هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    إطلالة على الزمن القديم    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله عبدالجبار .. موطن للرأي المستنير وأول ومضة ضوء ساطعة في الساحة الفكرية والثقافية (7 - 7)
نشر في البلاد يوم 13 - 01 - 2009

رغم إنقطاع الاستاذ الكبير عبدالله عبدالجبار عن الكتابة والظهور في المحافل الادبية مدة طويلة، إلا انه ظل محور الدراسات الادبية والنقدية حتى يومنا هذا.. فكتابه الاول التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية - بجزئيه - عن الشعر والنثر.. ظل المرجع الاول لكل الدراسات النقدية والمؤرخة للأدب السعودي..ولذلك فقد خصص الاستاذان محمد سعيد طيب وعبدالله فراج الشريف الجزء السابع والاخير من الموسوعة التي قاما بتأليفها عن الاديب عبدالله عبدالجبار حيث شمل هذا الجزء كل ما كتب عنه والموسوعة قامت بطباعتها مؤسسة الفرقان برعاية معالي الشيخ احمد زكي يماني التي عنيت بنشر المجموعة وحرصت على توفير كافة الامكانات حتى ظهرت بهذا المستوى. وقد شمل الجزء السابع من الموسوعة كافة الاقلام التي تناولت ادبيات الكاتب والاديب عبدالله عبدالجبار والتي نقتطف منها بعض ما كتبته تلك الاقلام حيث قال د. نبيل راغب في كتابه اصول التنوير الفكري - دراسة في منهج عبدالله عبدالجبار -
يشكل منهج التنوير الحضاري اصلا حيويا وضروريا من اصول التنوير الفكري عند عبدالله عبدالجبار، فهو من الكتاب والمفكرين والنقاد ذوي النظرة الشاملة التي تسعى الى رصد الحياة بكل عناصرها ومعطياتها وتفاعلاتها، فعندما يتعرض للنقد الادبي مثلا، يرى ان الادب لا يصدر عن فراغ حضاري او اجتماعي او ثقافي وانما يتخذ مادته الخام من كل هذه العناصر، ومن هنا كانت الخاصية المحلية او الاقليمية او القومية التي تميز ادب أمة ما عن آداب الامم الاخرى. وهذا الوعي الحضاري الذي لابد ان يتسلح به الناقد لا يعني انه يتخذ من الادب مجرد مرآة مسطحة او نسخة مكررة من الحياة تتمثل قيمتها الفعلية في قضايا المسح الاجتماعي، بل يرى عبدالله عبدالجبار ان للادب قيمته الفنية والجمالية النابعة منه وهي قيمة لابد ان يركز عليها الناقد، مستعينا في ذلك بوعيه بالخلفية الحضارية التي نبع منها هذا الادب، لكن دورها يظل قاصرا على القيام بوظيفة الخلفية ولا يسمح لها بالسيادة على الاصول الفنية والجمالية للادب، والا انجرف الاديب او الناقد الى القيام بدور المؤرخ او عالم الاجتماع والانثربولوجيا وهي ميادين ليست من تخصصه وان كان من حقه ان يستفيد بانجازاتها العلمية سواء في مجال الابداع الادبي او التحليل النقدي.
وعندما يستفيد الاديب او الناقد من هذه الميادين فانها تظل في نظره مجرد ادوات ووسائل تهدف الى غايات لابد ان يصل اليها ويحققها وهي تتمثل في ابداعات الادب الانساني الذي يتخذ من مراحل الحياة العابرة والطارئة مادة خام لاعمال ادبية تخلدها من خلال صمودها لاختبار الزمن، او كمال ارسطو في كتابه "فن الشعر": الانتقال من الخاص الى العام والخروج من المؤقت الى الدائم.
واذا كان من حق المؤرخ او عالم الاجتماع والانثروبولوجيا ان يتخذ من الاداب والفنون مجرد دلائل على ظواهر تاريخية او حضارية او اجتماعية معينة، فان من حق الاديب او الناقد ان يتخذ من الظواهر التاريخية والحضارية والاجتماعية مجرد مؤثرات او مؤشرات ساهمت في تشكيل اتجاهات او مدارس او مذاهب ادبية معينة لكن هذه المذاهب تجاوزت هذه المؤشرات لكي تبدع لنا اعمالا ادبية تملك الحياة الذاتية الخاصة بها كما تملك القدرة على الصمود في وجه متغيرات الحياة الاجتماعية التي لا تهدأ ولا تتوقف ابدا.
