لأكثر من نصف قرن حُرم الشعب العربي المصري من الديمقراطية لتكون نهجاً ونظاماً وفلسفة حكم، ولعل الإقبال الهائل على الاقتراع يؤكد وجود رغبة شعبية لأن تكون مشارِكة ومتفاعلة مع نظام جديد يعطيها حق الاختيار للسلطة ومراقبتها ضمن منظومة عمل حر ومنضبط.. الآراء تجمع على أن التيار الإسلامي بمختلف تنوعه، هو من ستكون له الأغلبية الكبيرة، وهذا لا يعيب الاقتراع طالما إرادة الشعب هي من اختارت واتفقت على مرشحيها، ومع بروز المخاوف من تيار متشدد إلا أن التجربة ستكون غنية طالما الرقيب الشعبي حاضر على أي ممارسة لا تلتقي مع رغباته، وللإسلاميين الحق بممارسة مكاسبهم إذا كانت الساحة هم من يحتلونها بقدرة تنظيمهم واتساعه، ويبقى على القوى الأخرى، سواء جاءت متحالفة معهم أو في المعارضة، أن تقر بالواقع، لأن من سيفوز لم يكن قادماً من فضاء خارجي، بل جاء من رحم الوطن.. الرعب من الإسلام السياسي بُني على وقائع في أفغانستان والسودان والجزائر وغيرها، ومع تفاوت المراحل والأزمنة وكذلك الظروف السياسية والاجتماعية، فإن نجاح دول إسلامية في ديمقراطياتها مثل ماليزيا وأندونيسيا وتركيا، قد يجعل الأقطار العربية تفرز تجربة مماثلة، ولكن بالطريقة التي تخصنا وتنبع من رغباتنا.. مصر دولة وشعب مهمان، ونجاح التجربة الديمقراطية، أياً كان من يصل إلى الأغلبية من التيارات المختلفة أمر مطلوب، إذ المهم أن تكون المواطنة وحقوقها المختلفة تعمان الجميع، ولا تفرقان بين دين ومذهب وقومية أسوة بالدول الإسلامية التي خاضت تجارب ناجحة، واستطاعت أن تتقدم خطوات متسارعة نحو التنمية، والوصول إلى حلول سياسية واجتماعية لا تنزع للعنف أو احتكار السلطة لوجه أو اتجاه واحد.. مرحلة التغيير لا تأتي سهلة أو يمكن تبسيط وتسهيل دروبها المعقدة لأن التعامل مع ظروف مختلفة واحتياجات وطنية ملحة ووضع أولويات لإصلاح النظام المالي وتعديل القوانين والإصلاحات المتعددة، أمورٌ تحتاج إلى قيادات واعية وعلى درجة كبيرة من المسؤولية، لأن من شأن إعمار الداخل، بناء منظومة علاقات خارجية تقدم استثمار الأموال، ونقل التجارب، وإثراء الساحات العلمية والثقافية، أو بمعنى أشمل الانتقال من مرحلة السلبيات إلى التطور الإيجابي، ولعل من يقول بحكم متسرع فيه نجاح أو فشل العمل الديمقراطي يعد متسرعاً طالما أي حزب أو منظومة، أو فئة لديه الرغبة في النجاح واكتساب الشارع، ليس بالوعود، وامتهان الدعاية الإعلامية، بل بتحقيق النتائج.. ومصر بدأت الخطوة الأهم، لكن ميراث السنين الماضية، لابد أن يصاحبه عمل مشترك من كل الفئات الوطنية حتى تسير القافلة بسرعتها المأمولة، والعبء لا يقع على طرف واحد بل يشمل الشعب كله.. مرة أخرى مصر الديمقراطية مكسبٌ للجميع، ورافد مهم لنظام عربي بدأ يولد من رحم المستحيل والعدم..