قرأت ما كتبه الأخ عبدالعزيز بن محمد السحيباني تحت عنوان: حول مواجهة التركي للعبودي - بعض الرجال تسجل سيرهم بمداد من نور وأعمالهم بصفحات من ذهب، وذلك في العدد 11419 يوم السبت الثالث من يناير 2004م وقد أثلج قلبي ذلك الوفاء.. والوفاء من شيم الكرام وهو مبدأ الإنسان الأصيل. وما دعاني للكتابة قول الكاتب: «إنه يندر في زماننا هذا التواضع الاستثنائي من شخص لا يريد منا جزاءً ولا شكوراً». فيا أخي عبدالعزيز عذراً وأستبيحك العفو في أن أكتب اعترافي بالجميل وبصدق الأمانة أمانة الكلمة التي غرست في أعماقي.. نعم، ألا يحق لتلميذ ان يعترف بفضل معلميه، لقد صدق ذلك الوفي حين قال: قم للمعلم وفه التجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا وأنا هنا إذ أمسك بقلمي لن أخجل إذا قلت: مَن علمني حرفاً صرت له عبداً، وسوف أرفع رأسي شامخاً باعترافي بل هو شرف أعتز به. قبل اعترافي ان تاريخ الأدب قد احتفظ بالنصيحة التي قدمها أبو تمام الطائي الى تلميذه البحتري وضمنها ثمرة تجربته في اصول النظم، فطبق البحتري الوصية وتقيّد بها حتى قيل: إنه فاق استاذه وتقدم عليه.. وفيما يخصني من الوصايا ما قالته لي أمي - رحمة الله عليها- وهي التي مارست التربية وتعليم القرآن الكريم في ابنائها وجميع بنات الاحساء قبل المدارس النظامية فهي المعلمة «أي مطوعة الحي» قالت: يا بني جالس الرجال فإن الرجال مصانع.. واكتفت.. لكنني يومها لا أزال في فجر حياتي الكتابية النثرية - لا أقول الأدبية - لكنني أتلمس الدرب وأمشي بخطى حذرة ولكنها سريعة حينما بدأت العمل الصحفي في جريدة الجزيرة مع رجالها الذين ادركتهم حرفة الأدب، فكونت عندهم حصيلة التجارب واكسبتهم ممارسة الصحافة الأدبية ألواناً من الخبرات التي أطمع دائماً أن تكون مسلكي وطريقي. هؤلاء الرجال هم الشيخ القدير صالح العلي العجروش، فتح أمام عيني أساليب الإدارة الناجحة، والأستاذ الفاضل خالد بن حمد المالك رئيس التحرير الذي أراد لي كل الخير حينما سألته: هل كل ما سأكتبه ينشر؟ لكنه فاجأني بسؤال: هل تهذب وتنقح ما تكتب أم تتركه غفلاً؟ فقلت له: إن ما أكتبه هو المسودة والمبيضة بآن واحدة.. وما حاجتي للإعادة والمراجعة واستبدال العبارات.. انني مقتنع بما أكتبه، إن من يعيد الكتابة هو يتلكأ ويضطرب ولا تخرج اللفظة إلا بعد مخاض طويل. كنت يومها أتكلم بثقة الشاب الدائب الطموح واعتداد الفتى الغرير الذي لم تصقله التجربة ولم تشذّبه السنون.. وكان استاذي خالد الصحفي القدير يصغي بصدر رحب لهذه الحماسة التي تغلف كلماتي بعدها قال ويا ليته أطال: أنت يا صالح تمثل الدور الذي مثله من قبلك العشرات بل المئات من الكتاب الذين قدر لكتاباتهم ان تحيا.. اتئد لا تأخذك حماسة الملتهب ولا تحملك اعصابك القلقة على العصر ونزقه وتوتره.. ثم أردف أطال الله عمره: هوّن عليك ولا تكن عجولاً فالمستقبل كفيل بأن يُنضج الثمرة الفجة ويحيلها سكراً حلو المذاق.. ولا تبتعد رغم ان الساحة مليئة بالمجربين وأصحاب الخبرة الصحفية فإخوانك في هذه الجريدة كثيرون شاورهم واكسب منهم، خذ مثالاً: عثمان العمير، محمد الوعيل، حمد القاضي.. وغيرهم من ارباب القلم وأعلام الأدب. نعم، أعترف من يومها بوصية أمي - تغمد الله روحها الجنة- نعم ثم نعم الرجال مصانع.. ولا زلت ألتمس النصح والتوجيه. وقبل ان أختم اعترافي بالجميل أعود للكاتب عبدالعزيز السحيباني.. بفضل الله زماننا ارتباط بزمان الأباء الأفاضل.. فلن يخلو من الذين ستسجل بل سُجلت سيرهم بمداد من نور وأعمالهم بصفحات من ذهب.. وبلادنا مليئة بالمخلصين نتلمس الدرب الذي سلكوه فلهم منا الوفاء.