وبرغم استفاضة عبدالله عبدالجبار في تحليل الخلفية الحضارية والتاريخية والاجتماعية في كتابيه "قصة الادب في الحجاز في العصر الجاهلي" و"التيارات الادبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية" فان نظرته النقدية الموضوعية لم تشرد بعيدا عن الهدف النهائي لدراسته الادبية والذي يتمثل في رصد وتحليل التيارات الادبية سواء في العصر الجاهلي او العصر الحديث، لكنه عندما يتعرض في كتابه "الغزو الفكري في العالم العربي" للاستعمار الانجليزي والفرنسي والايطالي والبهائية وحركة القوميين السوريين وغزو الكيان اللغوي وكيفية مقاومة هذا الغزو فانه يتسلح بأدوات المفكر الحضاري والاجتماعي والانثروبولوجي التي تتخذ من الادب واللغة وسائل لتسجيل معالم الخريطة الحضارية في العالم العربي.
وعبدالله عبدالجبار يملك ادوات الناقد كما يملك مناهج الرصد الاجتماعي والتحليل الحضاري شأنه في ذلك شأن كبار النقاد الذين تركوا بصماتهم واضحة على ثقافة بلادهم مثل ماثيو ارنولد وت. س إليوت ولوسيان جولدمان ورولان بارت وغيرهم.
كتابه التيارات الأدبية جهد جبار
ولا يخلو من الملحوظات
الأستاذ الدكتور/ عبدالله الحامد
يعد الاستاذ عبدالله عبدالجبار رائدا من رواد الحركة النقدية في المملكة لكونه أول من اخرج كتابا نقديا بهذا القدر الكبير من الجرأة والمنهجية، ومع ما يمتاز به من ثقافة واسعة وعميقة استطاع من خلالها ان يقدم للحركة الادبية جهدا مهما لدراسة الادب السعودي واتجاهاته، ويمثل ذلك الجهد في كتابه التيارات الادبية في قلب الجزيرة العربية الذي يعد أول دراسة منهجية صدرت عن الشعر سنة 1379ه واصله محاضرات القاها على طلبة قسم الدراسات الادبية واللغوية في معهد الدراسات العربية المالية ويقع في (370) صفحة، وهي دراسة وصفية وكما يقول فقد اجل الدراسة الفنية الى مجال دراسة الشخصيات الادبية في النثر لكنه لم يفعل.
وقد ذكر الاستاذ عبدالله عبدالجبار ان غرضه من التأليف هو الشريف ب(ادب مجهول) لكي يضع معالم ومشاعل يهتدي بها الدارسين والمؤلف صادق في زعمه واقعي في تقويم عمله ومنهج المؤلف حسن وان كانت تقسيماته غير دقيقة حسب المنهج العلمي والترتيب المنطقي للمسائل.
ومن أهم الملحوظات المنهجية على الكتاب اطالة المؤلف في فصول التمهيد.
فبعد مرور اكثر من مائتي صفحة من صفحات الكتاب البالغة (863) صفحة عقد المؤلف عنوان التيارات الادبية واثرها في الشعر وهذا يعني انه يرى ان ما سبق تمهيد وهذا عيب في التأليف.
ومن الملحوظات طول نصوص وشواهد الشعر ومنها تقسيم المؤلف تيارات الشعر الى ثلاث شعب، او تيارات (الكلاسيكي، الرومانسي، الواقعي) جريا على تقسيم الاوروبيين لادبهم، ولقد اعترف المؤلف نفسه بأن طتبيق هذه المذاهب على الادب العربي غير سليم وادرك السبب عند استشهاده بقولة الدكتور محمد مندور ان الدعوات النقدية لا تستطيع وحدها ان تخلق المذاهب وانما نخلقها قبل كل يء تيارات الحياة بضروراتها الملحة، وتضاريسها.
وعندما شهد لمندور بالفهم فقال: "هذا ما يراه ناقد حصيف في مذاهب الادب في البيئة المصرية، التي احتكت بالغرب، وبثقافة الغرب وتياراته الفكرية وكان لها من احداث الحياة ما لم تشهد مثله اكثر البلاد العربية فما بالك بمذاهب الادب في الجزيرة العربية؟ إن الحديث عن هن هذه المذاهب (هناك) بوصفها تيارات محددة المعالم يبدو أسطورة ومع ذلك فلا معنى لنا من الحديث عنها بوصفها نزعات فردية او جماعية ضيقة".
