فان نيستلروي: يجب أن نكون وحدة واحدة لنحقق الفوز على تشيلسي    257,789 طالبا وطالبة في اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بتعليم جازان    الجوف تكتسي بالبياض إثر بردية كثيفة    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    اليونيفيل : لم نسهّل أي عملية اختطاف أو أي انتهاك للسيادة اللبنانية    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    تاليسكا يُعلق على تعادل النصر أمام الهلال    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    «الداخلية»: ضبط 21370 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.    السعودية تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    الشيف الباكستانية نشوى.. حكاية نكهات تتلاقى من كراتشي إلى الرياض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    المملكة "برؤية طموحة".. جعلتها وجهة سياحية عالمية    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    جمعية البر بالجنينة في زيارة ل "بر أبها"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة كسوة الشتاء    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    الأنساق التاريخية والثقافية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزيمة ورجاحة عقل كانت الدافع وراء نجاح مشروعاته .. لمحات من عملاق الإنشاءات العمرانية محمد بن لادن
نشر في البلاد يوم 02 - 09 - 2010

هناك هامات زخر ومازال يزهر بها هذا الوطن المعطاء ممن كانت لهم بصمات واضحة في المجال التنموي بشكل عام والمجال العمراني بشكل خاص ولا تزال تلك البصمات تمتد لتشكل نموذجا رائعا تحظى به المملكة والشيخ المعلم محمد عوض بن لادن (رحمه الله) احد تلك الرموز التي لابد ان يسلط عليها الضوء والتي كان لها شرف تولي انشاءات توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وشق الطرقات وتولي مشاريع البنية التحتية التي كانت بمثابة اولى الخطوات لتنمية ونهضة المملكة في عهد الباني والمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه).
توثيق بارع
لتوثيق مشوار حياة محمد عوض بن لادن (رحمه الله) الف الاستاذ خلف احمد عاشور آل سيبيه كتابه الذي حمل اسم المعلم محمد بن لادن واتي في 231 صفحة من القطع الكبير، والكتاب يعتبر توثيقاً بارعاً لمشوار حياة الراحل محمد بن لادن حيث افتتحه مؤلفه خلف آل سيبيه بكلمة قال فيها:
هو المعلم الشيخ محمد بن لادن - رحمه الله - هذا الرجل الذي لم ينل من التعليم الهندسي المنتظم شيئا، ولكن الخبرة صهرته: فجعلته في عداد المعماريين الاكاديميين، حتى اصبح مهندسا عملاقا يضرب به المثل وكثير منا لا يعرف شيئا عن عصامية ابن لادن الانسان السعودي النموذج حيث بدأ حياته من عامل بسيط فوصل الى ما وصل اليه.
كثير منا، من ابناء هذا العصر، لا يعرف شيئا عن سجايا هذا الرجل الحميدة التي لا يعرفها ولا يدركها الا الذين عاشوا معه جنباً الى جنب، وخبروه، وعرفوه، من امثال الوالد الشيخ محمد نور وقال لي من كان يعرف، ان ابن لادن كان يتصدق كثيرا في الخفاء، هذا هو محمد بن لادن الرجل العصامي، الرجل النموذج، من بلادنا.
وهذا الكتاب محاولة لتسليط الضوء على جوانب من شخصية المعلم، قد تخفى على كثيرين، لانه ظل دائما يتجنب الاضواء، تاركاً اعماله تتحدث عنه، ولكن الوفاء لاهل العطاء يستوجب التوثيق لامثال المعلم ابن لادن ممن يعطون للحياة معنى وقيمة.
بداية المشوار
بعد ان حط المعلم بن لادن وشقيقه عبدالله الرحال في جدة واصلا العمل في مهنة البناء، واستطاع المعلم بجهده ومثابرته ان يوفر مبلغا من المال اتاح له الدخول في مجال المقاولات الخاصة بأعمال البناء، ووظف خبرته التي اكتسبها في حضرموت، حيث طرز العمارة التقليدية التي تتيح لمن يمتهن البناء ان يبدع بما يتوافر له من امكانات ضئيلة، حتى يأتي البناء متماسكا وقويا، ومكتسبا لمسات جمالية تطغى على بساطة المواد المستخدمة.
وقد انفتح المجال امامه لمزيد من الابداع في بيئة قد تختلف تفاصيلها، ولكنها تتفق في انها ذات طابع عمراني اصيل، وتوظف في اقامتها امكانات افضل، وتقنيات احدث، الى جانب وجود عمالة من مختلف الدول العربية والاسلامية مما يهيئ تنوعا في الفكر، وابداعا في الاساليب والطرائق وتبادلا للخبرات.
