إذا اعترفنا بأننا كمجتمع لم نعط قضايا العنف والإيذاء الأولوية والاهتمام الذي تستحقه فإننا حتما سنقوم بمقاومة ذلك وسنسلط الضوء على هذه القضايا ونحاول أن نأخذ خطوات إيجابية للتعامل معها. التعاطف مع الضحايا لا يكفي، ومناقشة هذه القضايا على صفحات الجرائد وفي المواقع الاجتماعية لا يكفي، فهي قضايا مؤلمة ونتائجها على المستوى الإنساني وخيمة. والحلول يجب أن تكون حازمة وواضحة وتأتي من جميع القطاعات التي لها علاقة بهذا الموضوع. فمثلاً وجود نظام واضح للتبليغ عن قضايا العنف والإيذاء والتعامل معها يسهل الأمر على المدرسة مثلاً في التعامل مع حالة تعنيف منزلي لأحد طلبتها أو طالباتها. وجود قانون يلزم منسوبي القطاع الصحي بتبليغ الجهات المختصة عن هذه الحالات يساعد على التعامل معها ولا يتركها للتقديرات الفردية. وجود عقوبات واضحة تجاه من يتخذ هذا العنف الإجرامي تجرمه. وجود نظام لحماية ضحايا العنف يستفيد من قوة التركيبة الاجتماعية لدينا ويتداخل معها بحيث يمكن للضحية أن تجد ملجأ آمنا داخل نطاق العائلة وتحت حماية المجتمع ورعاية الجهات المختصة جزء من الحلول المطروحة. لا يمكننا أن نعتبر حالات العنف العائلي هذه بأنها حالات خاصة وجزء من "التابو" أو الأسرار العائلية التي تستدعي أن نتعامل معها بحذر، بل يجب أن نتحرك جميعا لمنعها ولمحاربتها. نحن ننشغل كثيرا بالحديث عن واجبات الزوجة وعن دورها العائلي وننسى في خضم ذلك أحيانا الحديث عن حقوقها وحقوق أبنائها وبذلك نساهم في تجهيل وتغييب فئة هامة في مجتمعنا. وكما أننا نتحدث كثيرا عن الترابط العائلي وضرورة الحفاظ عليه لكن في بعض الحالات وحين تكون تصرفات رب العائلة إجرامية تجاه أفراد عائلته يجب أن نتحرك كمجتمع لردع المجرم وإيقافه عند حده لأن النفس البشرية والحفاظ عليها وعلى كرامتها أهم من ترابط عائلي تحت تهديد صفعة أو سيجارة مشتعلة تطفأ في جسد طفل أو رضيع. نحن نملك تركيبة اجتماعية فيها من الترابط والتلاحم ما يؤهلنا لوضع نظام يحافظ على بشرية الأبناء وحقوق الزوجة ويحميهم في حالة تعرضهم للعنف، وكما قلنا في المقال السابق بغض النظر عن نسبة هذه الحالات لابد من التحرك بحزم لحمايتها ومنع تكرار العنف الموجه نحوها.