في الطريق إلى عبدالله عبدالجبار
(تجربة نصية)
الأستاذ - حسين بافقيه
كنت أشعر بلذة النص.. تملكني وقتها احساس بضغط اللغة على وجودنا حينما تسري فينا لاغية الزمان والمكان، فنشعر ان شيء سوى اللغة فاعلة فينا فعلها العجيب، تكون أنت في العالم ولست فيه، لأن الذهن اللغوي مشغول بعوالمه التي لا تحدها حدود.. يتملك الاحساس بالدهشة، تتغلب على شعورك، تحولك الى نص معلق في الفضاء، وكأنك تعيش حالة مخاض.. إنها حالة اشبه بالبرزخ، بلحظات الانتقال من عالم الى آخر.
كنت الملم اطراف الزمان بأصابعي، كنت احركها، كل ذلك والعربة التي تقلني تذرع الاسفلت، مسرعة؟ - لعلها - ولكنني - يقينا - كنت ادرك ان الطريق ليس هو الطريق المعهود الذي اعرفه من كثرة سيري عليه، لانني كنت محاصرا بالنص، اقرأ -داخل زماني اللغوي- فصولاً من تداخل الازمنة، وتداخل النص، ولعل هذا ما اكد لي زعامة اللغة، هيمنتها، وقوفها على ذاتها، مشكلة عوالم لا تحصى، بل مشكلة ذواتنا.. انها تحمل فينا مباضعها وكأنها تتصرف في الموروثات لتكون كما تريد هي، لا كما نريد أن تكون، لعل ذلك ان يكون فعلا سلطويا تمارسه تجاهنا؟ لكنني كنت اشعر ان تملك اللغة لي لحظتذاك، لم يكن فعلا قسريا، انها لا تعيقني، لانها لم تضعني اما رواسم محددة عليّ ان انتهجها، بل جعلتني في ارض فضاء، ابذرها فتنمو، اقاربها وتقاربني، ليس ذلك فعل اتصا، انه فعل كينوني اشبه ما يكون بالتيار الكهربي، تشعر به، دون ان تحدد مصدر سريانه وقوته.
في الطريق الى عبدالله عبدالجبار كنت اشعر ان ذلك الشخص لم يكن بالغريب عليّ، لانني ما شعرت يوما انني اقرأ - حين قرأت نصوصه - نصا ساكناً، حينما اطالع فعله النهضوي.. نصه نص متحرك، لا يؤمن بالسكون، انه نص يصدر من الداخل الى الخارج، ليعود ثانية من الخارج الى الداخل، وهكذا.. انه "تيار"!
نعم "تيار"! ولذلك لا غرابة ان يتشكل النص لديه كما وسمه ب"التيارات الادبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية".
النص لدى عبدالجبار نص حركي.. دينامي.. تشعر وانت تقرؤه ان ثمة صوتا عاليا، صوتا يحاصر سمعك وبصرك، لانه اذا يكتب نصه النقدي يمارس فعلا كتابيا مغاير، انه يعيد ترتيب آليات الكتابة.. الكتابة عند عبدالله عبدالجبار ليست عملاً يتجه للآخر الغائب، القارئ المفترض، كما هو معروف في جدلية النص المكتوب.. الكتابة عند عبدالله عبدالجبار تحدد ذاتها باتصال كل قارئ بنصه، فالنص لديه معنى بالآن، انه يدِّون المائل، المعاين، لا يمارس فعلا تاريخيا تقليديا، فالتاريخ لديه (تاريخ حي) عبدالله لا يؤرخ فقط، انه يتحدث عن تجربته، عن نفسه، وهذا لا يشير - باي معنى - الى الغاء الموضوعية، الغاء المنهج، فكل ذلك المائل، في النص، ولكن حديثه عن ذلك المائل، كانه حديث عن نفسه - او ما اتصوره هكذا - يتبدى من خلال كون البناء اللغوي لديه بناء آنيا، نصه ملتحم باللحظة الحية، اللحظة المثالية، ولذلك فإنه - اي عبدالجبار- يلتحم بالنص- يعيشه، يتجلى فيه الماثل لديه يخرج عن جدل (الوعي الممكن) ذلك الجدل المبني على تصور يوتوبي يتمحور في القفز على التاريخ وحركة المجتمع, لكن الماثل لديه يتبين داخل اطار جماعي، لعله أن يكون في أساسه جوانيا، ثم لا يلبث أن يتموضع داخل حركة اللغة وتجليها، تلك اللغة الابداعية التي يفتش عنها عبدالجبار لكونها ملتحمة بالواقع المعيش!