وكان واضحاً من ميول المعلم الى ان تكون له شخصيته المتميزة في تنفيذ ما يقوم به من عمل، وان يحاول دائما التجديد والابتكار، مما لفت اليه الانظار، وجعله محل اهتمام كبار التجار الذين اعجبوا بدماثة خلقه وطيب معشره وحسن تعامله، قبل ان يعجبوا بحسن عمله، وما فيه من جماليات ولمسات تتسم بالخبرة والابتكار.
كان وشقيقه يقومان بأعمال بسيطة كاجراء الاصلاحات والترميمات في بيوت بعض كبار التجار، ولكن المعلَّم اظهر في هذا المجال حرفية عالية، واشتهر بالدقة والاتقان، والقدرة على وضع لمسات تضفي على المنزل مهما كان قديما بهاءً وجمالا، كما ان دقة مواعيده، وحرصه على انجاز العمل في وقته اكسباه ثقة عملائه.
أعمال صغيرة
كانت بدايته بأعمال صغيرة متنوعة منها، مثلا: بناء جزء من سور مقر شركة مهد الذهب بالرويس في جدة، يعقد بالباطن مع مقاول اسمه حسن فايز، وعندما شاهد مدير الشركة (كارل تويتشل) طريقة البناء التي ينفذها المعلَّم بنفسه، اعجب بها، ورأى فيها جمعاً بين الجانبين الوظيفي والجمالي، بل رأى ان ما نفذه المعلم يفوق شكلا ومضمونا، ما اقامه المقاول الاصلي، مما يوجد تباينا واضحا يشوه جمال ما قام به المعلم، لذا طلب منه هدم كل ما كان قائما، واعادة بنائه بالاسلوب ذاته، مما يضمن مظهرا جماليا للمشروع، وفتح هذا الإعجاب الذي ابداه (تويتشل) للمعلم ابواباً كثيرة، فقام بتنفيذ عدد من المشروعات التي كان يديرها (تويتشل)، مثل: مشروع ميناء جيتي الذي كان مرسى لتناول الزيت داخل البحر، ثم مشروع المرسى البحري بجدة، وكانت هذه السمعة الطيبة التي اكتسبها المعلم، وشاعت بين من يتعاملون معه سببا في ان يرسو عليه عطاء بأعمال تنفذها شركة ارامكو في المنطقة الشرقية.
ويلخص الشيخ عبدالله سليمان بن سعيد - رجل الاعمال المعروف واحد وجهاء مكة - بدايات المعلم بقوله: كان رحمه الله مقاول بناء في حضرموت، وقدم الى المملكة في وقت مبكر، واشتغل في صنعته هذه حتى اكتسب مزيدا من الخبرة والمعرفة في امور الهندسة المعمارية، وذلك من دون دراسة في المعاهد او الجامعات الاكاديمية المختصة او اي جهة دراسية اخرى، ولكنه اخذها بجدارة من خلال عمله وممارسته، وتجاربه الواسعة في هذا المجال وخبرته المكتسبة عاما بعد عام، كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك برزت شهرته في الاعمال الانشائية والمعمارية، والمقاولات العامة، واعمال البناء المختلفة، ومع توسع عمله - رحمه الله - استقدم عدداً من المهندسين على مستويات عالية للاستفادة من خبراتهم ومساعدته في اعماله المنتشرة في انحاء المملكة.
وكانت السمعة الطيبة التي اكتسبها المعلم وهو يمارس عمله على نطاق ضيق، سبباً في ان يسعى الشيخ عبدالله السليمان اول وزير مالية في العهد السعودي - الى التعرف اليه ومعرفة امكاناته في انجاز بعض الاعمال التي تحتاج الى ملكات ذهنية عالية، وذلك بعد عودته الى جدة، حيث عمل معه، مع بداية مشروع الخرج في بداية الستينيات كمقاول المشروعات الصغيرة في ذلك الوقت، بعد ذلك اخبر الشيخ عبدالله السليمان الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بخصاله الحميدة، واعماله الناجحة التي انيطت به، والتي قام بها خير قيام، فاختاره الملك عبدالعزيز بأعمال انشاء القصور الملكية بالرياض.
وكلفه الشيخ عبدالله السليمان ببناء قصر خزام الخاص بجلالة المغفور له الملك عبدالعزيز في جدة، مع عمل مزلقان للقصر حتى تتمكن سيارة جلالته من الصعود عليه حتى باب القصر، وكان هذان المزلقان هما الاولان من نوعهما في المملكة، وقد وافق المعلم على القيام بهذه المهمة، مبديا ثقة كبيرة باتمامها على اكمل وجه، وفي الوقت المحدد.
