أصبح المواطن ينظر إلى المتغيرات برؤية مختلفة تمنحه طموحاً لتلبية احتياجاته؛ فهذا الإنسان لم يعد يحلم برصف شارع قريته الصغيرة، أو وجود مدارس قريبة من منزله، أو أسواق متنوعة وراقية من حيث المباني تشبع رغباته.. أصبح المواطن اليوم يرغب بأماني مرتفعة ومتسعة؛ فالسقف لديه كبير والطموح أكبر، وتحديداً بعد أن اطلع على تجارب الشعوب الأخرى من خلال السفر، وما يشاهد ويقرأ عبر المواقع الإلكترونية، ووسائل الإعلام،؛ فهو يحلم أن يكون هناك تغيراً حقيقياً في مشروعات صحته، وسكنه، وخدمته، وهنا تأتي مسؤولية الجهات التنفيذية الحكومية في احتواء ذلك السقف المرتفع الذي أصبح موجوداً لدى المواطن، ولا تقف تلك الحهات متفرجة، أو عاجزة عن تحقيقه. لم تعد أحلامه رصف شارع أو بناء مدرسة أو سوقاً وإنما تحسين مستوى «خدمته».. و«معيشته» وعي وفكر وقال "د.حسن الذبياني" -أستاذ التنمية الاجتماعية بجامعة طيبة-: إن الدولة هي بالنسبة للمواطن في مقام الوالد، والمواطن في مقام الابن، وكلما علم الابن أن إمكانات والده جيدة، كلما ارتفع سقف الطموح لديه، مضيفاً أن المواطن هو في الحقيقة ذلك الابن الذي انفتح على العالم وتوسعت دائرة الوعي لديه، وأصبح يستوعب أنه في وطن قادر على العطاء وقادر على تنفيذ ذلك الطموح، مبيناً أن سقف الوعي الثقافي ارتفع لدى المواطن في الفترة الأخيرة خاصةً بعد إقرار الجامعات وارتفاع مستوى الفكر، وكذلك انفتاح المواطنين على "الشبكة العنكبوتية"، ومدى معرفتهم بالأمور الأساسية كالصحة والتعليم والأمن بأنواعه، وكذلك ارتفاع عدد المنح وتقديم البنك العقاري، مؤكداً على أن التعاطي الموجود هو من "ردّات" الفعل الطبيعية لما هو موجود وحاصل. وأشار إلى أن ردة فعل المواطن تغيّرت نتيجة تغير الفكر والثقافة، وكذلك الأسلوب في التعاطي مع جميع المسؤولين؛ لأن المسؤول أصبح يستطيع أن يتخذ قراراً بكل سهولة مع تصاعد المستويات في أمور كثيرة أهمها الميزانية وغيرها. الجهات الحكومية مطالبة بسرعة إنهاء طلبات المراجعين ظاهرة إيجابية وأوضح "د.الذبياني" أن ارتفاع سقف الطموح لدى المواطن يأتي من المثل الشائع الذي يقول: "إذا أردت أن تطاع فاطلب ما يُستطاع"، مضيفاً أن المواطن وجد أن الحراك الموجود في الدولة وفي واقع المسؤولين قادر على تنفيذ عدد من المطالب، وبالتالي ظهرت، فلو كانت عدم الثقة موجودة في تنفيذ تلك المطالب، فإنها لن تكون موجودة لدى المواطن، مشيراً إلى أننا نستطيع القول إن المسؤولين وصلوا إلى مستوى معقول من تنفيذ ما يتوافق نسبياً مع متطلبات المواطن وطموحه، مؤكداً على أن ارتفاع سقف الطموح لدى المواطن ظاهرة إيجابية، لكن السؤال المهم الذي لابد أن ندور حوله يتمثل في: "ما هو سبب ارتفاع سقف الطموح؟"، مبيناً أن قدرة الدولة على تنفيذ تلك المطالب هي من صنعت ذلك السقف المرفوع، فهناك الكثير من المسوغات التي أوجدت ذلك السقف المرتفع لدى الفرد ودعمته بداخله، حيث نجد ذلك في تقدم عطاء البنك العقاري ومساعدة المؤسسات الصغيرة والكبيرة، وكذلك دفع المواطن من قبل الدولة للارتقاء باستثمار الأفراد. المواطن ينتظر توفير السكن الملائم لأسرته مستوى ثقافي وأكد "د.