استئذان الزوجة في الخروج من منزلها من أهم ركائز الحياة الزوجية التي لا تحيد عنها، كما أنها من أكثر الأمور التي إذا راعتها في علاقتها بزوجها، فإنها مدعاة لتوثق العلاقة بينهما، بل وتُبني الثقة، وحسن العشرة. «أبو الشباب» يروح ويجي على كيفه ولحظة ما تقوله «ابطلع» يبدأ التحقيق: «مع مين؟ وليه؟ وما له داعي» وعلى الرغم من أن الرجل يكره كثيراً أن تسأله الزوجة عن مواعيد خروجه وذهابه وإيابه؛ لأنه ينظر لذلك على أنه «مهانة» لرجولته، إلاّ أنه يحب كثيراً أن يلم بكل تحركات المرأة من باب حق القوامة عليها، لتحفظ هي ذلك الحق، بل إن من الزوجات من تستمتع بحرص زوجها عليها ومخافته واهتمامه وسؤاله الدائم عن خروجها من المنزل إلى أين ومتى تعود؟ وقد يتغيب الزوج لأمور تتعلق بعمله واهتماماته، فتقود المرأة هنا دفة المنزل وشؤون أسرتها وأبنائها، ويبقى - بعض الأزواج - يصرون على قضية الإذن والإعلام في أكثر الظروف احتياجاً للخروج، كالذهاب بأحد الأبناء إلى المستشفى لمرض مفاجئ، أو تعرض أحد أفراد أسرتها لمشكلة ما، أو الذهاب إلى العمل لأمور هامة، فهل هناك مرونة لدى الزوج في تقبل خروج المرأة لأداء واجباتها في الحياة أو ما تحتاجه دون أن تطلب السماح لها بذلك في حالة غيابه؟ وهل الزوجة تحتاج إلى مرونة زوجها في تقبل خروجها لأداء واجباتها الاجتماعية دون أن ترجع إليه في كل مرة؟ ويرى غالبية النساء أن إعلام الزوج بجميع تحركات زوجته من الخروج والدخول للبيت أمر واجب ولا نقاش فيه، حيث يجدن أن في ذلك وجهين: وجه يحترم فيه الزوج ووجه آخر يمثل الأمان لهذه الزوجة في حال ما حدث لها أمر طارئ وهي في الخارج، إلاّ أن البعض يرى أن هناك تفاصيل في الحياة الزوجية لا بد أن يعطي فيها الزوج شيئا من مساحة الحرية بها، وخصوصاً في موضوع خروج المرأة من المنزل، فهناك الكثير من العادات التي تمارسها المرأة في خروجها تتحول مع مرور السنوات إلى عادة، ومع ذلك يصر الكثير من الأزواج على أخذ «السماح»، بل إن البعض يختلق المشاكل في حالة خرجت الزوجة دون إذن مسبق. حدود مقبولة وقالت»أم خالد سليم»: إن الحياة الزوجية لا بد أن تحمل من المرونة ما يدفع الزوج لأن يتعامل مع زوجته بمحبة وثقة، فهناك من الأزواج من يضيق على الزوجة في خروجها ودخولها، حتى أن البعض بلغ السوء به أن يسأل زوجته عن الساعة التي عادت فيها، وحينما يكتشف أنها تأخرت عن الموعد الذي حددته له بنصف ساعة «تقوم الدنيا ولا تقعد»، موضحةً أن الزوجة تحتاج كثيراً لأن يكون هناك مرونة في حياتها بما يتوافق مع الحدود المقبولة لدى الزوج، فحينما تعمل واجباتها المنزلية، وتراعي حقوق زوجها عليها وحقوق أبنائها فإنه لا ضرر من خروجها لقضاء حاجاتها، أو حتى التنفيس عن نفسها بالاجتماعات النسائية دون أن تخبر الزوج بجميع تحركاتها، خاصةً حينما يكون هو خارج المنزل، كأن يكون في عمله، أو حتى في حالة سفر. رقي وتعامل وذكرت «أم خالد» أن لها مواقف مع زوجها تعبر عن الرقي في التعامل والاحترام المتبادل، فقد مضى على زواجهما أكثر من (15) عاماً، ومنذ ذلك الوقت وهو يعطيها المرونة الكاملة في الخروج والدخول، دون أن يشترط التدقيق، خاصةً في الأماكن التي اعتادت على الذهاب لها كزيارة أسرتها أو جاراتها أو الخروج للسوق، أو قضاء شيء من حاجاتها. التسوق وجهة النساء الأولى ومصدر الرفض عند كثير من الرجال عاقبني بشهر كامل! واختلفت معها «ليلى مشرف» التي تعاني كثيراً من تدقيق زوجها عليها في أكثر الأمور، فحتى حينما يمرض ابنها الصغير في حالة غيابه لا بد من الاتصال به لإخباره، وإذا لم يرد على اتصالها فلا بد أن لا تخرج حتى يعطي لها الإذن، كما أنه كثيراً ما يدقق في مسألة خروجها لزياراتها النسائية، حتى حينما تكون برفقة والدتها أو شقيقتها، مستشهدةً بموقف خروجها الذي أحدث خلافاً كبيراً بينهما، بل