واستطاع المعلم تنفيذ ما طلب منه وفق مقاييس عالية نالت رضا الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذي اعجب كثيرا باخلاصه وتفانيه ودقته في تنفيذ الاعمال التي يقوم بها، واعقب ذلك قيامه ببناء قصر بالحجر بالرياض، وهو الاول من نوعه، حيث كانت المباني بالرياض جميعها باللبن.
وعن تطور علاقته بالملك عبدالعزيز يرى الشيخ عبدالله بن سعيد هذه القصة: كان قصر الضيافة المخصص لضيوف الحكومة في الرياض في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - مبينا باللبن والطين على الطريقة النجدية، ولكن بشكل متطور قليلاً، ولما علم جلالة الملك عبدالعزيز عن زيارة الملك عبدالله بن الحسين للرياض طلب الملك عبدالعزيز الشيخ بن لادن.. وقال جلالته، يا بن لادن انني لا اشك في اخلاصك وتفانيك وعندي لك الشيء الكثير، وهذا القصر مبني على الطريقة القديمة، ولي طلب عندك، وهو اريدك تغيير هذا القصر تغييرا جذرياً وتجديده، بحيث يكون اشبه بالقصور والعمائر الحديثة، وذلك خلال عشرين يوما فقط.
فقال الشيخ بن لادن لجلالته: انا مستعد ولكن امهلني حتى اتشاور مع المهندسين والخبراء.
فقال له جلالة الملك: خير، ولكن أريد ان يكون الرد هذه الليلة وأريد وعدا دقيقا، لأن الملك عبدالعزيز لا يحب ان يخلف أحد معه وعده.. وبالفعل أجابه الشيخ بن لادن بأنه على أتم الاستعداد لذلك، وسوف يقوم بالعمل وتنفيذ ما طلبه جلالة الملك، وسيكون القصر جاهزا للاستعمال بإذن الله تعالى، وسوف يسلمه لجلالته بعد 21 يوما، فاستغرب جلالة الملك عبدالعزيز، وقال له: ماذا تنوي أن تفعل؟ فقال له الشيخ بن لادن سأقوم بخطة بحيث تكون العشرين يوما هذه بمعدل 60 يوما، وسوف أقوم بتوزيع العمل على فترات بين العمال، بحيث يستمر العمل طوال الأربع والعشرين ساعة، وطلبي الوحيد يا جلالة الملك هو توفير طائرتين (داكوتا) تحت تصرفي للمساعدة في احضار بعض متطلبات العمل من جدة، فوافق جلالة الملك عبدالعزيز.
وما كان من الشيخ بن لادن إلا أن أنهى العمل بإتقان، وسلم المشروع جاهزا على أبدع ما يكون في اليوم المحدد دون تأخير. فأعجب أشد الاعجاب جلالة الملك عبدالعزيز به، وافتخر بالشيخ بن لادن على ذلك الإنجاز الذي كان بسبب إخلاصه وتفانيه في أعماله".
أُعجب الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بحسن عمله وبصدق مواعيده، وخبرته، وأمانته فأمر جلالته الشيخ عبدالله السليمان بتسليم كامل مشروعات الحكومة وأعمالها إلى المعلِّم (المقاول) الشيخ محمد عوض بن لادن رحمه الله وكانت هذه بدايته في مشروعات الدولة المختلفة، وذلك سنة 1353ه.
كان المعلِّم مخلصاً وفياً لولاة الأمر، وكانت ثقة الملك عبدالعزيز الغالية محل اعتزازه، وكان إخلاصه له لا يوصف، فقد عهد إليه بانشاء القصور الملكية، واصلاحها في كل أنحاء المملكة من دون عقود تنفيذ، ولا أسعار محددة، بل يقوم بالعمل والصرف عليه حسب ما يراه، ويتقاضى نسبة مئوية على جميع ما صرفه عليها. فكان رحمه الله أمينا حريصا على أن يكون مستحقا لهذه الثقة، فكان يسجل كل ما يصرفه على المشروع، كما كان يأمر مدير مكتبه بقيد جميع تبرعاته ومصروفاته الخيرية على حسابه الخاص، وليس على حساب المشروع. ولا تزال هذه السجلات موجودة شاهدة على أمانة المعلِّم وصدقه مع من وثقوا به، ومنحوه شرف العمل على توسعة الحرمين الشريفين، والذي كان بالنسبة إليه أعظم ما قام به في حياته الحافلة بالعطاء.