الذبياني" على أن مستوى ثقافة المجتمع لم ترتفع إلى الحد الذي يكون فيه وعي تنظيمي لهذه التطورات، مضيفاً أن مستوانا الثقافي مازال يحتاج للكثير ونطمح خلال السنوات المقبلة أن يرتقي ويكون أفضل، فمهما يكن لدينا من المباني الجيدة والمستويات الجيدة من البنية التحتية، إلاّ أننا ثقافياً غير قادرين على عملية إدارتها بالشكل الجيد، بحيث تكون بالشكل النموذجي، مبيناً أن المستوى الثقافي هو من منعنا أن نكون بذلك التقدم، فالشعوب الأخرى نضجت في ذلك الجانب ووصلوا إلى مستوى عال، متسائلاً: كم عمرنا الزمني مقارنة بالشعوب التي نضجت؟، لا يُعد شيئاً، فنحن مازلنا نحبو في الوقت الذي وصلوا إلى سن الرشد، مشيراً إلى أنه على الرغم من ذلك فقد سابقنا الزمن بشكل كبير، ومن المتوقع أن نصل إلى مستوى أفضل خلال فترة قصيرة، ونحتاج فقط إلى أن يكون الوعي المجتمعي كبيرا. وأضاف: حينما ننظر على سبيل المثال لتجربة "بريطانيا" في تنسيق الشوارع، نجد أن شوارع المملكة أفضل من حيث الاتساع، لكن حينما ننظر إلى حركة المرور نجد التخبط لدينا في مسارات السيارات، حيث إن ثقافة احترام النظام غير موجودة، لكن يختلف الحال في "بريطانيا"، فمن الصعب أن توجد سيارة تخرج عن مسارها، على الرغم أن شوارعها لا تتجاوز مسارين فقط!. د.حسن الذبياني تغيرات اقتصادية وقال "د.إبراهيم بن محمد الزبن" -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن مجتمع المملكة يمر بتغيرات ثقافية واجتماعية واقتصادية، نتج عنها ظهور أوضاع ومستجدات، جعلت سقف توقعات أفراد المجتمع يعلو بشكل يفوق ما هو مخطط له ومتوافر واقعياً من مخرجات المشروعات والجهود التنموية المختلفة، مضيفاً أنه تاريخياً كان أبناء المجتمع يتوزعون مكانياً وجغرافياً بين مناطق حضرية ذات نمو محدود، على شكل مدن صغيرة يغلب على سكانها العمل بالنشاط التجاري وبعض الأعمال الحكومية المحدودة، بينما يعيش آخرون منهم في مناطق ريفية يغلب على سكانها العمل بالزراعة وبعض الأنشطة التجارية البسيطة، أما القسم الثالث فقد كانوا يقيمون في مناطق رعوية تطلبت ظروف معيشتهم الحراك والتنقل من مكان إلى آخر، مبيناً أنه كانت تطلعات أبناء المجتمع في تلك المرحلة التاريخية تتركز حول إشباع الاحتياجات الأساسية للسكان، وبالتالي كانت الجهود التنموية تتركز حول توفير الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية البسيطة. د.إبراهيم الزين مرحلة انتقالية وأوضح "د.