لك أن تتأمل عزيزي القارئ محالَّ الصّاغة التي تناسب الذائقة الخاصة بكلٍّ منكم، ذاك أن الصّانع الخالق للكلمة العربية هو الواحد الأحد، والذي سبحانه ألقاها بين أيدينا غضَّةً طريّة، فمهر العربيُّ وفي كثيرِ من الأحيانٍ مُحبُّ العربيّة، وغيرَ العربيِّ كذلك. لذا لو تأملنا سبكِ العبارة ومزجها مع أخواتها لسوف نجد نفائس لا تُشبه ما عندَ الآخرين من صاغة البديع والبيان؛ والسّبب في اختلاف الصّاغة هو -ذات السبب- في اختلاف المَهَرةِ في فنون الحياة المختلفة، كي لا يكون طعم الحياةِ مكرراً مملّاً. وفي هذا الخصوص انظروا العَبَرات والنّظرات للمنفلوطي، ستقرؤون جمالاً يختلف في طريقة صوغه عن وحي قلم الرّافعي، وبالتّأكيد سيختلف عمّا لدى توفيق الحكيم، وما عند الحكيم سيختلف عمّا عند غيره من صاغة الأدب المعاصرين المُجيدين. أما لو رحتُ أحكي لكم عن أهل الأدب الأُوَل فهذا ما لا تتسع له المجلّدات، وقد أظلم محالّ صاغةٍ جمعت بين الجودة وحسن السبك والتراث والميراث الذي استقى منه ما حكيته لكم كأمثلة معاصرة، وسأكتفي بتسليط الضّوء على بعضهم لترجعوا بدوركم إلى لآلئ مكنونة في أرفف المكتبات لتصفّحوها، فتأسركم عباراتها، فتغوصون في أعماق أعماقها وتستخرجون لكم ولأبنائكم ما لذَّ وطاب لكلٍّ منكم بحَسَبِ ذائقته. ماذا أقول لكم عن أجدادنا أهل الصّنعة؟ هل أحكي لكم عن الكامل للمُبرّد فهو أصلٌ أصيل في هذا الباب، أم عن أدب الكاتب لابن قتيبة، أم ذيل الأمالي للقالي، أم البيان والتبيين للجاحظ، أم أحكي لكم عن الوسيلة الأدبية للعلّامة المرصفي، أم عن كل ما ذكرت ومثلها معها، فيا أيها الأحباب أرباب الألباب خذوا بحظٍّ وافرٍ مما ذكرتُ لكم، من مناهل الأدب قديمة وحديثه إن أردتم لكم ولأبنائكم الوقوف مواقف ترضونها، والجلوس مجالس تبغونها، تسهم في رفع الهمم ومجاراة خير الأمم. والسلام. * كاتب وشاعر سوري