ولما أظهره المعلِّم من إخلاص وتفانٍ في العمل، ودقة في التنفيذ، ولحاجة البلاد إلى خدمات أمثاله في مواقع المسؤولية المختلفة، أصدر الملك عبدالعزيز رحمه الله أمره السامي الكريم بتعيينه مديراً عاماً للعمائر والانشاءات الحكومية.
منهاج بن لادن في العمل
الحديث عن منهج المعلِّم في العمل، وطريقة تعامله مع الذين كانوا يعملون معه يكتسب مصداقيته، إذا جاءت من واقع التعايش الحي، لذا تركنا المجال فسيحا في هذا الباب لكثيرين ممن تعاملوا مع المعلِّم من كثب، من خلال علاقات العمل التي تبرز معدن الإنسان وحقيقة جوهره، لما فيها من مواقف مختلفة، كافية لكشف الجوانب الإنسانية في شخصية المعلِّم.
وسواء أكانت إفادات هؤلاء حية، أي كانت باللقاء المباشر معهم، أم قدموها مكتوبة، فإن المرء يستشف مدى الحب الذي يكنه هؤلاء للمعلِّم، ومدى اعتزازهم بأن حملتهم الأقدار ليعملوا معه، متقاسمين اللقمة، ومعايشين لحظات التحدي، ومداعبات الأمل، وأوقات جني الثمار، وهي بالنسبة إليهم اكتمال العمل في الوقت المحدد، وعلى النحو المأمول، ووفق ما وضعوه من معايير.
وأكثر ما يؤكده هؤلاء تلك الشفافية التي تعامل بها معهم المعلِّم. فهو لم يشعرهم يوما أنه صاحب العمل أو رئيسهم، الذي عليه أن يصدر الأوامر، وعليهم أن ينفذوا، بل كانت العلاقة إنسانية الطابع، شديدة البساطة، بعيدة عن تعقيدات الهياكل الادارية والتنظيمية، والبيروقراطية التي يعتقد كثيرون أنها النظام والانضباط، وهذا الطابع الإنساني هو ما جعل علاقات العاملين مع المعلِّم تمتد مع المؤسسة وأبنائه الى اليوم، بالطابع نفسه الذي قامت عليه.
لقد كان المعلِّم حريصا على اشعار من حوله بأنه قريب منهم، بمشاركتهم في السراء والضراء بما يستطيع، وكان يرى ان العاملين معه يمثلون أسرة واحدة، ينبغي ان يكون كل فرد فيها سعيدا وعالي الاحساس بزملائه، يسعد لسعادتهم، ويحزن لحزنهم.
وكان إذا شعر بأن أحدهم يحتاج الى مساعدة يقدمها له من غير ان يجرح كبرياءه، ليتقبلها كما يتقبل الأخ من أخيه العون والمساعدة عند الحاجة، وكان كل ما يقوم به من مساعدة يتم بسرية تامة، ومن دون أن يعرف عنه أحد شيئا حتى لو كان من المقربين منه. هذا الاسلوب في التعامل جعل كل عامل من العاملين يشعر بأن المعلِّم يخصه بتقدير، مما يساعد على ايجاد مناخ صحي للعمل، وتفانى كل واحد منهم في أداء المهام الموكلة إليه بدقة واتقان، وبدافع ذاتي.
سير الأبناء على خط المعلم
وكان وفاء الأبناء لأبيهم عظيما حين قرروا تكريم أولئك الذين عملوا مع أبيهم، وظلوا على وفائهم له، وقد كانت هذه السمة الانسانية دليلا على سير الابناء على خط المعلِّم الذي أبان لهم الطريق، ورسخ في نفوسهم قيم الوفاء لأهل العطاء، ولا تزال عباراته: "إن هؤلاء بعد الله سبحانه وتعالى هم سبب ما أنه فيه الآن من خير" تردد في دواخلهم وتدفعهم الى ان يوفوا من يعملون بإخلاص وتفان حقهم من التقدير والعرفان.
والشيخ خالد عندما يتحدث عن المعلِّم يستحضر كثيرا من المواقف التي تؤكد ذكاء المعلِّم وتعزز طريقته في التعامل مع المواقف المختلفة، فما قام به من تفكيك للمعدات حتى تعمل بين قمم الجبال على ارتفاع 2000م، وفي الوهاد والطرقات الوعرة والصعبة فكرة لا ترد إلا على خاطر من امتلك الذكاء، وأنار الله قلبه.
ويضيف: كان الرجل إذا حّمِيَ وطيس العمل، وازدادت وتيرته يكون قريبا من العمال، كأي واحد منهم، يشجع من تخونه شجاعته على ارتياد الصعب، ويكافئ من يخلص ويبدع في عمله، ويلمس بنفسه مدى ما يشعر به العامل من راحة أو انزعاج من دون اعتماد على تقارير قد تزين له واقعا لا يرضيه.