عبدالله عبدالجبار والإبداع الغائب من كتاب (سالف الأوان)
د. منصور ابراهيم الحازمي
بعض الأعمال الأدبية تصبح علامات على أصحابها، فلا تذكر إلا ويذكرون، ولا يذكرون إلا وتذكر معهم، كأنها الهوية او البصمة، الجاحظ بالبخلاء، وطه حسين بالشعر الجاهلي، وعبدالله عبدالجبار بالتيارات الأدبية. على ان للمكثرين فرص التحقق في اعمال اخرى لا تقل شهرة، اما المقلقون فلا امل لهم، وان واتاهم الحظ، الا في لقمة واحدة. وهكذا استاذنا عبدالجبار نسيت كل اعماله القليلة، ولم يبق له سوى هذا الكتاب التعيس الحظ الذي لا يكاد يُرى، ولم يطبع حتى الآن طبعة منقحة ثانية.
اما الحديث عنه مبدعا فلا يقل صعوبة، اذ ان ما في ايدينا من كل هذا الابداع المزعوم لا يعدو الوريقات القليلة: (امي) و(العم سحتوت) و(الشياطين الخرس). الاولى قصة صغيرة للناشئة، والثانية تمثيلية اذاعية، والثالثة، ولم ارها، مسرحية وجميعها صدرت في النصف الاول من خمسينيات هذا القرن، كما صدر كتاباته: (قصة الادب في الحجاز) والتيارات الادبية الحديثة في قلب جزيرة العرب، في النصف الثاني منه، ومعنى هذا ان ذلك العقد الخمسيني الصاخب والمليء بالاحداث قد استوعب معظم انتاج عبدالجبار الادبي، وان الفترتين السابقة واللاحقة كانتا تمثلان قحطاً طويلا لا حياة فيه. في الاولى كان لا يزال في بداية الطريق، وفي الثانية الممتدة من اوائل الستينات حتى الوقت الراهن، ضاقت به الطريق ثم ادركته الشيخوخة، فصمت وانقطع عن العالم.
ان مثل هذا التفسير قد يبدو معقولا، ولكن من يعرف الاستاذ عبدالجبار وتعلقه بالحرف وانقطاعه الى القراءة والتأمل والدرس، وانفتاحه على ثقافات الامم الاخرى، لا يمكن ان يصدق ان قلمه قد تخلى عنه لحظة واحدة، فالاولى ان نقول، اذن، ان لكاتبنا اعمالا مخطوطة كثيرة لم تنشر، وقد اعلن عن بعضها في الخمسينيات، ومنها ما هو في مجال البحث مثل (مركب النقص واثره في الادب) ومنها ما هو في مجال الابداع مثل: (سائق البريد وقصص اخرى)، ولا بد ان له مشروعات اخرى خلال الفترة الطويلة التي قضاها مغتربا في لندن، ثم بعد عودته الى الوطن.
اما ما نستطيع ان نؤكده هنا فهو ان لعبد الجبار مجموعة كبيرة من المقالات الادبية الرائعة كان يواظب على نشرها في صحفنا المحلية، ولا سيما جريدة (البلاد) السعودية. فلعل دراسة متخصصة عن الاستاذ عبدالله عبدالجبار وادبه، تستطيع ان تطلعنا مستقبلا على جوانب وآثار لا نعرفها، وتعيد النظر في اسهاماته في الحركة الادبية والثقافية في بلادنا، ونقومها تقويماً صحيحا.
اما قصته (امي) فهي قصة تعليمية اصلاحية، الفت خصيصا للشباب والطلاب، وتمثل الحلقة الاولى - كما هو معلن على الغلاف - من السلسلة القصصية التي كان يصدرها كل من عبدالله عبدالجبار وعمر عبدالجبار وعبدالعزيز الرفاعي بعنوان (الجيل الجديد). ومفهوم القصة عند كاتبنا لا يختلف عن مفهومه السائد عند جيل الرواد الاوائل بين الحربين، من امثال الانصاري والعواد والسباعي، فالقصة تكتب لغاية اجتماعية او قومية، وهي لا تعدو ان تكون (احدى الوسائل الفعالة لتربية النفوس وشحذ الهمم وايقاظ الوعي) (مقدمة "امي").
وفي قصة "امي" نرى صورة مؤثرة لهذا الكفاح والجهاد الذي يدعو اليهما المؤلف. فالأم الفقيرة التي تفقد زوجها الشاب في حرب فلسطين، تعكف على العناية بابنها الصغير، وتضطر الى العمل بيديها ومواجهة شتى المشكلات والصعاب لتوفر لوحيدها اليتيم القوت والرعاية.
