هاضني مبداي من رَجْمٍ زَمَى بي في سناف المطّرق مالي رعيّة في يدي مُطْرَقْ فرنجيٍ هبابى وِرْث ابويه من عصور الجاهلية يا حليّ من المها جرد الرقابِ جاز بين مثلّثةْ والشُّبرميّة ليتني عانقتهم في اول شبابي يوم عجّات الصبا فيهم وفيّه هذه الأبيات أنموذج من الغزل البدوي عند شعراء وسط الجزيرة العربية، فيها من تقاليد المعاصرة، ومن التشبيه الجميل ما يحملك لتخال ما بين مثلثة والشبرمية من رحابة أرض وأسراب غزلان تسلبك أعناقهن لبك، وحينما تتفقد أجزاءك ينتابك اليأس والتحسر على زمن الشباب فلا تملك إلا الأماني بأن تعود وإياهن إلى عجات الصبا وعجات الصباهي تطلعات الإنسان وغواياته في شبابه، وما أبهجها وما ألذها ولكل حال لذتها، لا نحصر المتعة في لذاذة بعينها، وإنما لكل امرئ ما يرضى، والذي نتساوى فيه منها ما أجمله الشاعر حين قال: ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب وقد فعل المشيب في زمننا ما لا يحصر من تبكيره وتنكيله، وأجمل ما فيه التكفير عن هفوات الشباب، والتذكير بطلاوته، وقد أبدع الشاعر عسيكر الغنامي مبدع هذه الأبيات في معالجة المشيب وشكواه: ليتني عانقتهم في اول شبابي يوم عجات الصبا فيهم وفيه ولم يقل: وفيني كما يقال اليوم. معذرة، لم أكن أسعى لذكر هذه الأبيات وإنما هو شيء في نفسي دعاني لأقدم بها لما أود طرحه حول كتاب: (بدو وسط الجزيرة "عادات – تقاليد – حكايت وأغان") لمؤلفه الباحث الألماني القدير جوهن جاكوب هيس. ترجمة محمود كبيبو، تحقيق وتقديم الدكتور محمد سلطان العتيبي، وهذه الطبعة هي الأولى 2010م عن دار الوراق للنشر، وقد تلقيت الكتاب إهداء من الدكتور المحقق وأمضيت وقتا طويلا مستمتعاً بقراءته ومتردداً في تناوله، فهو كتاب هام في موضوعه، جديد في طرحه، مثير في تناولاته لدرجة الاغاظة، إما لبتر في رصفه أو قصور في وصفه والوفاء بما يطرح من أفكار، مما يدعو إلى المناداة بتشكيل فريق علمي متخصص يتناول الكتاب ويستوفي ما لم يستطع المؤلف الوفاء به، وحسبه أن وضع بين أيدينا كتاباً يثير فينا فكرة السعي لاصدار موسوعة ثقافية عن البيئة والمجتمع في الجزيرة العربية عبر العصور المتجددة. ولقد انحصر جهد المؤلف على قلب الجزيرة العربية تلك الرحاب البعيدة عن التأثيرات المباشرة من الثقافات المجاورة، وهي محاولة رائدة رغم عدم شموليتها وابتسارها لكثير من الموضوعات، وله العذر في ذلك إذ اعتمد على راوية توفي عام 1370ه (موهق العتيبي) وآخر (مسفر القحطاني) وقد يكون معاصراً لزميله. غلاف كتاب بدو وسط الجزيرة,صميل ولم يقدم المؤلف شيئاً عن تجربته في جمع هذه المعلومات بالقدر الذي يساعدنا على تناول الكتاب غير مقدمة لم تزد عن الصفحة والنصف من القطع الصغير، وربما تجاهل المترجم والمحقق ذلك اكتفاء بما يهم القارئ العادي. واستبعد ألا يتعرض المؤلف للأيام التي قضاها مع بدو وسط الجزيرة، فليس من عادة الباحث الأصيل أن يتجاهل الأسس التي أقام عليها تجربته، وربما أيضا ساهم تعجل الناشر بنشر الكتاب وفق الشكل الذي اعتقد أنه يرضي القارئ، كما جاء المترجم العاشق لمادة الكتاب البعيد عن معتركها ليترجم بعض الكلمات ترجمة خاطئة معتمدا على وظيفتها لا مسماها الحقيقي. على أية حال، يتكون الكتاب من قسمين، القسم الأول اشتمل على قصص وحكايات أسطورية عن الحيوان وبعض التجارب الإنسانية، وجاء ذلك في تسع وثلاثين صفحة، ورغم قلتها