وهذه رواية أخرى توضح ان المعلِّم لم يكن يعرف المستحيل، وكان يرى ان الانسان بما منحه الله من عقل وارادة قادر على تخطي كل التحديات، فقد كان "تنفيذ طريق الكر كالحلم.. لم يطرأ على بال احد ان يخترق هذه الجبال العالية طريق ممهد.. او ان تسير السيارات عبر كباري وفوق أودية، وعلى كهوف من الاحجار الصلبة.. ولكن العزيمة التي كان يتمتع بها الملك فيصل رحمه الله كانت اكبر من هذه الصعاب التي بدت في أول الامر حلما من الاحلام.. واستطاع المعلِّم ان يحقق هذه الامنية التي جالت بخاطر الملك الراحل، من أجل تحقيق مزيد من الربط بين اجزاء المملكة، تفعيلا للنشاط الاقتصادي، وتسهيلا لحركة النقل البري، وهناك من الأسباب ما ذلّل هذه الصعاب في زمن كانت الامكانيات فيه محدودة، فالمصانع لم تكن تنتج حينها بعد معدات تكتسح الصخور، وتقهر الصعب لتعبّد طريقا، كانت فكرة السير عبره ضربا من الخيال.. ولكن قوة الارادة ومضاء العزيمة صنعتا ما كان يشبه المعجزات.. والحاجة أم الاختراع كما يقال.. لقد عكف المعلِّم رحمه الله على ابتكار الوسائل التي كانت بدائية لانجاز هذا المشروع الخلاق.. استعان بكتل من الاحجار لقهر الاحجار.. واستعان بمعدات تهيئ العبور لغيرها من المعدات.. واستعان قبل ذلك وبعد ذلك بالتوكل على الله أولا، ثم على رجال ركبوا الصعب للوصول الى الهدف المنشود.. وهناك قصص مصاعب اعترضت الطريق، ولكن قوة التحدي كانت تحطم المعضلات.. اندفعت آلة يقودها أحد العمال في أثناء العمل لانجاز مهمة من هذه المهمات الصعبة، لكن شاءت ارادة الله أن تهوي الآلة بالعامل، ليلاقي ربه، فخلق هذا الحادث نوعا من التردد لدى غيره من العمال، فما كان من المعلِّم إلا أن قفز الى داخل إحدى الآلات ليقوم بنفسه بتشغيلها، وينجز المهمة بسلام.. محت هذه المبادرة منه ما ساد وسط العمال من تردد.. بعد ان تيقنوا أن ما حدث لزميلهم كان قضاء الله ولا راد لقضائه".
رباطة الجأش
وكانت رباطة جأش المعلِّم مضربا للمثل، ومحل اعطاب العاملين معه فقد كان رحمه الله شديد التوكل على الله، ولا يهاب الموت، وقد صادف ان كنت معه بطريق الهدا عدة مرات، وكانت تجرى بعض التفجيرات لنسف الصخور بالديناميت، وفي العادة فإن جميع الموجودين بالموقع يتدافعون هربا من التفجيرات، وما يتبعه من تساقط الصخور، ما عدا المعلِّم الذي كان يبقى بالموقع الى آخر لحظة، ويلجأ قبل ثوان من التفجير، ليقف في ظل احد التراكتورات أو الآلات الموجودة بالموقع، وبعد التفجير يعود الى المكان كأن شيئا لم يحدث، وهذا يدل على قوت شجاعته، وتوكله على الله.
احقاق الحق
يوم من الأيام غضب المعلِّم غضبا شديداً لم يعتده القريبون منه، عندما علم ان رواتب العمال تأخر صرفها في شهر من الشهور، فثار على مسؤولي المالية، واصدر اليهم أمراً لا يحتاج إلى إيضاح أو تلكؤ في تنفيذه. فقد نطق بكلمات صادقة نابعة من قلبه ظل يؤكدها في كل موقف مماثل: "إن كل ما أحصل عليه من مال هو من عرق هؤلاء العمال"، وهو يتمثل في هذا الموقف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه". هذه القيمة الانسانية التي عبر عنها المعلِّم بكلمات بسيطة، استدعت في زمننا هذا قيام مؤسسات تعنى بحفظ حقوق الانسان، والدفاع عن حقوق العمال البسطاء.
ويقول الشيخ عبدالله سليمان بن سعيد عن إنسانيته في التعامل مع العمال: "عندما كنا نعمل في (ريع كدي) عام 1384ه. كنا نصلي الفجر في الحرم، ونذهب للعمل في وقت مبكر نحن والعمال، وعندما تشتد الحرارة بنا نتعب، ويتعب العمال معنا، فإذا به يشغل نصفهم، ويريح النصف الآخر، وهكذا بالتناوب حتى يستطيع العامل الاجادة والانتاج، بعيدا عن الارهاق والشدة".