الزبن" أنه ترتب على النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي تحول المجتمع إلى المرحلة الانتقالية التي أدت إلى الانتقال من الشكل التقليدي البسيط إلى الشكل المتطور الصناعي، وقد أدى ذلك إلى حدوث العديد من التغيرات في ظروف الناس المعيشية، خاصةً مع ارتفاع مستويات الدخول الفردية للسكان، وتغير أسلوب الحياة، وتزامن ذلك مع الاختلاط بالثقافات الأخرى، وتعدد وسائل الاتصال، من خلال ما ينشر ويبث في وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمشاهدة، من مواد تثقيفية وتوعوية، كل ذلك أسهم في توسيع مدارك الناس وسهّل تبادل العلوم والمعارف، مما أثّر على طريقة تفكيرهم وحكمهم على المواقف والأشياء، مبيناً أنه ساعد ذلك إسهام وسائل التواصل الاجتماعي ك"الفيس بوك" و"توتير" وغيرها في سرعة نقل المعلومة وتداولها بين الناس. د.عبدالله السلمان وأضاف: انعكست هذه العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على المواطن، وجعلته أمام تحديات تركزت في مدى قدرته على استيعاب الآليات الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع سقف توقعاته وتطلعاته، مما شكّل عبئاً على المؤسسات المختلفة لأداء مسؤولياتها تجاه هؤلاء المواطنين. سخط وتذمر وأكد "د.الزبن" على أنه بدأ الناس في التفكير بأوضاعهم الحالية في خضم هذه التغيرات المتلاحقة، مما جعل سقف توقعاتهم يرتفع، وهذه التوقعات قد تكون أحياناً مبالغ بها وفي أحيانا أخرى منطقية وتتلاءم مع احتياجات الناس، مضيفاً أنه مما زاد تعقيد هذه الأمور أن أي تقصير أو شبهه من قبل أي جهة خدمية يوجد حالة من السخط والتذمر والمطالبة بالتغيير بحجة الإصلاح، مشيراً إلى أنه لمواجهة هذه الإشكالات في المجتمع فإن على الأجهزة والمؤسسات المعنية تحمل مسؤولياتها وعدم تجاهل احتياجات الناس وتطلعاتهم مهما علا سقفها، وكذلك محاولة توفير على الأقل الحد الأدنى منها، كما أننا بحاجة إلى خطط تنموية سنوية توفر برامج ومشروعات قادرة على مواجهة متطلبات الناس المتزايدة والمتنامية، مؤكداً على أنه لم تعد المشروعات التنموية المبنية على الخطط التنموية الخمسية ملائمة لهذا التغير المستمر، والحراك السريع في كافة مجالات الحياة. تجارب الشعوب وقال "د.عبدالله السلمان" -مختص في علم النفس-: إن سقف الطموح لدى المواطن ارتفع بعد أن اطلع على تجارب الشعوب الأخرى من خلال السفر، ومن خلال ما يشاهد ويقرأ عبر المواقع الإلكترونية، ومن خلال الإعلام وما يقدمه، مضيفاً أن العالم أصبح مفتوحا على بعضه لبعض، وذلك ما جعل الطموح كبيرا، كما أن الوضع الاقتصادي تحسن وأصبح يدفع إلى تزايد عدد الأمنيات لدى الفرد، مؤكداً على أن المرء يحدث بداخله التغير النفسي حينما يخوض تجارب جديدة عبر الإطلاع على تجارب شعوب أخرى، فيشعر أنه ينفتح فكرياً، ويتظافر ذلك التغير بداخله على المستوى النفسي فيؤثر عليه فتتسع لديه الرؤية، مبيناً أن هناك الكثير من الجهود والمبادرات لموافقة طموح المواطن، لكن الإشكالية الكبيرة أن تحقيق ذلك الطموح لا يتوقف عند من يتخذ القرار، بل من في الجهات المنفذة للقرار، التي قد تتأخر في تنفيذ تلك الخطط، لافتاً إلى أن الفرد يشعر بالإحباط النفسي حينما يشعر أن الطموح لديه أكبر من المتاح، فالطموح حينما يرتقي لابد أن يلازمه سلبيات أو إيجابيات، فإذا لم يشعر أن تلك الآمال قابلة للتحقيق، فإنه يدخل في دورة من السلبيات.