إذا كنت تعشق القراءة وتبدأ صباحك كل يوم بمطالعة الصحف وقراءة مقالات كبار الكتاب وصغارهم، المجتهدين منهم وأصحاب المواهب، المتفقين معك أو المختلفين، فبالتأكيد أو من المحتمل جداً أن مقالات هذا الرجل هي أول ما تقع عليه عيناك ويتحفز له عقلك وينبض به قلبك، ولم لا والرجل الذي تقرأ له مثل الطباخ الماهر الذي يعد لك كل صباح وجبة تحمل خفة الإفطار والعشاء ودسامة الغداء وصالحة بكل تأكيد لتفطر بها بعد يوم صيام طويل. تقرأ له فتعرف وتستفيد وتستمتع وتتحفز وتتفاءل وتبحث وتندهش ومن غيره قادر على تصدير هذه المشاعر لك في كل صباح. وإذا كنت من هواة الكتابة أو تمارسها باحتراف، تريد من ورائها الشهرة أو تسعى من خلالها لأداء رسالة، تتفرغ لها أو تمارسها على هامش نشاطك، تجيد فنونها وتملك أسباب التميز فيها أو تمارسها بقدرات محدودة ومخزون ضحل، في كل الأحوال لن تستطيع أن تمنع نفسك من مطالعة مقالات الرجل باعتبارك قارئا أو تلميذا أو من يبحث عن شيء ما تستفيد منه ولو كان أو كلمة. وإذا لم تكن كاتباً يثق في قدراته حتى ولو كانت محدودة ويتعلم من غيره ولا يحقد عليه، فسيصيبك الرجل وكتاباته بحالة من الإحباط الشديد وربما تتخذ قرارك بالانسحاب من ميدان الكتابة والتحول الى مقاعد القراء والتفرغ فقط لقراءة ما يكتبه هذا الرجل. هو أنيس منصور المملكة ولا شك وهو ذاته يصرح بأنه تأثر بمدرسة الكاتب الكبير وإن كان الرجل لم يسع لاستنساخ كتاباته أو سرقة أفكاره ولكن سار على دربه في روعة الفكرة وعمق الطرح وبساطته وسحر الأسلوب فكانت النسخة السعودية المبهرة. هو رجل يستثمر أمواله في التجارة والصناعة ويستثمر عقله وقدراته الذهنية والفكرية في مجال الفكر والمعرفة، وهذه النوعية من الرجال هي التي تصنع التقدم وتطور المجتمع، يخاطب الانسان بمفردات ترتقي بمشاعره وخياله ويخاطب المجتمع بحقائق ترتقي بقدراته وتدعمه. سر صنعته يصرح به للجميع (أنا انسان عاشق للقراءة والاطلاع) ومن يعشق القراءة والمعرفة ويطاوعه قلمه في التعبير عما يعرف وعما يدرك لا بد أن يبهر ويدهش. كبير هذا الرجل للدرجة التي تمنعه من السقوط في مستنقع النقد الهدام أو التجريح أو الاقتصاص بالشتائم وسيئ الكلام فيصل بفكرته ورأيه بأدب جم، يسانده في ذلك قلم تنزه عن الخوض في نقائص العباد. مكنته اجادته للغات أجنبية من تجاوز حدود البيئة والمكان ليصحبك بين فينة وأخرى لمواطن شهدت قصصا وحكايات ما كنت تعرفها لولا غرامه بالإبحار وتمكنه من السباحة في بحور بعيدة والرسو على شطآن ربما لم يصلها كاتب. مَرِن هذا الرجل ولذا تخلو جوانحه من العقد والتعقيدات وهو ما كفى قراءه ومحبيه شر كاتب منكفئ على ذاته وأكسبهم خير كاتب تفتح عقله فاتسع قلبه واستوعب قلمه الجميع. والأجمل في هذا الرجل أنه يبهرك عندما يكتب ويبهرك أكثر عندما يتحدث فلا فواصل ولا مساحات بين شخص يكتب على أوراق ويتحدث على الملأ ومن على المنصة فالقلم والميكروفون بيديه مثل الريشة بيد الرسام الماهر. كان يستطيع هذا الرجل بإمكانياته وبمشروعاته وبقلمه أيضاً أن يجلس في برجه العاجي ويتفضل علينا كل صباح بكلمات نصح وارشاد وتوجيه ولكنه أبى إلا أن يكون بين الناس يشعر بمشكلاتهم ويتعرف على آرائهم والأكثر من ذلك قيادتهم ومشاركتهم في مشروعات تطوعية تضيف قيمة لهم وللمجتمع بأكمله. ماذا لو غاب الرجل وجف مداد قلمه؟ ماذا لو غربت شمسه التي تسطع في كل صباح على صفحات صحفنا اليومية؟ ماذا لو غرق البحار وماذا لو فقدت سفينة الكتابة قبطانها الأهم والأقدر؟ ماذا لو مات نجيب الزامل (كأني اسمعه الآن يتمتم: يجعل يومك قبل يومي يا ولد الرشيد) هنا ربما يجد الآخرون فرصة للاسترزاق فنجيب (اللهم لا حسد) يكتب بالعربية والانجليزية وفي عدة صحف؛ في وقت يبحث فيه غيره عن مربع أو ربع عمود. بغياب قلمه سيتخلص هواة الكتابة وصغار محترفيها من الشعور اليومي بالاحباط وقلة الحيلة. سنجنب عقولنا عناء التفكير اليومي الذي يجبرنا عليه نجيب وسنوفر الوقت الذي نقضيه في مناقشة ما كتب وما أبدع. ستتخلص جهات من نقد في الصميم وبذوق وأدب يمنعها من الهجوم على شخصه أو رد الصاع صاعين. ستتخلص صحف منافسة للصحف التي تحتضن مداد قلمه من مساحة تسبب لها الأرق وتعطي لها ميزة تنافسية بابحار نجيب على صفحاتها. وأخيراً ستجني صفحات العزاء الملايين فالصغير والكبير والغني والفقير والصديق والعدو سينعاه وينعى قلمه وفاء له ولقلمه الذي ما فتئ يكتب عن الأحياء والأموات مذكرا بفضلهم وناشرا لمحامدهم وسيرهم الطيبة والمباركة. وبالرغم من كل هذه المنافع التي ستنتج عن ذلك أدعو ربي راجيا ان يطيل بعمر وقلم كاتبنا الكبير لأنه رجل بار بوالديه واصل لرحمه والبر والصلة مما يزيدان في العمر؛ ولأنه كاتب والواقع يقول إنهم من أطول الناس عمرا؛ ولأن العنوان المقصود والحقيقي هو: نجيب الزامل.. يارب إنك تموت «فيني» مثل ما أنا أموت فيك وفي قلمك وإبداعاتك.