نيل شرف التوسعة
تفصح الأرقام والإحصاء وحقائق الواقع ما لقيه الحرمان الشريفان في العهد السعودي من اهتمام بالغ لم يحظ به في اي عهد من العهود وتمثل ذلك الاهتمام في العناية بعمارته وتوسعته وتوفير المرافق والخدمات وتهيئة كل وسائل الراحة والامن للحجاج والمعتمرين والزوار.
وهذه الخدمة العظيمة للحرمين الشريفين ظلت ممتدة ومستمرة منذ ان اقام الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - قواعد المملكة العربية السعودية على الشرع الحنيف المستمد من كتاب الله الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر استوجب ان تكون الرعاية الاولى للحرمين الشريفين بوصفهما مهوى افئدة المسلمين ومصدر عزتهم ومنبع هويتهم.
وكان من فضل الله على المعلِّم محمد بن لادن ان حاز على ثقة القيادة قبل البدء في سلسلة التوسعات التي بدأت منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله وامتدت في كل عهود ابنائه الذين واصلوا ما بدأه والدهم فجاءت التوسعات في كل عهد بما يناسبه من حيث المساحة المستخدمة ووسائل الراحة والامان المستحدثة.
اهتمام الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بالمسجد الحرام
اهتم الملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله - بالمسجد الحرام منذ بداية عهده ففي سنة 1344ه اصدر تعليماته بترميم المسجد واصلاح ما ينبغي اصلاحه وانشاء مظلات واقية كما وجه رحمه الله بعمليات ترميم اضافية في سنة 1354ه.
وكان حريصاً على أن تتم توسعة الحرم المكي الشريف وعمارته بما يليق بمكانته وبما يتناسب مع تزايد اعداد المسلمين من الحجاج والمعتمرين والزوار الذين يفدون الى الاراضي المقدسة على مدار العام.
ولكون خدمة الحرمين وزوارها شرفاً كبيراً ومنَّة من الله على المملكة - رحمه الله - يعمل على توظيف كل الامكانات التي تُسهَّل على المسلمين تحقيق امنياتهم بزيارة الحرمين الشريفين واداء المناسك بيسر كما وضع - رحمه الله - تصورا لما ينبغي ان تتم من توسعة في المسجد الحرام في الوقت الذي كان العمل يجري على قدم وساق لتوسعة المسجد النبوي الشريف.
وتمثلت اللبنة التي وضعها الملك عبدالعزيز عملياً في تكليفه - رحمه الله - الشيخ محمد عوض بن لادن بمسؤولية وضع التصميمات اللازمة لتوسعة المسجد الحرام وكعهده بدأ المعلِّم على الفور بتنفيذ هذا التكليف الذي كان يراه شرفاً لا يدانى وذلك بأن عهد الى كبار المهندسين والمعماريين في العالم العربي بوضع التصميمات التي كانت جاهزة بالفعل مع مطلع سنة 1375ه.
ولم يعش الملك عبدالعزيز رحمه الله ليرى امنيته واقعاً ولكن أتم أبناؤه البررة ما قام به من خطوات وأسهم كل واحد منهم في هذا العمل ونال شرف خدمة الحرمين حسب ما توافر له من امكانات ووفق ما اقتضت المرحلة.
فبعد ان اتم المعلِّم تنفيذ عملية توسعة المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة بنجاح كبير نال اعجاب المسلمين في كل انحاء الارض وتقديرهم مؤكدا استحقاقه الثقة الغالية التي منحها اياه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ومن بعده الملك سعود بن عبدالعزيز رحمهما الله كان على موعد مع مهة أكبر وأعظم الا وهي توسعة المسجد الحرام بمكة المكرمةوتأتي التوسعة وفق مواصفات فنية دقيقة تحافظ على ملامح العمارة القديمة على الا تعوق اعمال التوسعة حركة المصلين والمعتمرين والزوار والحجاج وخصوصاً ان فترة التنفيذ كانت طويلة.
بساطة المعلِّم
وكانت البساطة التي تغلف سلوك المعلِّم معه تتبدى في علاقته بالشيخ بامفلح الذي كان من الاكفاء المتميزين في اداء العمل ومن الذين استوعبوا نهج المعلم وأسلوبه في العمل فكان له ناصحاً امنياً اما الشيخ صدقة ابوزيد فقد كان من الذين نالوا ثقة المعلِّم لبساطته وطيبة نفسه وصدقه في ابداء ارائه واسداء نصائحه وكان وكل اليه المهام التي تدخل في نطاق اعمال البر والاحسان.
