ينقسم القادة إلى ثلاثة ، مدرك لأهمية صناعة المستقبل ووضع بصمات على التاريخ ، و مراع لمسارات الأحداث واتجاهاتها دون أن يترك فيها أثراً يذكر ، أو معاند لاستحقاقات المراحل دون حسابات لمتطلبات التعامل معها. وللمغفور له بأذن الله الملك فهد بن عبد العزيز الذي نمر هذه الأيام بذكرى وفاته العاشرة بصمات أقرب إلى النقوش على تاريخ المملكة والمنطقة الحديثين يتلمسها كل باحث عن معالم النهوض التي تلت مراحل من توحيد مملكة الخير على يد المؤسس عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه. فلم يترك موقعا حل فيه قبل توليه دفة الحكم دون اضافات ولمسات تتذكرها الأجيال اللاحقة بالعرفان، فهو صاحب الرؤية التربوية حين كان وزيراً للمعارف، والساهر على أمن البلاد وأهلها لدى توليه الداخلية، والعارف بإدارة شؤون الدولة وهو يتولى بجدارة منصب النائب الأول لرئيس الوزراء خلال ولاية العهد. منذ بداية تدرجه في المناصب الحساسة التي صقلت فيه رجل دولة من طراز قل نظيره أدرك المغفور له معنى أن يكون في مدرسة الملك المؤسس حاملاً لرسالته وارثه السياسي الذي أعاد تشكيل المنطقة وقدم مساهمته المباركة في إعادة الإعتبار لدور العرب والمسلمين المؤثر في السياسة العالمية. وشهدت فترة حكم المغفور له بأذن الله عواصف وزوابع إقليمية متلاحقة لم تفقده السيطرة على زمام الأمور وملكة إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ليدلل بذلك على شخصية قيادي بالفطرة صقلته التجربة. نذكر الجهود الدؤوبة التي بذلها دون كلل أو ملل لمعالجة الأزمة التي سبقت غزو الكويت بحكمة القائد العالم بأهمية المنطقة وموقعها وثرواتها وتأثير أحداثها على الإستقرار والأمن العالميين. ولا تغيب عنا مغالبته مسار الأحداث الذي كان يتجه نحو كارثة حقيقية كادت أن تلحق بدول وشعوب المنطقة بعد إحتلال الكويت. بتشكيله التحالف الدولي لتحرير الكويت وفتحه أبواب المملكة أمام الكويتيين ، وضع المغفور له أساساً متيناً للحل وإعادة تقويم الإعوجاج ، مؤكداً على وحدة مصير دول وشعوب الخليج العربي ، ودور مجلس التعاون الخليجي كنواة لحفظ الحدود الدنيا من المشهد السياسي العربي. أثبتت السنوات الأخيرة كما التي سبقتها صحة ما ذهب إليه المغفور له بإذن الله وعمل على تكريسه ليصير خارطة طريق تنتفع بها الأجيال اللاحقة في مواجهة عثرات التاريخ . ترك الشجرة المباركة التي زرعها المؤسس خضراء يانعة يفئ بظلها كل باحث عن الأمان وترعى ثمارها سلالة كريمة نذرت نفسها لكل ما فيه خير العرب والمسلمين، ولا يسعنا ونحن في حضرة ذكرى القائد المجرب إلا أن ندعو العلي القدير أن يتغمد روحه بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنانه، ويحفظ القيادة السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ويسدد خطاه نحو فجر تنتظره شعوب الأمتين العربية والإسلامية.