عبدالله عبدالجبار معلم من معالم الحركة النقدية
الدكتور - محمد صالح الشنطي
واما المعلم الثالث من معالم الحركة النقدية في تلك الحقبة فيتمثل في كتاب (التيارات الادبية الحديثة في قلب الجزيرة العربي)، ويلاحظ ان الجهد التاريخي في هذا الكتاب اوضح من الجهد النقدي، فقد استغرق القسم الاول منه في الحديث عن موضوعات لا صلة لها بالنقد، فكان بحثا في جغرافية الجزيرة العربية وتاريخها الحديث، واما القسم الثاني فقد اشتمل على عدة مباحث وهي: (ميلاد الادب الحديث في قلب الجزيرة العربية) و(الرمزية الخاصة في أدب الجزيرة العربية) و(العوامل المؤثرة في أدب الجزيرة العربي). ثم انتقل بعد ذلك الى دراسة (التيارات الادبية وأثرها في الشعر)، وقد طاف فيه الناقد على الدراسة الفنية الموضوعية لشعر الجزيرة، وخلص الى ان هذا الشعر يتوزع في ثلاثة تيارات، كلاسيكي ورومانسي وواقعي، والتيار الاخير (الواقعي) يتشعب الى اربع شعب فيضم الاتجاه الاجتماعي والاتجاه الثوري والاتجاه الوطني والاتجاه القومي.
ويسلك الناقد منهجا واضح المعالم بين التنظيم في بحثة هذا، فيربط الاتجاهات بأسبابها الموضوعية والخاصة، وبحقائق المرحلة، مشيرا الى اثر البيئة الادبية والمناخ الثقافي في المحلي والعربي وخصوصا في مصر والمهجر، ودوره في توجيه تلك التيارات، اذ يعزو ظهور التيار الرومانسي الى نشوء الحركة الرومانتيكية ممثلة في مدرسة (ابوللو) في مصر، والمدرسة الرومانسية في لبنان، وحياة القلق والاضطراب التي عاش في ظلها الادباء وعدم قدرتهم على تحقيق مآربهم، والمزاج الانطوائي لعدد من الشعراء والترجمات التي قام بها العقاد والزيات وغيرهما، والى اثر الصوفية المتحكمة في الشرق.
شيخ النقاد عبدالله عبدالجبار
أول سفراء أدب الجزيرة.. وآخر قرائه..
الدكتور عبدالله مناع
لكأن هذه الليلة.. إحدى ليالي الحرية التي لم يسبقها مثيل اذا استثنينا ليالي اختيار (الجاسر) و(الفقي) و(الجهيمان) ليكونوا شخصيات عام 1415و1419و1420ه الادبية على التوالي، وعلى الفوارق بينهم: بين ريادة التنوير وارادته عند (الجاسر).. وكبرياء الشاعر وهموم الوجود الانساني بين الهدى والضلال عند (الفقي).. ويسارية العدل الاجتماعي وميثولوجيا الاساطير وتراث الامثال عند (الجهيمان) ومع ذلك تبقى الفوارق بينهم مجتمعين وشخصية هذه الليلة المتميزة على اكبر قدر من الاتساع، وبما يعطيها عبر تاريخ الجنادرية الذي طوى ما يزيد من عقدين من الزمان.. تفردا باهرا قد لا يصدق.. وكأنهما إيذان بميلاد فجر جديد، وشمس جديدة، وعمر جديد، يطل مع اطلالة اولى سنوات عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. وهي تنتظم الى جانب سابقاتها باقامة الحوار الوطني واطلاق سجناء الرأي، واجراء الانتخابات البلدية، واخراج المرأة من قمقمها.. الى دروب الحياة وحتى الوصول بها الى مقاعد مجالس ادارات الغرف التجارية الصناعية بجدة فالدمام.. لتشكل طقسا سياسيا واجتماعيا جديدا اقل ما يقال عنه انه مختلف عن سابقه كل الاختلاف.
فمن هو عبدالله عبدالجبار.. هذا الذي توسم ليلة الاحتفاء باختياره شخصية العام 1426هذ الادبية.. بانها ليلة من ليالي الحرية؟ من هو (طائر العنقاء) المستحيل في ادب الجزيرة العربية.؟ او من هو طائر الخرافة الذي حط في زمن النسيان.. كما وصفته الكاتبة الصحفية البارعة الاستاذة (ريمة الخميس) بعد نجاحها في اعداد ملف عنه وعن حياته واعماله قبل سبع سنوات لنشره في صحيفة الجزيرة.. وقد دعت للمشاركة في تحريره سبعة عشر من المع الكتاب وابرزهم من زملائه واصدقائه وتلامذته، فما كانت تطلب من (واحد منهم ان يكتب عنه - ومعظمهم كانوا خارج المدينة او خارج الوطن الا ارتد لي صوته محملا بفرح، اغرقني ما فاض منه عن صدورهم.. فرح يعلنه الحماس وسرعة الاستجابة، وتنكره نبرة اسى لم تغب عني في كل من اتصلنا بهم) كما قالت (1).. لتبدو لي استجابتهم السريعة والمغمورة بالفرح والاسى عندما اطلعت على ذلك الملف - بعد سنوات من صدوره - وكأنها كفارات عن سنوات صمتهم.. يسارعون بها طلبا للمغفرة عن جحودهم، وتناسيهم، وقبولهم بالامر الواقع الذي نفى به الاستاذ عبدالله نفسه لعشر سنوات حتى حلى له المنفى والصمت الابدي من حوله، ولولا القلة القليلة الفاضلة.. التي احاطت به في سنوات اغترابه ووحدته ووحشة منفاه، تسانده وتحاوره وتمسح جبهته وتكفكف دمعه.. لكان في عداد الراحلين من سنين طويلة مضت.