وكان الشيخ اذا سئل عن الاسباب التي تجعله يقف بين العمال يعمل معهم ويشاركهم تعبهم وهو يقف بين التركورات والاتربة والغبار كأنه واحد منهم وليس مالك كل هذه الامبراطورية الضخمة من المعدات والالات والاجهزة والمشروعات التي علم بها القاصي والداني كان - رحمه الله - يرد بعبارة بسيطة في كلماتها عظيمة في دلالاتها "انني لا أشقى من أجل الثروة لان الله هو الرازق وقد انعم عليّ ولكني أنظر الى من يأكل عيشاً من ورائي فمثلا عندي الاف العمال يشتغلون معي فكم يا ترى يعولون هم ومن وراءهم واني انظر اليهم لان ربي قد سخرني لهم ومن أجل هذا فإنني اضحي بكل ما املك لكي اعيش ويعيش معي هؤلاء بوجود الاعمال لهم وتشغيلهم ليرتزقوا والرزق من الله سبحانه وتعالى ما دام انه أعطاني.
فهو - اذن - لا ينظر الى نفسه بقدر ما ينظر الى هؤلاء العمال الكادحين الذين تفتح لهم ابواب الرزق كلما اكرمه الله بمشروع وهو يرى ان من اسباب سعة رزقه هو هؤلاء العمال الذين يعيشون من عرق جبينهم ويعولون اسراً ويعالجون مرضى ويعلمون ابناء وبنات وينظرون بعين التفاؤل الى مستقبل افضل لهم ولابنائهم وهذا افضل من الله ونعمه عليه ان يشكر الله عليهما لانه هيأ له القيام بعمل جليل فيه خدمة لبعض عباده ومن باب الشكر ان يشارك هؤلاء العمل ويتقاسم معهم التعب ليظل قريباً منهم ليشعر بهم وبما يعانون متلمساً كل وسيلة من اجل اسعادهم ولاشك ان ديمومة العمل من أهم أسباب السعادة لهم ولمن يعولون.
حبه للثقة في التعامل
وكان المعلِّم يحب ان يكون بينه وبين المتعاملين ثقة وكان يرى ان هذه الثقة تؤسس لعمل منتج يشارك فيه القائمون عليه ويستفيدون منه، ومن المواقف الدالة على كراهيته لغياب هذه الثقة ان المعلِّم كان في ضائقة مالية وحضر مسؤولون من البنك الذي كان يتعامل معه بمبالغ كبيرة وشعر انهم جاءوا يطالبونه بتسديد المبالغ التي تجاوزت الحد المتفق عليه وعندما بدأوا بالحديث لاحظ منهم تخوفا من انه قد لا يستطيع تسديد المبالغ فأبدى استياءه منهم وطلب من مديره المالي تحديد المبلغ المطلوب منه للبنك وأمره أن يكتب شيكاً بكامل المبلغ المطلوب في الحال على بنك آخر وأغلق حسابهم مع الشركة في الحال وعندئذ شعر مندوبو البنك يملك حساباً ببنك آخر ويستطيع ان يسدد لهم المبلغ الذي يطالبون به وبادروا الى الاعتذار له على تصرفهم وحاولوا ارضاءه بكل السبل وابدوا استعدادهم للاستمرار في دفع ما يطلبه.
رجاحة العقل
وكان المعلِّم بفضل استغراقه في عمله واطلاعه على كل تفصيلاته يدرك احتياجاته ويفكر دائما في مواجهة المشكلات التي يواجهها مهما كان حجمها ومن المواقف الدالة على حسن تدبيره ورجاحة فكره في كل ما يتعلق بعمله ان مندوبين قد حضروا من شركة اشكوش وهي شركة امريكية متخصصة في انتاج السيارات الثقيلة بل انها من اشهر شركات صناعة السيارات الخاصة بالنقل البري وقد عرض عليه هؤلاء ان يزودوا شركته بسيارات لنقل الالات الثقيلة من تركتورات وخلاطات وغيرها وعرضوا سيارات تجر مقطورات الا ان المعلِّم اخبرهم بلطفه المعهود ان طبيعة عمل الشركة تتطلب سيارات لواري ذات قطعة واحدة من دون مقطورة لتتناسب مع طبيعة عمل الشركة لنقل الالات من مكان الى آخر على طرق وعرة لم تكن معبدة وابدى ملاحظته الخاصة بأن السيارات ذات المقطورة تكون بالعادة بطيئة ومنخفضة ولاشك انها ستكون اكثر بطئا في الاماكن الوعرة الى جانب سهولة تعرضها للعطب بسبب ما ستواجهه من صخور واحجار ولذا اقترح على الشركة سيارة لوري حمولة 50 طناً على ان تكون سريعة الحركة وتقوم بمهمة نقل المعدات بسرعة ومن دون عناء.
