تربط الشريحة الأقل من المتوسطة والتي ليس لديها ميزانية، أو تخطيط أمورها المادية بنزول الراتب، وبداية صرفه بعد الثانية عشرة ليلاً من منتصف ليل الخامس والعشرين من كل شهر، فكل التزام لديه سيظل متعلقاً بنزول هذا الراتب والذي لن يخلو من التزامات ثابتة أحياناً فربما ارتبط بقرض من البنك خاصة وأن نسبة القروض الاستهلاكية سجلت ارتفاعاً كبيراً خلال الشهور الماضية والبنك لا ينتظر بمجرد نزول الراتب يلتهم ما له، وقد يكون مرتبطاً بقسط سيارة، أو أقساط أخرى أو ديون لزملاء آخرين وبالتالي هذا الراتب لن يجد استقراراً سوى يومين أو ثلاثة ليغادر إلى من هم ينتظرونه، وتنتهي فرحة الانتظار دون تحقيق أي مكاسب، أو توفير لأيام قادمة، لتبدأ عملية الاستدانة، أوالتحفيز لانتظار الراتب القادم . هذه الأيام بالتحديد وهذه الشهور الثلاثة التي ترتبط فيها الأسر بمتطلبات سنوية متكررة، وضغوط مادية تشكل عبئاً عليها، في غياب الترتيب وتنظيم الاحتياجات حسب أولويتها، والتحرك في إطار الميزانية، أو الراتب، دون الخروج بعيداً ولا تتجاوزه، تتكرر كل عام، ولا تتعلم الأسر منها، حيث يزداد الضغط على كل أسرة بالتزام الإجازة، ومن ثم الارتباطات الاجتماعية للعائلة والواجبات المادية الملزمة خاصة وأن كثيراً من الأسر ترتبط بالعائلة على المدى الأوسع، ومن ثم شهر رمضان ومتطلباته واحتياجاته المستجدة، والتي تدفع بالناس إلى الأسواق للشراء بشراهة وكأن المحلات الغذائية ستغلق أبوابها قبل أن يهل الشهر الفضيل، تدافع هائل على شراء الأطعمة وعربات مليئة ومتكدسة، وتسوق متكرر من مكان لآخر يدفع البعض للاستدانة أو صرف ما لديه دون النظر بأن الفترة القادمة سوف تشهد العيد، والعودة إلى المدارس لمن لهم أطفال . شهور ثلاثة حافلة بالضغط المادي، وتكرار النزول إلى الأسواق، وتصفية ما تم رفعه للأيام الصعبة ملامح سنوية تجسدها الثقافة الاستهلاكية للمواطن البسيط والمتوسط الدخل، والذي عادة ما يسير على نمط نستمتع اليوم، والله كريم بكره . ولم يعد مفاجئاً أن تجد أحدهم يقول بعد نزول الراتب بيومين (خلص الراتب )، وينتظر راتب الشهر القادم. الغريب أن الأسعار ارتفعت ومن يتذكر السلع العام الماضي أو من خمس سنوات ويقارنها بالعام الحالي سيجد ارتفاعاً رهيباً في سلع حيوية ولا يمكن الاستغناء عنها، وتحتاجها الأسرة، ومع ذلك يظل دخل الفرد ثابتاً إن كان موظفاً ويتحرك وفق العلاوات المعتادة التي لا تساير الارتفاعات الهائلة في الأسعار والاحتياجات. هذه الفترة الضاغطة لأصحاب الدخل المتوسط أو من يقل تحتاج إلى إعادة نظر أو مساعدة خاصة في ظل أن الراتب لا يحتمل على الإطلاق كل التزامات الأسرة، ومفاجآت الاحتياج، والاختناق المالي المتكرر كل عام، هذه المساعدة لأصحاب الدخل المحدود ينبغي أن تكون في رمضان بمبلغ مقطوع تساعد على تخفيف الضغط على المواطن وتدخل الفرحة إلى أفراد الأسرة، ولا تكتفي بها الدولة للموظفين، بل حتى أصحاب القطاع الخاص كما هو معمول به في الدول المتقدمة خاصة ممن لديهم أطفال كثيرون، ويواجهون مصاريف متعددة لا تفي بالاحتياجات الأساسية كما ذكر الاقتصادي ( فضل البوعينين). وستشكل هذه المساعدة، أو المعونة السنوية لمن تقل مداخيلهم عن 5000 فارقاً هائلاً بالنسبة لهم وستخرجهم من عنق الاختناق المالي المتكرر والضغط السنوي، خاصة أن هذه الثلاثة أشهر ينبغي أن تكون مفرحة باختلاف مناسباتها وليست أيام نكد وضغوط وتفكير وهموم، وإذا تمت وفكرت الجهات المسؤولة جدياً في ذلك وهو ما ينبغي فعلى البنوك مثلاً عدم الاستقطاع من رواتب الموظفين لشهر رمضان وتأجيل القسط ضمن المديونية وهو ما سيشكل مفاجأة رائعة للمواطن البسيط، لكن هل سيتعلم المواطن تنظيم ميزانيته، أم لن يخرج من دائرة الصرف الاستهلاكي؟