فكان طبيعيا ان يختار البعد عن سواهم في منفاه.. كما اختار القطيعة بعد عودته - في اوائل الثمانينات الميلادية - ليبقى بعيدا عن هؤلاء واولئلك الذين لا يرجى منهم نفعا وقد يخشى منهم ضررا، وهكذا مضت الايام والسنون.. الى ان غدا علم الفكر والثقافة الكبير الذي تعرفه الجامعات والمعاهد العليا، ويعرفه الاكاديميون والباحثون والدارسون وعليه المثقفين.. نكرة يسأل عنه حتى ابناء الاربعينيات من ابناء جلدته سؤالي الاستنكاري هذا: من هو عبدالله عبدالجبار؟ اما من دوهم.. فهم لا يعرفون قليلا او كثيرا عن هذا العلم. الذي غدا وكأنه (نكرة)!
عبدالله عبدالجبار أديباً وناقداً، وكاتباً اجتماعياً، وقاصاً
الأستاذ/ حمد الجاسر
خاطبتني احدى فتياتنا المثقفات بواسطة الهاتف و(اللاقط) في ليلة اليوم السادس من شهر رجب 1429ه، الأديبة الفضلى ريمة الخميس، بأن جريدة (الجزيرة) من واقع قيامها بواجبها في خدمة هذا البلد تراثا وتاريخا وحاضرا ومستقبلا، ترى أن تتحدث لقرائها عن الأدباء والمثقفين، من باحثين ومؤرخين، ممن أسهم في الجوانب الثقافية اسهاماً نافعاً وأنها تعد العدة لإصدار عدد خاص عن الأستاذ عبدالله عبدالجبار.
والواقع أنني لا أنكر ما تقوم به صحافتنا في هذا الجانب، ولكنني كنت أتمنى أن تكون العناية به أعم وأشمل، فقد دأبت صحفنا للكتابة في هذه الناحية بطريقة متواصلة عمن تراه جديراً بأن تبرز جوانب من أدبه وثقافته.
ومن المعروف أن نظرة المشرفين على هذه الصحف إلى الموضوع نفسه قل أن تتفق إلا في جانب واحد - في الغالب- هو جمع المادة التي تضفي على من يراد الحديث عنه ثوبا فضفاضاً من الثناء، ولهذا فأكثر الكتابات لا تحاول التعمق بدراسة الخصائص والمميزات التي لهذا الأديب أو الكاتب أو الشاعر، بل لا يعدو رغبة الصحيفة إثراء كتابها بمن تود منهم الكتابة في الموضوع.
من هنا كنت أرى - بل وأتمنى - أن يتولى جانب الحديث عن أدباء هذه البلاد وباحثيها من ذوي الاختصاص والمعرفة من هم جديرون بالقيام به، في أي ناحية من نواحي اختصاص أولئك، لا أن تملأ صفحات الصحف بكلام قد يكون للعواطف فيه- قبل ايضاح الحقائق - أكبر نصيب.
الأستاذ عبدالله ذو مواهب متعددة، فهو يمد من رواد كتاب القصة في البلاد، ينحو معالجة إصلاح القضايا الاجتماعية.
وهو كاتب مسرحي، ولعله من أول من طرق هذا الجانب الأدبي بين كتابنا- إن لم يكن أولهم.
وهو يمد على رأس النقاد بين أدباء البلاد، الذين لا تعوزهم النزاهة والجرأة والصراحة، وله مقالات في هذه الناحية، نشرت في الصحف، ومشاركة في بعض القضايا الأدبية، هو حقا ناقد جرئ، لكنه مع ذلك يتصف بالحكمة وسمو الغاية وعدم التحيز.
وقد تصدى للكتابة عن تاريخ الأدب، فصدر له - بالمشاركة- الجزء الأول من (قصة الأدب في الحجاز) وجمع مواد تتعلق بما بعده ولا أراه إلا استمر في العمل لإكماله.