إلا أنها ذات بعد ثقافي وقيمة كبيرة من حيث الدلالة على التواصل مع المجتمعات الإنسانية، وعلى سعة خيال البدوي وتفاعله مع ما حوله ومساهمته في الثقافة الإنسانية مثبتا بذلك قدم الابداع والانتاج الثقافي في الجزيرة العربية، إلا أن أسبابا منيت بها هذه البقاع حالت دون جلاء كنوزها ونشر ثقافتها، وقد آن لها أن تعلن عنها بجهود مؤسساتها والدارسين فيها، عوضا عن اعتمادها على المستشرقين الذين رغم المعوقات التي واجهت مبادراتهم واجتهادهم كشفوا عن كثير من مساهمات بلادنا في الحضارة الإنسانية، وآل الدور اليوم إلى أبناء البلاد ليكملوا ما بدأه المستشرقون. كما اشتمل هذا القسم على بعض العادات والتقاليد والقوانين القبلية وبعض القصائد والجوانب الاجتماعية من حياة بدو وسط الجزيرة. واشتمل القسم الثاني الذي جاء في مئتي صفحة من ثلاثمائة وإحدى عشرة صفحة، جاء مكملاً للقسم الأول وبخاصة في الانتاج والترحال وحياة الحيوان والطب الشعبي والأنظمة القبلية والملابس والسلاح وغيرها مما لا يستغني عن معرفته طالب الجامعة وكل مثقف. ورغم الاجتهاد والتطلع إلى الكمال والشمولية من قبل المؤلف إلا أن الترجمة لم تكن دقيقة، ومن ذلك ترجمة كلمة قربة الماء وسقاء اللبن وعكة السمن جرابا والجراب والقربة والعكة والسقاء أوعية جلدية إلا أن الجراب يستخدم لحفظ المواد الجافة وتلك للسوائل، وعرفت بعض المفردات تعريفا خاطئاً من حيث الأصل أو الاستخدام مثل ترجمة كلمة «فحل» بأنها «تيس» وأطلقت دلالتها على «أفضل واحد في القبيلة كرماً وشجاعة وخبرة»، وهذا غير دقيق. وأيضاً كلمة «مذرع» أي «مضرع» وضريع، وأيضاً بعر الإبل لا يسمى روثاً كما جاء في الكتاب، والعناق ليست سخلة، كما أن كلمة «شعث» الشمس، و«شعت» النور، و«شرقت» الشمس إنما هي: شعة الشمس وشعة النور، وشرقة الشمس وأن ما يستخدم سواكاً من الاراك فهو جذوره وليس أغصانه، وأن المركي في ص 227 إنما هو جاعد لأنه يفترش ولا يرتكز أو يتكئ عليها، كما أن كثيراً من المفردات والصناعات المحلية لم يحالف المؤلف التوفيق لتعريفها، وقد نلتمس له العذر كما لم يوفق كل من المترجم والمحقق للتصويب. ومثل هذه الاخطاء حري بالمحقق أن ينوه عنها في الهامش كما نوه عن غيرها، ولكن ربما تكاثرت الأخطاء على المحقق كما تكاثرت الظباء على خراش، أو ربما كان مشدوداً إلى حياة أجداده في وسط الجزيرة التي لم يتذوق منها غير ما يفوح من عبقها حين يتحدث عنها الرواة. وأعجب من إيراد قصيدة ابن قرملة ص 101 بعد العناء بترجمتها ص 99 من الألمانية إلى العربية دون تنويه، وهذا مما يؤخذ على المحقق لليقين ببعد المترجم عن التعمق في الأدب الشعبي المحلي. وأخيراً كل ما أشرت إليه من ملاحظات لا يبخس حق المترجم أو المحقق حقهما في حسن الاختيار وامتاعنا بهذا الكتاب، وسيكمل امتاعنا عن ما يتبنى الدكتور محمد العتيبي تقويم الكتاب والسعي لإصدار موسوعة حول موضوعه عن ثقافة المجتمع البدوي في بلادنا فيما قبل مرحلة الوحدة الوطنية، وابراز الثقافة البدوية في الموضوعات التي تناولها هذا الكتاب إبرازاً كاملاً. وشكراً للمحقق على إهدائه، وأطمئنه بأننى وأمثالي ممن لديهم إلمام بحياة البادية لا يغيب عن أذهاننا المعاني والتعريفات التي أخفق فيها الكتاب ولكن يهمنا أن تكتمل لهذا السفر استحقاقاته من المعرفة والتوضيح والشمولية التي تكشف عن ثقافة أبناء الصحراء عبر العصور.