المستقبل الذي نريد هو مجموعة من احلامنا. والأحلام الكبيرة تبدأ برؤية وتصبح حقيقة بعزيمة منفذين . اصحاب الأحلام الكبيرة كبار بافكارهم واراداتهم ، لايعرفون المستحيل . عندهم كل امر مهما عظم او تعاضم لن يكون صعب المنال مادام هناك طموح وعزيمة واصرار . الكبار اذا آمنوا بمطموحاتهم فأنهم لاينكسرون دونها ، يطوعون المعوقات ويتجاوزون الصعاب ، ولذلك هم ينجحون غالبا . وطريق الهدا او عقبة كرا او « طريق المعجزات « كما تم تسميته لاحقا يمثل حلما عملاقا في زمنه ومكانه ، الطريق بطبوغرافيته المعقدة جدا جدا من جبال شاهقة وسفوح كاداء ووهاد شديدة الأنحدار كان حتى مجرد التفكيرفيه حلم يفوق الخيال . لكن العزائم الشداد طوعت الخيال وحولته الى حقيقة حين توافدت له طموح ورؤية الملك فيصل بن عبدالعزيز يرحمه الله وارادة وعزيمة واصرار المعلم محمد بن عوض يرحمه الله . فتعالوا لتستعيد ذاكرتنا هذا المشروع العملاق « طريق المعجزات « . تاريخ وارث انساني يحسن بنا قبل الدخول الى هذا المشروع العملاق ان نأخذ ايماءة سريعة له . الطريق الى مكةالمكرمة عبر جبال الهدا يمثل احد طرق قوافل الحجاج القديمة ، وبحسب بعض الروايات فقد شقه احد الرجال من بلاد النوبة عام 430 ه وهو طريق حجري ذو مسارين احدهما للمشاة والآخر للجمال وعرضه يتسع لمرور جملين اوثلاثة باحمالها ، ويستغرق الطالع فيه مسيرة يوم ونصفه للنازل ولم يتوقف عبوره الا عام 1380 ه . الفيصل ينهي خلاف الوزراء كان هناك توجه لمشروع طريق يربط مكةالمكرمةبالطائف ، وعملت دراسة للطريق عبر الهدا وبتكلفة 50 مليون ريال . وبحسب رواية وزير المالية سابقا محمد اباالخيل فأن الدراسة رفعت الى مجلس الوزراء ولضخامة ميزانية المشروع في ذلك الوقت وصعوبة توفيرها فقد انقسم الوزراء الى قسمين متساويين ، قسم يرى فتح الطريق من وادي السيل والقسم الآخر عبر جبال الهدا ، لكن الحلم الكبير عند الملك فيصل الذي كان وليا للعهد انذاك ورئيس المجلس فقد صوت الى جانب القسم الذين ايدوا طريق الهدا . توصيف المشروع رفض بن لادن بناء الطريق بمسارين حسب المواصفات المعتمدة واكتفى بجعل عرض الطريق 9 امتار في المناطق المنبسطة و11 مترا في المناطق الجبلية الوعرة مع بناء كتفي الطريق بعرض متر من كل جانب مع عمل جسور وعبارات وسدود على طول امتداد الطريق . وللمرة الأولى عمل الطريق بطبقة من الأسمنت تغطيها طبقة اسفلت فقد قرر ان استخدام الأثنين معا منطقي ومجدي اقتصاديا . وقد تم الأنتهاء من جسر الحلواني في المراحل الأخيرة من المشروع . ويبلغ طول الطر يق 67 مترا وهو مقسم الى ثلاثة اجزاء .. من عرفات الى الكر ومن الكر عبر جبال الهدا ومن الهدا الى الطائف. استمر المشروع 7 سنوات من العمل المتواصل والمضني وتم افتتاحه عام 1384ه برعاية الملك فيصل وحضور كبار رجال الدولة في حفل افتتاح مهيب . العقد .. ربط لسان هنا قصة معبرة تنم عن مدى الثقة مابين الدولة وبين بن لادن . فقد بدأ العمل في هذا المشروع العملاق من غير عقد ، مجرد تعميد شفوي من الملك فيصل واستجابة وثقة من بن لادن . وكان يقول « نسلم العمل ثم نناقش المال لاحقا « . يقول محاسبه محمد باريان ان الملك فيصل استدعاه وقال له « ماحد ينفذ المشروع غيرك ، روح اشتغل وبعدين نتحاسب وراح يشتغل بن لادن من غير رسميات . ويؤكد هذا الأداري محمد بامفلح الذي اكد ان التعميد شفوي وان الملك فيصل قال اعملوا وارفعوا مستخلصاتكم. الفيصل خطوة بخطوة لم يكتفي الملك فيصل يرحمه الله بأنه صاحب الرؤية لهذا المشروع العملاق وهو من دفع به الى ساحة العمل ولكنه كان يتفقد باستمرار المشروع ويقف على التنفيذ وقد قال الدكتور ناصر السلوم الملك فيصل كان يقف شخصيا على المشروع ، وفي تحديد المسار كان الملك فيصل الله يرحمه ومحمد بن لادن يرحمه الله هم الذين حددوا مسار الطريق . وكان لورانس يقول بأن الملك فيصل يصل بين الحين والآخر الى الموقع ويسأل عن الزيادة المستمرة في النفقات . وقال السالمي ان الملك فيصل خلال تواجده في الطائف يجلس في دكة بافيل من بعد العصر الى المغرب يشرف على التنفيذ . وتوضح الصور ومقاطع الفيديو التي التقطت جولات الملك فيصل التفقدية للمشروع . الحمير والجمال تحمل المعدات بعد تحديد المسار تظل القضية الأصعب وهي انزال المعدات والاآلات الضخمة في اعماق الجبال ، وهنا لجأ بن لادن الذي لايعرف المستحيل الى حلول ابهر بها حتى الأجانب . يقول لورنس راتب « كان الحل العبقري الذي عمله بن لادن بتوصيل المعدات الى الموقع هو تفكيك تلك الآلات الضخمة ونفل اجزائها الى الاعلى على ظهور الحمير والجمال وعند وصول الأجزاء الى موقعها اعيد تركيبها واعدادها للعمل « . ومن الأعلى كان ينزلها بالحبال الى عمق 100 مترا ، كان يبتكر الحلول ويرفض المستحيل . كان يقول « ليس هناك مستحيل استعمل عقلك « . وعندما يحدثه احد عن المخاطر كان يجيب هي الآتي نزلوها حتى لوتكسرت. وكان مدير مشاريعه يقول هذا هو الطريق الوحيد في تاريخ المملكة الذي كان الرجال والمعدات يسبقون المساحين بدلا من ان يتبعونهم « . اشراف مباشر طيلة السبع سنوات كان بن لادن مع العمال جنبا بجنب ويدا بيد كانت له خيمة وغالبا ماتجده بين الصخور او تحت ظل الشجر يراقب ويتابع ويوجه . قال أحد الخبراء: كنت أزوره وأراه قابعا بين صخرتين في وسط الجبل يراقب البلدوزرات ويعطيهم التعليات ويقود العملية بأكملها بدء من موزعي المياه وصولا إلى سائقي المعدات. ويضيف: لايوجد رجل آخر استطاع تحفيز هذا العدد من الرجال ليقوموا بعمل بهذا الحجم. ويقول جون ماك استاي: كان يوجه البلدوزر برمي الحصى ليسترعي انتباه السائق ويرمي اخرى بالتجاه الذي يريده. وقال علي السحيمات: أول مرة شاهدت فيها المعلم كان على جسر الحلواني مثل العمال يدق المسامير في الخشب ويتسلق مثل أي عامل. وأشار لورانس عاش مع رجاله على سفح الجبل يعمل معهم يدا بيد ويضع بنفسه الشحنات المتفجرة ويضع العلامات على الطريق للجرافات بالطباشير . وكان مسؤلو شركة أمريكية جاؤا ليقابلوه وانتظروه في الخيمة وجاء ومن الموقع بأتربته وسلم عليهم وعاد إلى الموقع ثانية ولم يعرفوه . المعلم الحريص على السمعة كان بن لادن يعتبر هذا الطريق طريقه وتحت مسؤوليته وفي وجهه وهو لا يريد أي خلل أو تشويه للعمل. وفي هذا الصدد يقول أحد مقاولي شركات الصيانة إنه بعد مرور سنة أو سنتين من إكماله طلب المعلم عمل طبقات أسفلت وإصلاح الطريق وعندما سألته من سيدفع ثمن الصيانة قال: أنا سأدفع التكاليف لن أسمح لأحد أن يقول لي عملك غير جيد. معدات خاصة ل»بن لادن» لم يكتف بن لادن بالمعدات الموجودة في الشركات وبالذات كاتر بيللر وإنما طلب تصميم معدات أكبر وبمواصفات خاصة حتى تكون اكثر طاقة وقدرة ومن ذلك 20 دراكتورًا ضخمًا وجرافات فئة 14 بدلا من فئة 12 الموجود في الشركة وكان بن لادن أول من اشترى d10 يتم بيعه خارج أمريكا، وصنعوا له شاحنة اوكسوس تحمل 40 طنا، وغيرها من المعدات الأخرى، وكان هو أكبر عميل في العالم كفرد لشركة كتربللر. الدواب وتحديد المسار كان تحديد المسار يمثل تحديا استراتيجيا فكيف يمكن رسم وتحديد مسار الطريق عبر كل هذه الجبال الشاهقة والمنحدرات الوعرة في ظل غياب المصورات الجوية . يقول جون ماك ستاي ممثل شركة كتر بيللر : « هذه معجزة من صنع انسان غير مؤهل علميا وحقق ذلك بدون اقمار صناعية او تصوير جوي او حتى خرائط طبوغرافية ، الشئ الوحيد الذي كان متأكد منه هو ان هناك جبل جبل لابد من تسلقه ونجح في ذلك « . وتستغرب كيف تم التخطيط ، تشير بعض الروايات الى انه كان يستعين بالدواب على حافة الجبل وهي تشق طريقها الى الأسفل وكان هويرسم الطريق . واستمر ذلك 20 شهرا بدأت عام 1961.