حق الوالدين في البر والاحترام والصلة والاهتمام وموضوعهما، يشكل مشتركاً إنسانياً يتصل بكل فرد ويفترض أن يهتم به ويدركه كل إنسان ويحسه كل أحد ويحتاجه الجميع أيضا. وقد تناول هذا المشترك الطيب صاحب الكلمة وحامل القلم والريشة وعبر عنه الكاتب والشاعر والمعلم والمتعلم والكبير والصغير وقل أن يغفل عن طرقه أحد. ويستند المعالجون لقضية بر الوالدين والحث عليه والمتناولون لموضوعه على استثارة الرحمة والفطنة والعدل والحكمة ذلك لأن هذه لا تؤتى أحدا إلا زانته، ولا تنزع من شخص إلا شانته وطريقها الرفق واللين. وعكسها الحمق وكل المواقف صغيرها وكبيرها والبسيطة والعسيرة لا تعالج إلا بهذه الخصال مجتمعه، وهي هبة من الله تأتي من بعد النظر وشمولية الرؤية وطول الخبرة. ولعلي هنا أعرض قصة بسيطة في مكوناتها عميقة في أهدافها عبرة لمن يعتبر درساً لمن وعى وفطن.. فهي تتلخص في نكران جميل الوالدين أو أحدهما من قبل الولد ، إما بالشعور أو بالفعل والتصرف أو بالإهمال والجحود والنسيان وكل المواقف تلك عقوق. فيروى أن مجموعة من الرفاق كانوا في ضيافة صديقين لهم، وعند حضورهم إلى مكان الضيافة وهو مزرعة صغيرة كما هي العادة في بساتين الأمس ذات النخيل والأشجار يحبذون أن تكون فيها الولائم والأنس بلا تكلف من صاحب المزرعة ولا من الحضور. حضر الجميع وحظوا بالترحيب الحار و تناولوا القهوة وسعدوا بالحورات المسلية، ولفت نظرهم وجود رجل كبير السن رث الثياب يعمل طيلة بقائهم في أعمال المزرعة بجوارهم، إما في تقليم الأشجار أو تصريف المياه إليها أو جمع بقايا الأوراق أو حصاد بعض الأعلاف للأغنام التي تقع حظيرتها في طرف من المزرعة. وكان عمله بهمة ونشاط و بشكل ملفت للنظر، فيه الإخلاص وحب العمل الذي هو فيه و هذا التفاني باديا من جهده المتواصل ، وتبدو عليه الحماسة ولم يجلس معهم ولا حولهم ولم يتناول شيئا مما يقدمون وكأنه لا علاقة لهم به ولا علاقة له بهم ولم يدعه أحدهما لكي يحضر أو يشارك المجموعة. فسأل أحد الحضور صاحبي المزرعة: من هذا الرجل الذي يعمل هنا ؟ هل هو (صبي) عامل في المزرعة عندكم؟ وكلمة ( صبي ) تعني العامل فيما مضى. رد عليه أحد الأخوين: نعم هو ( صبي قديم ) عامل عندنا منذ زمن، هو يحب العمل، لا يحب أن يجلس أو يبقى بدون عمل اتركوه فهو يستمتع هكذا لا تهتموا من شأنه. وقعت هذه الكلمات من فم القائل وهو أحد المضيفين، في أذن هذا الرجل الكبير، ومن أذنه في قلبه، ولا شك أنها أحدثت جرحا عميقاً ظل في صراع معه يتعامل مع أثره بشيء من الصبر والحكمة ويقيس أنواعاً من الإجراءات لكي يواجه به القائل فيما بعد. وعند تقديم الطعام وبداية تناوله أصر أحد الحضور على أن يحضر هذا (الصبي ) العامل وكالعادة قد يحصل أن يتصرف البعض في مثل هذه المواقف من باب الإنسانية وما نسميه ( الميانة ) وبالفعل جلس هذا العامل بهيئته البسيطة بعد أن غسل يديه من ماء الساقي المار من جانب العريش المغطى بعسبان النخيل. جلس مع الحضور وهو ينظر إلى سقف العريش بشيء من الفخر لأنه هو الذي صنعه، وينظر إلى جداول الماء لأنه هو الذي حفرها وأجراها بجانب المكان، وإلى كل غرائس النخيل وهو يمتلئ سروراً ويشرق محياه بتقليب نظراته هنا وهناك ويبتسم لهم ويبادلهم الحديث بلباقة وأريحية ويرحب بهم أيضا، إنه يقرأ نجاحات هنا وهناك فعلتها يديه. استشعروا بأنه جزء منهم ومن المكان وامتلأت نفوسهم حبا ورضا بمشاركته لهم وانضمامه لجلستهم، و سأله أحد الحضور: كم لك تعمل هنا ياعم؟ قال: أعمل منذ كانت أرضا جرداء لا حياة فيها وحتى الآن ولن أغادرها إلا إلى المقبرة ردوا جميعا: بعد عمر طويل، ودارت عدة سوالف ومواقف بعثت في نفوسهم البهجة والارتياح له ومعه، وتشبع مجلسهم بعبق الصدق والبساطة ورائحة التلقائية والهدوء. وفي معرض الحديث وبعد أن رأى هذا الرجل الكبير ( الصبي في نظرهم ) (العامل) انشغال المضيفين عن الضيوف وانفراد الضيوف به قال في هدوء وحكمة و لعل الغرض هو رد الاعتبار لا أكثر وإرسال رسالة: اقبلوا مني عزيمة في هذا المكان فقد أنست بكم، أما هؤلاء الاثنين يقصد المضيفين فلم يصبرني على العمل عندهم إلا شيء واحد. سألوه وما هذا الشيء يا عم ؟ قال: أنه ينام مع أمهم في كل يوم يغادر المزرعة إلى البيت ، وهم يعلمون بذلك. عظمت هذه العبارة في مسامع وقلوب الحضور حتى الغضب، وسقط الرجل من عيونهم مبدئياً وكاد بعضهم يجن من قوله، حتى كاد أحدهم أن يبطش به لولا أن المكان ليس بمكانه، والتصرف الفردي برعونة ليس من حقه ولا مستحسن في مجالس الرجال، ولكنه رفع أمره لصاحبي المكان، وطلب منهم سماع ما يقول هذا الرجل العامل عندهم. إنه يقول ما عظم من القول فلعله يفتري عليكم بهتاناً وزورا، إنه يقول: إنه ينام مع أمكم في كل يوم ينصرف فيه من مزرعتكم، ولولا ذلك لم يصبر عليكم ولم يحتمل رؤيتكم. أطرق الأخوين بخجل وقالوا نعم: هو صادق فيما يقول، إنه والدنا، نعم هو أبونا، ولكننا أسأنا التصرف بداية في ادعاء أنه عامل هنا في المزرعة ظنا منا أن ذلك هو التصرف الصحيح ، نعتقد أن جيل والدنا لا يتناسب مع جيل اليوم وأنه لن يروق لكم مخالطته لكم. لقد أخطأنا خطأ فادحا وزللنا زلة مميتة، ما كان ينبغي أن نتصرف بهذا الحمق والرعونة ولعله يقبل اعتذارنا. وقبل الجميع رأسه وأسفوا كل الأسف على تهميشه ابتداء وسوء الظن بقوله عند سماعه، ووعدوه بوليمة في المكان نفسه في اليوم التالي يكون هو المدعو من الجميع وهو المحتفى به تكريما لحكمته وترقيعا لأخطاء الجميع معه وخاصة ولديه نعم إن شأن الوالدين عظيم فهو مقرون بطاعة الله سبحانه وتعالى ومن الشعر الجيد في الوصية بالوالدين. قول الشاعر: فيصل العتيبي اخطب الجنّة ومهر العقد برّ الوالدين ربنا وصّى النفوس اللي تخاف تبرّها ما قرن رب العباد بطاعته في الدين دين غير طاعة والدينك..لاتحاول ضرها برّهُم من صغر سنك لين شيب العارضين برّهُم بين الحلاوة في الحياة ومرّها دام قال الشرع تحت اقدام بر الوالدين جنة الخلد انتبه ولا تقصّر برّها وفي هذا المجال يقول شاعر آخر : مني لمن يقرأ مواعظ وتذكير تنفعك عند الله ونور بدنياك مقصد بها شهره ولا اقصد بها غير اقصد رضى اللي عالم سير الافلاك عن الدين لا يلهيك جمع الدنانير احفظ حقوق اللي معافيك واعطاك منها الصلاه اتنور العقل تنوير وعن المعاصي لو تهقويت تنهاك ويرزقك ربك مثل ما يرزق الطير وتمشي على سنة نبيك بممشاك والوالدين لهم معزة وتقدير اللي عليهم خالق الكون وصاك في والدينك لا يجي منك تقصير اذكر فرحهم في مجيك ورجواك قالوا ولد جا لك وجته التباشير واسترت أمك منك في حوض الادراك وتعبو عليك وراحتك وانته اصغير واليا بكيت الهم تنشد وش أبكاك ياكثر همك وان حصل لك عثابير عيونهم تسهر على شان ما جاك مما يضيمك صار فيهم حواشير كل يحب بغالي الروح يفداك هذا وغير وغير ماقلت بكثير يسعون باسعادك ويسعون لرضاك وعد السنين اللي مقافي مناحير من شان تاخذ ما تريده بيمناك واليا نسيت وصار عندك تفاكير منهو تكلف بامر ربك وغذاك ومنهو خذابك في حياتك مشاوير جاب لك مطلوبك وشالك ووداك حتى كبر جسمك وجالك مذاخير وتحققت كل المطاليب ومناك واليا نسيت اللي مضى ويش بيصير ينساك ربك والولد منك ينساك ولو ماعتنوا بك في السنين المدابير لو والدك ما شال همك وخلاك اكلتك وانت حي عكف الدناقير واضعف بهيم من القوارش تعشاك ويجمع كل البشر بمختلف معتقداتهم وأديانهم ونظمهم أن برالوالدين والعناية بهم واحترامهم وتقديرهم يعد من الأصالة والضرورة ورد الجميل وهو في الإسلام يأخذ مكانة كبيرة مقرونا بطاعة الله سبحانه