وقد افادت الشركة بأن مثل هذه السيارة لا تنتجها المصانع الامريكية ويصعب انتاجها ولكن اصر المعلِّم على ان يحاولوا انتاج مثل هذه السيارة واغراهم بتقديم عرض يتمثل في شراء 25 سيارة منها دفعة واحدة وامام هذا العرض المغري جندت الشركة جميع طاقاتها الفنية لتلبية هذا الكلب وعادوا بعد مدة ليخبروه بأنهم استطاعوا تصميم سيارة بالمواصفات المطلوبة وكانت اول سيارة من هذا النوع تنتجها الشركات الامريكية وكانت بالمواصفات التي حددها لهم المعلِّم وهي بقدر ما تناسب مناخ المملكة فإنها تناسب دولاً تماثل المملكة في مناخها وطبيعتها وتم طلب 25 سيارة من هذا النوع وبعد مدة وصلت الكمية الاولى منها وكانت فعلاً قيمة وملبية للاحتياجات وسهلت نقل المعدات بصورة سريعة وافادت الشركة ان الفضل في انتاج هذه السيارة يعود الى فكرة المعلِّم واصراره على انتاجها وقامت شركة امريكية اخرى بانتاج سيارات بالمواصفات نفسها واصبحت ذائعة الصيت وبذلك يكون المعلِّم قد فتح لهذه الشركات آفاقا واسعة.
وفي شهادة معالي الاستاذ محمد عمر توفيق وزير المواصلات - رحمه الله - التي جاءت عن "ابن لادن: الأمي.. المعلِّم" كثير من الاجابات عن سر نجاح المعلِّم واسباب نيله ثقة المقام السامي واسلوبه الفريد في العمل، وتحدث معاليه عن المعلِّم حديث العارف وهو الذي لم يكن يعرفه جيداً لعزوف الرجل عن الظهور تحت الاضواء مع ان الاعمال العظيمة التي كلف بها تقتضي ذلك من آن الى آخر الا ان الرجل كان يترك انجازاته تتحدث ولا يلتفت الى ما قد يثار حوله من تساؤلات كيف لهذا الرجل الامي ان يبلغ كل هذه المكانة؟ كيف له ان يقيم كل هذه المشروعات؟ كيف استطاع ان ينال ثقة ولاة الامر ويحظى بتشريفهم له بإنجاز مشروعات عظيمة كتوسعة الحرمين الشريفين؟ بل كيف له ان تتخظى انجازاته حدود البلاد؟ تساؤلات كثيرة مثل هذه كانت تدور في اذهان بعض الناس كما يفهم من حديث معالي الاستاذ محمد عمر توفيق ولكن من عرفوه من قرب ومن لمسوا انجازاته على ارض الواقع كانوا يعرفون حقيقة معدن المعلِّم ولم يتسن للكثيرين فرصة الحديث عن الرجل الأمي الذي انتظمت اعماله ومشروعاته كل مناطق المملكة وتجاوزتها الى خارجها ولكن من تحدثوا عنه كانوا لسان حال لهؤلاء فقد تحدثوا عنه وهو لم يملك لهم ضراً ولا نفعاً ولكن كانت احاديثهم وفاء لمن قدم واعطى واجزل العطاء مرضاة لله ثم اخلاصا لمن وثقوا به، ولعل المقام يقتضي ان يكون لمقال الاستاذ محمد عمر توفيق مجال لتوضيح جوانب من صورة "ابن لادن.. الأمي ..المعلِّم":
وقد نجح المعلِّم وشق طريقه على يد الوزير "عبدالله السليمان" في خدمة الملك "عبدالعزيز" رحمهم الله جميعاً.. وفي الخدمات والمشروعات التي كلف بها فكان من الناجحين وهو "أمي" وليس ذلك على الله بمستبعد خصوصاً بعد ان كان سيد الخلق - صلوات الله وسلامه عليه - سيد الأميين.. كما انه ليس بالمستبعد ايضا ان يرده ما قد يرد غيره من سوء ظن الناس بل ان سوء الظن بمثله اقوى منه بالمثقفين الذين يبدو انهم لا يفتقرون الى عوامل اضافية للنجاح بعد العلم وما ينبغي ان يفيد منه المثقف وما ينبغي ان يكون إذا صدقت وأفلحت الثقافة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.