لا أدري لماذا قفز لمخيلتي مصطلح (الطوفة الهبيطة) الذي نستخدمه عادة كناية عن الضعف وقلة الحيلة وأنا استعد لطرح قضية المدرب الوطني في ملاعبنا الرياضية عامة، لكن بدا لي بعد ذلك أن ليس ثمة من يليق به هذا المصطلح في وسطنا الرياضي أكثر من مدربينا السعوديين المغولين على أمرهم. ولا أذيع سرا إن اعترفت بأنني ترددت في تخصيص مقالتي لهذا الأسبوع حول هذه القضية، لا لشيء إلا لأنني واحد ممن أمعنوا ولا زالوا يمعنون في امتهان المدرب الوطني إلى درجة أنني استكثرت فيه هذه المقالة المتواضعة، وإن كنت اعترف بذلك، فغيري ممن يقفون على هرم المسؤولية تراهم يكتبون معلقات ويسطرون مجلدات في أهمية دعم الكوادر الوطنية الفنية أمام الإعلام، فيما هم وراء تكريس ظاهرة بقاء المدرب الوطني مجرد مدرب طوارئ، بل لا أبالغ إن قلت إنه افتقد حتى لهذه الصفة في الأعوام الأخيرة، إذ لا نكاد نرى أيا منهم في أندية دوري المحترفين إلا واحدا أو اثنين ممن يعملون في الصفوف الخلفية، بل إن الفرق في الدوريات ذات الدرجات الأقل لا تكاد تغامر إلا مع أسماء محددة ومعروفة. ما دعاني للحماسة للتصدي لهذه القضية التي أخذت تطوى لتوضع في أرشيف النسيان، هو اتصال من مدرب وطني، لا أكاد أعرفه إلا من خلال تمثيله في سنوات خلت لأحد أندية الرياض وارتداءه لقميص منتخبنا الوطني، وإلا فلا سابق معرفة شخصية لي به، يقول هذا المدرب والألم يعتصر صوته بأن حظه التعيس جعله واحدا ممن وضعوا رؤوسهم تحت مقص الاحتراف في بداية ظهوره في بداية التسعينيات، فكانت تلك الرؤوس محطة تجارب دفع ثمنها مع كثيرين من أبناء جيله الذين لم يجدوا بعد أن قذفتهم أنديتهم سوى ركوب حافلة المدربين الوطنيين، ليجد كالمستجير من الرمضاء بالنار، خصوصا وأن أحدا لا يكاد يعترف بهم، سواء من اللجنة الفنية وشؤون المدربين في اتحاد الكرة، أو من الأندية، أو الإعلام، ولا يجد بأسا من الاعتراف بأن أشد ما يؤلمه ويزيد أوجاعه، هو أن اللامبالاة تجاه المدربين الوطنيين تأتي من كبار أهل المهنة الذين يفترض بهم أن يؤخذوا بيد المدرب الوطني لا أن يقوضوا طموحاته ويعقلوا مسيرته. صاحبنا المهموم يقول إن مشكلته وآخرين مثله تزداد لأنهم لا يجيدون تبويس اللحى وحب الخشوم، لكي يفوزوا بدورة تدريبية في لندن أو روما، أو أن يحظوا بتوصية للعمل في هذا النادي أو ذاك، ولذلك فليس لهم إلا أن يندبوا حظهم التعيس الذي جعلهم يركب موجة الاحتراف التي قذفتهم في بحر لا قرار له !.