصعيدية، حيث هاجم أيضًا المطالبين بنزع سلاح "الحزب" ووصفهم ب "أصوات النشاز" وخوّنهم معتبرًا أنّهم بهذا المطلب يخدمون الجانب الإسرائيلي. وتوعّد قاسم بالقول "سنواجه من يعتدي على المقاومة ومن يعمل على نزع سلاحها كما واجهنا إسرائيل ولن نسمح لأحد بنزع السلاح". هذه التصريحات لم تُربك أداء الدولة، بل ردت مصادر حكومية بالتأكيد على أن العمل على الأرض يتقدّم بثقة وهدوء، وأن الجيش يواصل تنفيذ مهماته في الجنوب، وسط غطاء حكومي واضح. وأشارت المصادر إلى أنّ تصريحات الحزب لا تعدو كونها محاولة لطمأنة قاعدته، بعدما أصبح مسار نزع السلاح واقعًا لا يمكن تجاهله. إلى ذلك، عبّرت الموفدة الأمريكية إلى لبنان مورغان أورتاغوس عن استهجانها لمحتوى خطابٍ قاسم، باستخدام كلمة "تثاؤب" بعدما أعادت نشر منشور تضمّن كلام قاسم، لكنها لم تذكر أي تفاصيل أخرى أو توضح ما المقصود بها، في المقابل، تفاعل ناشطون مع أورتاغوس، فقالوا إنها تشعر بالملل تجاه تصريحات قاسم، فيما فسّر آخرون بأنها تعتبر أن استمرار وجود سلاح "حزب الله" هو محض "أحلام" يتأملها الأخير. كما برز موقف لافت لمستشار الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعد بولس، دعا فيه مجددًا، الدولة اللبنانية للسيطرة على حدودها مع سوريا وبسط سيطرتها على كامل أراضيها وحدودها، مشيرًا إلى أنّ الولاياتالمتحدة تعتبر اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان اتفاقًا تاريخيًا ينهي "حزب الله". ومع انكشاف التباين بين الواقع والتصريحات، يبدو أن الدولة اللبنانية تسير بخطى محسوبة ومدروسة نحو تثبيت سيادتها، مدعومة بغطاء دولي وعربي صلب، وبقناعة داخلية متزايدة بأن خيار الدولة أقوى من سلاح الفرض والوصاية. وكلما تقدّمت الحكومة بثقة، تراجع وقع الخطابات التهويلية التي باتت خارج الزمن.