وكاد أن يمنعها من زيارة أسرتها بسببه، فقد أخذت السماح من زوجها بزيارة أهلها، وحينما ذهبت تفاجأت أن والدتها ترغب بزيارة منزل شقيقتها لمرض ألم بها، فوجدت أنه من الضروري زيارة خالتها، وحينما اتصل وعلم أنها ليست في منزل أهلها وأنها خرجت لزيارة خالتها مع والدتها، غضب غضباً شديداً، واصفاً إياها ب»العاصية»، مشيرةً إلى أنه منعها من زيارة أسرتها لشهر كامل، متمنيةً أن لا تعطى للمرأة الحرية في الخروج، لكنها تتمنى فيما لو منحها زوجها شيئا من الثقة والحرية في الخروج من المنزل للأمور الضرورية أو الاعتيادية في الحياة دون أن يكون هناك الكبت الشديد والمراقبة في تصرفات المرأة. الاعتدال أفضل وقال «صالح عبدالكريم»: إن الزوج قد يحب أن يمنح زوجته الثقة، فيترك لها مساحة لأن تخرج دون الرجوع له في كل أمورها، إلاّ أن هناك من الزوجات لسن أهلاً للثقة، كما أنهن يُسئن استخدام تلك الحرية بشكل مزعج، مستشهداً بمواقفه مع زوجته التي تحب أن تتصرف بحرية، فقد أعطاها الإذن العام بالخروج متى ما رغبت في غيابه للأماكن الضرورية أو القريبة كزيارة أسرتها، أو الذهاب للسوق والمستشفى للعلاج، وكذلك زيارتها لجاراتها في وقت تغيبه عن المنزل، لكنه لاحظ أن زوجته تسيء استخدام تلك الحرية فأصبحت تخرج كثيراً دون الرجوع له، حتى بلغ الأمر سوءاً بعودته إلى المنزل ولا يجدها، موضحاً أن الاعتدال في الأمور دائماً هو أفضل الحلول، فلا يجب للزوج أن يضيق على الزوجة في التدقيق على خروجها، كما أنه لا بد أن لا يجعل المجال مفتوحاً للزوجة، لافتاً إلى أن النساء يختلفن من حيث الوعي، فالزوجة الواعية الملتزمة بالخلق تستحق أن تعطى ذلك القدر من الحرية، أما الزوجة غير المتزنة والتي قد تتصرف بسفه، فإنه من الصعب أن تعطى ذلك القدر من المرونة، مؤكداً على أن الزوج دائماً لديه القدرة على معرفة من أي الأنواع زوجته. فهم خاطئ وأوضح «د. محمد العلي» - عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالإحساء - أن الزواج لا ينبغي أن يفهمه الرجل أنه سجن للزوجة، كما أنه ليس تعذيباً نفسياً، بل وليس معنى القوامة هنا أن يمنع الزوج المرأة عن الكثير من الأمور التي ترغب بها وفقاً لهواه ودون مبرر، خاصةً في أمور الضرورة كزيارتها لأهلها، أو خروجها للعلاج من مرض، مشيراً إلى أن الإسلام يبني الأسرة على أساس من التعاون بين الزوجين، وليس بشكل «آمر ومأمور»، متأسفاً من أن هناك من يرى أن القوامة للرجل يعني حقه في التضييق على الزوجة، متسائلاً: هل يعني ذلك أن الزوجة تبقى سجينة في حالة خروج زوجها، حتى وإن كان خروجها لضرورة كعلاج أحد أبنائها؟ الرحمة مطلوبة وذكر «د. محمد العلي» أننا لا بد أن نفهم الإسلام بشكله الصحيح والعميق، فالرحمة مطلوبة بين الزوجين، وليس من المنطقي أن يتحول الزوج مع زوجته كالضابط مع السجين، مؤكداً على أنه ليس لأي زوج حق في منع زوجته من زيارة أسرتها، أو تحديده لعلاقاته بأقربائها فقط لأنه يأخذ موقفا شخصيا منهم، فالزوجة هنا هي من تحدد زياراتها لأقربائها، موضحاً أن الثقة دائماً هي الأساس في العلاقة الزوجية، والشك يقتل بناء الأسرة، لذلك أهم ما ينبغي أن تحرص على كسبه ثقة زوجها، بأن تلتزم بالقيم والأخلاق الحميدة، مشيراً إلى أنه لا ينبغي للزوج أن يشدد في الحرص على أخذ الإذن منه دائماً، وخصوصاً في خروجها لأداء واجباتها الاجتماعية، كخروجها لجاراتها، أو اجتماعها مع نساء الحي، مؤكداً على أن هناك خللا كبيرا في فهمنا للدين، مضيفاً: «للأسف لدينا من يفسر بعض الآيات تفسيراً خاطئاً، أسهمت في وجود خلل لدى الأزواج، حتى نشأت الخلافات الزوجية وكثر الطلاق»، كتفسير قوله تعالى: «الرجال قوامون على النساء»، فالبعض يفسر هذه الآية ب»السلطة الكاملة» للزوج، حتى اعتقد البعض بأن زوجته إذا لم تطعه في أدق الأمور فإنها عاصية!