لا شك أن العلاقات السعودية - الأمريكية بينهما جذور مشتركة مستحيلة التلف أو الموت، لكن هناك سطوح ومناطق يمكن الاختلاف عليها ونقاشها والسجال حولها. لا يزال الحديث في الصحف العالمية قائماً بين من يعتقد أن السعودية تراجع دورها الدبلوماسي، وبين من يرى أن ضغط السعودية على أمريكا قد يجعل من العلاقة في أدنى مستوياتها وصولاً إلى نهاية ولاية الرئيس أوباما. في الصحف الأمريكية هناك عتب على إدارة الرئيس أوباما بسبب ضعفه وعدم قدرته على التدخل بالأزمة السورية. ومن بين السياسيين الذين يرون في نهج أوباما خطأً كبيراً السيناتور الجمهوري جون ماكين. والذي يرى كغيره من المناوئين لسياسة أوباما أن الذي يجري في سورية يؤثر في الأمن القومي الأمريكي ويؤثر في مصالح أمريكا بالمنطقة. لقد كانت أمريكا مع مصالح السعودية طوال الثمانينيات والتسعينيات وأوائل الألفية المعاصرة، لكن اختلف المسار في الموضوع السوري تحديداً. جاء أوباما في مرحلة عصيبة وخطيرة، وهو في غاية الضعف السياسي، إضافة إلى التخبط الكبير الذي أشار إليه مراراً السيناتور الأمريكي الجمهوري جون ماكين، ولا ننسى الحالة الاقتصادية الأمريكية المتردية، والتي تؤذن بالخطر الدائم منذ بدايات الأزمة المالية العالمية. في مقالةٍ سابقة رأى "جون ماكين" و"ليندسى جراهام"، النائبان الجمهوريان بالكونجرس الأمريكي- أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما فشل فشلاً ذريعاً فى سياساته في منطقة الشرق الأوسط، وفقد مصداقية بلاده في هذه المنطقة، وعرّض المصالح الأمريكية للخطر، وذلك في مقال لهما أوردته صحيفة "واشنطن بوست" وذكرا أنه ينبغي على كل أمريكي أن يكون على دراية كافية بالتقارير الإخبارية التي تشير إلى تخلي إدارة أوباما عن دور القيادة في منطقة الشرق الأوسط وعواقبه الخطيرة على مصالح الأمن القومي الأمريكي. وقالا في المقال المشترك:" يبدو أن علاقة أمريكا بالسعودية تتدهور بشكل سريع على حساب مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، والمثال الأكثر وضوحاً على هذا التدهور هو قرار السعودية الأخير برفض مقعد مجلس الأمن، ووفقا لما قاله رئيس المخابرات السعودية الأمير "بندر بن سلطان"، كان هذا القرار موجهاً إلى أمريكا وليس الأممالمتحدة". وبينما يرى سايمون هاندرسون مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن أن لدى المملكة العربية السعودية الكثير من الشكاوى بشأن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ فهي تُحمّل واشنطن مسؤولية اتباع نهج المصالحة مع إيران، وعدم الضغط على إسرائيل بصورة أكثر صلابة في محادثات السلام مع الفلسطينيين، وعدم دعمها بقوة أكبر لجهود الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. طهران استطاعت أن تجوب العالم - فعلاً - شرقاً وغرباً وهي تبتسم على الانخراط الغربي في الانحناء لإيران، وبقضية الملف النووي -المُختلقة- تمكّنَتْ من أن تنظر إلى الملفات بالمنطقة على أنها بيدها كلها. وهذا وإن عاد في المقام الأول والتالي فهو بسبب فشل الحكومة الأمريكية في إدارة الملف النووي وفي إدارة الملف السوري الذي سيُحقّق لطهران المضي فيه وعدم مراجعته إلى أن ستصير إيران شرطي العالم كما ذكرت آنفاً. تساءل هاندرسون وعلى افتراض أن العلاقات السعودية - الأمريكية إذا ما خرجت بالفعل عن مسارها، فما الذي يمكن أن يحدث من أمور سيئة هذه المرة؟ أورد هاندرسون في تقرير منشور لمعهد واشنطن عن عدد من السيناريوهات التي ينبغي أن تثير قلق المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين: 1- استخدام المملكة العربية السعودية لسلاح النفط. تستطيع المملكة تخفيض إنتاجها الذي رفعته إلى ما يزيد على 10 ملايين برميل في اليوم بناء على طلب واشنطن، من أجل التعويض عن التراجع في الصادرات الإيرانية جراء العقوبات. وتستفيد الرياض من الإيرادات الناتجة عن زيادة الإنتاج، لكن ارتفاعات الأسعار الناجمة عن تحجيم العرض يمكن أن تعوض المملكة بما فيه الكفاية. وفي غضون ذلك، فإن انخفاض الإمدادات سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في محطات الوقود في الولاياتالمتحدة - الأمر الذي يعرض الانتعاش الاقتصادي للخطر ويؤثر بشكل فوري تقريباً في الرأي العام الداخلي. 2- تواصل المملكة العربية السعودية مع باكستان من أجل الحصول على صواريخ مزودة برؤوس نووية. كانت الرياض مهتمة منذ وقت طويل ببرنامج إسلام أباد النووي: إذ تنتشر مزاعم بأن المملكة مولت جزئياً مساعي باكستان للحصول على سلاح نووي. وفي عام 1999، رحب رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بوزير الدفاع السعودي الأمير سلطان في محطة كاهوتا، التي تنتج يورانيوم عالي التخصيب في باكستان. وبعد أن أطاح به الجيش في وقت لاحق من العام نفسه، عاد شريف الآن مرة ثانية إلى الحكم كرئيس للوزراء - بعد أن أمضى سنوات في المنفى في المملكة العربية السعودية. وفي حين لا تريد إسلام أباد أن تدخل على الخط بين الرياضوطهران، إلا أن هذا الترتيب قد يكون مربحاً من الناحية المالية. كما أنه سوف يساعد باكستان على تجاوز الهند: فإذا كان جزء من ترسانة إسلام أباد النووية في المملكة، فسوف يكون محصناً بالفعل من الهجمات الهندية وبدلاً من ذلك، تستطيع المملكة أن تعلن عن نيتها بناء محطة لتخصيب اليورانيوم لمضاهاة طموحات إيران النووية - والتي يبدو للرياض أن واشنطن ترضخ لها. وكما قال الملك عبدالله للدبلوماسي الأمريكي الرفيع دينيس روس في نيسان/ أبريل 2009، "إذا حصلوا على أسلحة نووية، فسوف نحصل على أسلحة نووية". فهل تعي أمريكا حجم السعودية؟ وهل حافظ أوباما على العلاقات التاريخية بين البلدين؟! أم أن ضعف أمريكا سيخيم بظلاله على المنطقة ويشعل النزاعات والصراعات.. وأن الجمهوريين سيكونون جبهة السعوديين المفضلة لاحقاً!