يريد دونالد ترمب إيران «عظيمة ومزدهرة ورائعة» لكن من دون سلاح نووي، كذلك يريدها المرشد علي خامنئي لكن من دون عقوبات. توحي طهران بأنها استطاعت أن تُقصر المفاوضات، حتى الآن، على الشأن النووي، لكنها لا تزال في بداياتها. إذا صح ذلك ومع افتراض قبول واشنطن بالتفاوض في هذا الملف حصرياً فإنها في هذه الحال قد تصر على طلبها المعلن، أي على «تفكيك» البرنامج النووي، وهو ما صنفته طهران ك«خط أحمر» بما في ذلك مواصلة تخصيب اليورانيوم، إضافة إلى «خطوط حمر» عدة تتعلق بالصواريخ والنفوذ الإقليمي لإيران. وإذا صح أيضاً هذا الشرط الإيراني فإنه لن يلبي الأهداف الحقيقية لترمب وصقور ادارته من كل العملية التفاوضية. فهو لم ينسحب من اتفاق 2015 بسبب بنود فنية- تقنية فحسب، بل لأنه رضخ لاشتراط تفاوض نووي بحت ولم يتضمن أي قيود تشمل البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية، بل الأهم لأن ترمب رأى تدفق التعاقدات الإيرانية مع الدول الخمس الموقعة على الاتفاق ولم يجد فيه أي «مصالح» أمريكية، إذ كان المرشد أقصى احتمال فتح اقتصاد بلاده أمام الشركات الأمريكية. وعلى رغم أن الرئيس الإيراني ومستشارين للمرشد لمحوا أخيراً إلى ترحيب محتمل بالاستثمارات الأمريكية، التي تحتاج إليها إيران بشدة، فإنهم ظلوا في مربع الحذر لعلمهم أن هذه الاستثمارات لا تأتي إلا بشروط محددة ينبغي أن يتأهل لها البلد المتلقي. في أي حال، سيبقى حل إشكالات الجانب النووي من الاتفاق المزمع خطوة أساسية بالنسبة إلى إيران كي تطالب بتقليص أولي للعقوبات، خصوصاً تلك التي تقيد صادرات النفط، وهو ما أقدمت عليه إدارة جو بايدن بمنح استثناءات لم يعلن عنها. بعض ملامح سيناريوات التفاوض يذكر بما سبق أن طُرح ونوقش في مراحل سابقة، وبما أن إيران أعادت تنشيط برنامجها النووي منذ أواخر 2018، متحررة من اتفاق 2015 بقانون أقره البرلمان، فإن جانباً مهماً من التفاوض سيدور حول نسب التخصيب التي كانت محددة ب3.67 % لكنها رُفعت إلى 60 %، إضافة إلى أجهزة الطرد المركزي التي جرى تحديثها خلافاً للمواصفات الواردة في الاتفاق السابق، وكذلك ما يتعلق بالمدة الزمنية للاتفاق (10-15 عاماً أو أكثر)، كما يُتوقع أن يطول النقاش حول تشديد الرقابة الدائمة التي تحتاج طهران إلى التزامها بدقة في أنشطتها إذا كانت حريصة على حسم الجدل حول الطبيعة «المدنية/ السلمية» لبرنامجها النووي. لم تُكشف أي صيغة لمسودة اتفاق ذُكر أن إدارة بايدن وإيران أنجزتاه عام 2022- 2023 وتوصلتا فيه إلى حل أكثر من 90 % من الخلافات، ولم يبقَ سوى «الضمانات» التي أصرت عليها طهران ولم تتمكن واشنطن من توفيرها. ومن ذلك مثلاً المطالبة بالتزام موثق يمنع أي إدارة أمريكية مقبلة من الانسحاب من الاتفاق، والمطالبة أيضاً برفع العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني وبشطب اسمه من قائمة المنظمات الإرهابية (أبدت الإدارة استعداداً لتلبية ذلك لكن مع استثناء «فيلق القدس» بسبب نشاطه خارج إيران، كما رفضت شطب «حزب الله» من القائمة أسوة بما فعلته آنذاك حيال الحوثيين). لم تقل إدارة ترمب إنها تستند في المفاوضات إلى مسودة إدارة بايدن، التي صيغت بهدف «منع ايران من امتلاك سلاح نووي»، لكن الحديث عن فترة شهرين للتفاوض يعني إمكان اعتماد تلك المسودة والبناء عليه مع تعديلات. ومع أن طهران تدرك أن إدارة ترمب لن تمنحها أي نوع من الضمانات، إلا أنها ستصر عليها، ما يمكن أن يعقد التفاوض أو يطيله، ومن ثم يخاطر باحتمال فشله. الفارق شاسع بين ظروف التفاوض قبل عشرة أو ثلاثة أعوام وظروف التفاوض الآن، فإيران 2015 أو 2022 لم تعد قادرة على فرض شروطها وإذا حاولت ستخسر أكثر، وفي المقابل لم تعد الإدارة الأمريكية متحفظة في تلويحها بالخيار العسكري بل إن ترمب يهدد به بوتيرة شبه يومية، إلى أن قال أخيراً إنه ليس «في عجلة من أمره» للذهاب إلى ذلك الخيار. كان يعلق بهذه الصيغة على ما كُشف من انقسامات داخل إدارته بين مؤيدين ومعارضين لضربة إسرائيلية لإيران أولاً، أو للتفاوض أولاً وفي حال فشله يمكن أن تأتي الضربة. في إسرائيل اشتباه بأن بنيامين نتنياهو هو من سرب الانقسامات إلى «نيويورك تايمز» كي يبقي التهديد مسلطاً فوق المفاوضات، وقد يتجاهلها وينفذه، ثم إنه لن يقبل أي اتفاق يبقي على البرنامج النووي مهما شُددت القيود عليه. لكن المؤكد أن ترمب لا يسعى إلى اتفاق بصيغة أوباما أو بايدن، وإذا حصل على المكاسب التي يتطلع إليها فإنه قادر على لجم نتنياهو أو يرضيه في غزة والضفة الغربية. * ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»