كما ألقى محاضرات على طلاب (معهد الدراسات العربية) في (جامعة الدول العربية) سنة 1378 (1958م) عن الأدب المعاصر في المملكة، تعد من حيث الشمول ومحاولة استقصاء جميع الجوانب، من أوفى الدراسات في موضوعها.
عبدالله عبدالجبار.. هل نستحقه؟!
الأستاذ/محمد سعيد طيب
(إن تكريم الأديب ليس في أن نعطيه ما يستحق.. بل في أن نأخذ منه ما يعطي..)
جبران خليل جبران.
قد أكون أحد قليل الكثير من تلاميذ ومحبي الأستاذ عبدالله عبدالجبار متعه الله بالعافية الذين سعدوا بالدخول إلى عالم عزلته المجيدة، والقفز من على أسوار صمته الموجع.
كانت وما زالت ضالتي ومبتغاي غير ما يرتجيه ويبتغيه الآخرون.. يتملكني توق دائم في أن أكسر ذلك الجدار، وأقترب وأدنو من عقله وقلبه وعالمه الخاص.. عالم القيم الأخلاقية النبيلة، وموطن الرأي المستنير الذي يأتي بعد دراسة وتمحيص، وعن إرادة صابرة على اطالة النظر، والتنزه عن التعصب والهوى.. عالم الإباء الصارم في سعة ادراك، وحسن طوية، وسمو مقصد، واصرار على المبدأ.. الإباء المدين والرافض لأي إغراء، والنابذ لكل إغواء في تعال لا يشوبه الكبر، وصراحة لا يخالطها الرياء.
إن الأستاذ الكبير يمثل أول ومضة ضوء ساطعة في ساحتنا الفكرية والثقافية.. تناثرت في اشعاع ينير ولا يعشي، وكان ذلك في بدايات النصف الثاني من هذا القرن..وتمثلت تلك البقعة في باكورة انتاجه الفكري (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) في جزئه الأول عن الشعر، وجزئه الثاني عن النثر، و(قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي)، و(الغزو الفكري في العالم العربي) التي اعتبرها الدارسون والنقاد من أهم الدراسات وأشملها في مجالها، حيث جاءت متفردة في نسيج أدبي رائع مزج الجغرافيا بالتاريخ والحضارة بالثقافة، والأدب بالسياسة والاجتماع بأسلوب تسجيلي تحليلي موضوعي تنضح حروفه بعشق متجذر للوطن.. اضافة إلى مقالاته ومحاضراته ومقدماته للعديد من المؤلفات التي انتهج فيها أسلوباً متفرداً فثي الطرح والتناول، جعلها بمثابة اضافات متعمقة شافية.. فكل تلك الإبداعات أتمنى أن يقيض الله لها من يجمعها تعميما للفائدة.. وحفظا لهذا العطاء الثر، رغم قناعاتي بأن الأستاذ قد خلق عيوفا لا يرى ولا يريد أن يرى لابن حرة عليه يداً !.
وطالما توقفت كثيرا أمام منهج وأسلوب ورؤى وأفكار الأستاذ التي عمد فيها أن يرسخ قيم تأثير الأدب في الحياة، بحيث لا يتوقف عند حدود إثارة الأحاسيس، بل يمتد بعيدا ليعيد صياغة الحياة نفسها، سموا بأحاسيس وفكر وسلوك المتلقي والارتقاء به إلى آفاق أرحب وأكرم.
عبدالله العبدالجبار.. وماذا بعد عنه؟!
الأستاذ/عبدالله بن عبدالرحمن الجفري
في كل مرة نكتب عنه هو بالذات، نكتشف أننا نقول كلمة جديدة تختلف عما كتبناه عنه.. كأن أدبه وفكره ومنهجه: يتفتق في كل مرة بالجديد، وبالدلالات، وبالإبداع.
وفي زفة نغم صوت (فيروز) أقول:"كتبنا وما كتبنا و.... مهما كتبنا) لن نوفي هذا (الأستاذ) حقه، وقيمته وجهاده بالكلمة.
- سألته في أيامه هذه التي يسترخي فيها: نريد أن نقرأ الجديد لك يا أستاذنا؟!
فأجابني بعد صمت: جديدي.. هو التأمل اليوم.!
ولم يكن (الأستاذ) عبدالله عبدالجبار: يطيق أن يجافي الكتاب، ولا أن يخاصم الكلمة.. وهو في تأملاته اليوم لم يفعل ذلك، ولكنه - كما يقول لي:
- صار الكتاب المفيد والثري: عزيزاً جداً في عزلتي هذه.. لكنه يصلني، فإذا هو أثمن هدية، لكن ذلك الشغف القديم للقراءة والكتاب: أحنّ إليه اليوم بحزن شديد..!
