تشعر المجتمعات الواعية بمسؤوليتها تجاه كل فئة تعتبر مستضعفة، لذلك تسن القوانين على سبيل المثال لحماية الأقليات العرقية، قوانين تمنع وتجرم التصرفات العنصرية وتنظيمات كثيرة للمحافظة على النغم الإنساني فيها، سواء أكان ذلك تمشيا مع القوانين والاتفاقات الدولية أو حرصا على التواؤم الاجتماعي فيها. فالأنظمة والقوانين لا تتلخص فعاليتها في معاقبة المخالف بل في ضمان الحقوق وضمان الالتزام واحترام هذه الحقوق. نخطئ حين نتصور أن القوانين تكتسب فعاليتها فقط في جانبها الجزائي، وإن كان هذا جانبا مهما، لكن الفعالية تكون أيضا في جانبها التنظيمي. لننظر مثلا إلى قوانين تجريم الاعتداء على الأطفال وطريقة التعامل مع المعتدين عليهم، هذه القوانين في مجتمعات أخرى كثيرة كانت محل نقاش فكري واجتماعي بين تيارات مختلفة منها من يتحدث عن العقوبة الصارمة ومنها من يتحدث عن إعادة التأهيل ومنها من يتحدث عن التحذير من أصحاب السوابق وفضحهم وتطويقهم لحماية المجتمع منهم، وهي نقاشات طبيعية ومتوقعة، لكنها لا تختلف أبدا حول تجريم الفعل نفسه وهو فعل مرفوض في جميع الدول بلا استثناء. نأتي أيضا للعنف الجسدي من الآباء تجاه أبنائهم، وهو موضوع شائك لأنه يمس نواة المجتمع وهي "العائلة"، لكن حين تصبح حياة طفل بريء تحت التهديد فإنها تقدم على فكرة استقرارية العائلة، فأي استقرار هذا الذي سيأتي مع العنف المقنن من أب تجاه أبنائه، هذا العنف الذي قد ينتهي بالقتل أو التعذيب الوحشي، هنا يأتي دور القوانين التي تجرم هذا الفعل والتي تتخذ خطوات فعالة لحماية الطفل الضعيف الذي لا حيلة له ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. كما يأتي دور الجهات المختلفة ذات العلاقة بالطفل مثلا مسؤولية الطبيب المعالج الذي يجب أن يبلغ الجهات المختصة عن حالات العنف حين تمر به، مسؤولية المدرسة حين تلاحظ مظاهر تعنيف على الأطفال، مسؤولية "الأم" التي يجب أن تتخذ القرار بحماية أبنائها، وهذه النقطة بحد ذاتها شائكة لأن الأم في معظم الحالات تكون ضحية عنف الزوج وغير قادرة على التصرف. كثير من الأمهات في قضايا التعنيف المصاحبة للطلاق على سبيل المثال يتنازلن عن حقوقهن وحقوق أبنائهن تحت التهديد من الزوج أو نتيجة الجهل بالقوانين أو نتيجة الضغط العائلي تحت مسمى "لا نريد شوشرة أو وش يقولون الناس علينا"، والضحايا في النهاية هم الأطفال، أمثلة على ذلك بعض حالات القتل من الأب لأبنائه والتي سلط الضوء عليها إعلاميا حيث كان أحد القواسم المشتركة هي الانفصال بين الزوجين، لكن لا أحد يعرف ظروف الانفصال ولا أحقية الأب بالتواصل مع أبنائه ولا مدى أهلية الأب للتعامل مع هؤلاء الأطفال. والسؤال الذي يطرح هو: هل يحق لأب معروف بعنفه وخطره على أبنائه أن يكون على تواصل معهم حتى وإن شكل خطرا عليهم؟ سؤال تصعب الإجابة عليه، لأن كثيرا من هذه الأمور يصعب إثباتها بشكل مؤكد ما لم يكن هناك تعاون من الأم والأقارب، بل إن معرفتنا بها كمجتمع لا تكون إلا بأثر رجعي أي بعد حادثة التعنيف التي قد تنتهي بالقتل أو الإيذاء الجسدي الإجرامي. مسؤوليتنا كمجتمع هي اتخاذ خطوات فعالة لحماية الأطفال من العنف والإيذاء الجسدي الذي يكون داخل العائلة أو خارجه.