* فهل هو الحب للأستاذ/ عبدالله عبدالجبار؟!
* فهل هو (التشبع) بأستاذيته لنا، وبأفكاره التي أضاء بها عقولنا، وأسرج رؤانا؟!
هذا هو "بقية" الناس.. أي بقية هذا "الجيل" الدسم، المثقف، الموجه الذي ترسّمنا خطاه، ومتحنا من معينه.. وكأنه الجيل الأخير الذي لم ينجب.. وكأنه عمق البئر الذي عجزت دلاؤنا أن تهبط إليه لتستقي منه المعرفة، والأصالة في الفكر، والتجدد في الإبداع!!
عبدالله عبدالجبار رمز وقدوة أدبية
الدكتور/محمد عبده يماني
فرحنا جميعا بتكريم أستاذنا الشيخ الأديب عبدالله عبدالجبار، الذي يعد رمزاً من رموزنا الحضارية وهامة أدبية شامخة فقد كان صادقا وجريئاً وساهمت عطاءاته في بلورة مجموعة من قضايانا الفكرية والأدبية وكانت له تلك الروح العالية ومدرسة النقد التي تعلمنا منها.وهو رجل ذو مواهب متعددة وفكر نير وجرأة في الطرح وسلاسة في التعبير وعمق في الفهم عشق في الفهم عشق اللغة العربية وأحبها وتعمق فيها وحببها إلى القراء وقد كان منزله في مصر ملتقى الأدباء ورجال الفكر وتلاميذ العلم والأدب والثقافة وأحسب أنه من الأدباء القلائل الذين مارسوا النقد النزيه وكان منصفا وحياديا وله دوره الريادي في الأدب والتربية والثقافة حتى اشتهر بأنه شيخ النقاد.ومن تواضعه ووفائه أنه يقول يوم تكريمه:(إن هذا التكريم هو لي ولجميع زملائي وأصدقائي ممن أسهموا في رقي الأدب والاهتمام بالتربية والتعليم).
هذا الإنسان له حس وطني كبير ويقظة ذهنية وضمير حي كان هو المحرك في كل ما يكتب ويتأمل وله جرأته ولغته الراقية وقد أثبت وجوده وكسب احترام أبناء الوطن من المربين والمثقفين كمرب ومصلح ووطني وعربي مسلم غيور.
وقد كانت سعادتنا كبيرة ونحن نتابع تكريم هذا الأديب الإنسان في مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة لهذا العام والذي جاء تحت عنوان معبر عظيم (وفاء وبيعة) وبرعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز صاحب فكرة المهرجان أصلا منذ (21) عاما ومفعله والمشرف على استمراريته وتطويره.
عبدالجبار.. الرواية التي لم تكتب
الأستاذ/ محمد صادق دياب
حسناً فعل مهرجان الجنادرية حينما اختار الأديب الكبير عبدالله عبدالجبار شخصية العام الثقافية، وليكون أول من تحتفي بهم "الجنادرية" في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، فعبدالله عبدالجبار أديب كبير فريد متميز يحق لنا أن نفاخر به ونفتخر، وهو ليس مجرد أديب، ولكنه موسوعة من النبوغ النادر، والإبداع الثري، والقيم الشامخة، فلقد أشعل هذا الرجل فتيل النقد الأدبي قبل عشرات السنين، يوم كان النقد في جل طروحاته مجرد عرض انطباعي ساذج، ليجعل من النقد ابداعاً مضافاً إلى الابداع.. هو من جيل رواد الأدب السعودي ومن أبرز راياته، عاش جنباً إلى جنب مع قادة التنوير الأوائل حمزة شحاته وأحمد السباعي ومحمد حسن عواد وحمد الجاسر وآخرين.. وكان نداً لهم، وقامة لا تقصر عن قاماتهم.وهو باختصار رواية كبيرة لم تكتب.
لزهد هذا الرجل في الأضواء إصراراً عجيب، فهذا الرجل الذي تطارده الشهرة بارع في الهروب منها، ففي كل مرة يكتب أحدنا خبراً عنه أو مقالة يسارع بالاتصال ليقول بأدبه الجم "وماذا يهم القراء من رجل الأمس؟" وهو كما وصفه الزميل علي سعد الموسى بأنه الرجل الذي "عاش قرنين، قرناً كاملاً معنا وقرناً آخر قادماً سبقنا جميعاً إليه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.